icon
التغطية الحية

الحياة في فنزويلا بعيون سورية

2022.10.07 | 06:25 دمشق

السوريون في فنزويلا
السوريون في فنزويلا
ميتيو - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تسرد لنا ياميل حبيب عن حياتها كسورية في فنزويلا، ولهذا كتبت تقول:

كانت علبة الغداء الزرقاء من أقدم ذكرياتي عن المدرسة، حيث كانت أمي تضع لي فيها طعامي قبل ذهابي للروضة، إلا أنني مازلت أتذكر مدى خيبة أملي عندما كنت أكتشف بأن السائل الموجود في الفنجان قد انسكب فوق شطائر الجبن واللبنة اللذيذة.

عندما بحثت في داخلي، أدركت بأني لم أكن الوحيدة التي كانت تعاني من تلك المأساة، وذلك لأن زملائي في الصف كانوا يعانون من المصيبة ذاتها، إلا أن علب غدائهم كانت تغرق بعصير التوت، في حين تتحول علبتي إلى مسبح للشاي.

كنت أول من انتبه لذلك في بيتنا، وأعني بذلك أننا لم نكن نتناول الأطعمة نفسها التي يتناولها زملائي في الصف، إذ في الوقت الذي كان فيه الفطور التقليدي لطفل فنزويلي في تسعينيات القرن الماضي يتألف من آريبا محشوة بالجبن والزبد، كان طعامي عبارة عن رغيف خبز عربي مدهون باللبنة، بالرغم من أنني لم أكن فتاة ذات أصول أوروبية ولدت في أحد بلدان أميركا اللاتينية كما كانوا يقولون عني.

قد تكون نعمة خفية للمرء أن يولد المرء في أواخر ثمانينيات القرن الماضي في فنزويلا، وذلك لأن فنزويلا في ذلك الحين كانت تنعم باستقرار اقتصادي باتت تحسد عليه بعد ثلاثين سنة، إذ مازلنا نتذكر تلك الألعاب التي كان الأطفال يلعبون بها بعد عودتهم برفقة أسرهم من عطلة قضوها في ميامي الأميركية.

وبالنسبة لوضعي، وعلى الرغم من وجود إشارات معينة تدل على العالم في الخارج داخل البيت، إلا أن تربيتي وأفكاري عن الحياة كانت مختلفة، لأنها تعود لجدين كانا على متن سفينة رست في ميناء ماراكايبا في خمسينيات القرن الماضي.

وكما حدث لجدي وجدتي لأبي، كذلك الوضع بالنسبة لجدي والد أمي، الذي ترك سوريا الفقيرة بحثاً عن المعجزة الاقتصادية في أميركا الجنوبية، وعلى الرغم من عدم معرفتهم باللغة أو بطريقة العيش في منطقة لا شتاء فيها ولا خريف، إلا أن أجدادي انطلقوا في تلك المغامرة التي تأتي مرة واحدة بالعمر.

بيد أن جدي لأمي وقع في حب فنزويلية فتحت له الباب عندما كان يبيع الفراشي التي كان يحملها ويتنقل من دار إلى دار، فكان زواجه من مسيحية أكبر مغامرة في حياته.

إذ اعتنق جدي المسيحية وبنى بيتاً يشتمل على حمامات أكثر من عدد القاطنين فيه، وهناك عشت سنوات طفولتي.

كانت الأطباق العربية والإسبانية تزين المائدة الخشبية الكبيرة في بيت جدي، حيث كنا نتناول الآريبا واللحم المشوي والحلويات المصنوعة من الأرز والمعجنات المحشوة بالفستق.

كانت جدتي تدخن سجائر من نوع بيلمونت، وكان جدي يحشو غليونه ليستمتع بالقهوة المضاف إليها حب الهال. وكنا نصلي ونبتهل إلى الله لأن الله واحد كما كان جدي يقول لنا.

كنا نستمع لفيروز ولأوسكار دي ليون في بيتنا، أما التلفاز فكان استخدامه مخصصاً للمناسبات الخاصة. ولقد عشنا حالة التوفيق بين الأديان والصرامة ذاتها في بيت أمي. إذ بخلاف عائلة أبي التي كانت تجبر أولادها على البقاء ضمن دوائر مغلقة داخل الجالية العربية، وفي البيت، حاولت أمي وأبي أن يطلعانا على العالم في الخارج، أي العالم اللاتيني، على الرغم من أننا كنا لا نستوعب نصف الإشارات والدلالات الاجتماعية فيه.

وعلى الرغم من أني أمضيت سنوات طويلة من حياتي حتى فهمت ذلك الإحساس بعدم الانتماء الذي يشاطرني فيه ملايين السوريين اللاتينيين، إلا أني في الحقيقة مازلت حتى اليوم أتناول الخبز العربي مع اللبنة والزيتون، وأرقص السالسا بشكل جيد، ومازلت أؤمن بأن الله واحد.

 المصدر: ميتيو