الثورة السورية في عامها الجديد.. التغيير البنّاء نحو مستقبل أفضل

2023.03.16 | 06:07 دمشق

الثورة السورية في عامها الجديد.. التغيير البنّاء نحو مستقبل أفضل
+A
حجم الخط
-A

تدخل الذكرى السنوية للثورة السورية عامها الثاني عشر، ونحن نقف على حقيقة ضرورة تجاوز كل الشكليات والشعارات إلى العمل الحثيث في البحث عن سبل تحسين أوضاع السوريين وظروفهم الحالية، وتجاوز جميع المعوقات التي حالت دون تحقيق الأهداف التي انطلقت من أجلها ثورة 2011، وذلك من خلال العمل التشاركي على البناء من جديد.

دفع الشعب السوري ثمناً كبيراً وقدم تضحيات لم تنته خلال اثني عشر عاماً، لكنها لم تتناسب مع النتائج التي آلت إليها أوضاع بلادنا، فكانت المأساة السورية من أكبر المآسي منذ الحرب العالمية الثانية، أكوام من التعقيدات السياسية سدت كل الفرص في جنيف وأستانا وسوتشي، مما زاد خيبة آمال السوريين في الوصول إلى الحد الأدنى من مطالبهم في الانتقال إلى نظام سياسي بديل، لتزداد هذه التعقيدات مع محاولة بعض الدول إعادة العلاقات مع نظام الأسد مستغلة كارثة زلزال 6 من شباط الماضي لزيادة التطبيع وتوظيف الكارثة الإنسانية في إطار سياسي.

لكن هذه المحاولات العبثية في إعادة العلاقة مع نظام الأسد بحجة إيقاف الامتداد الإيراني في الشرق الأوسط لن تفلح في إعادته إلى الحضن العربي والدولي بعد عزلة طويلة، فهذا النظام الذي تسبب بأكبر كارثة إنسانية عرفها التاريخ بعد قتل وتهجير ملايين السوريين؛ غير قادر على إعادة ترميم نفسه أو إنتاج مؤسسات بديلة قادرة على احتواء الفوضى الكارثية التي تسبب بها للشعب السوري وللمنطقة ككل، مما يعني أن الدول الباحثة عن التطبيع لن تستطيع خلق معجزة تعيد إحياء هذا النظام الميت من جديد.

للعوامل الخارجية تأثير سلبي كبير على الملف السياسي والميداني طوال هذه السنوات، إلا أننا لا يجب ألا نغفل عن أن أساس العمل السياسي يرتبط بالعامل الذاتي وأداء المعارضة السياسية

ضمن هذه المعطيات، هناك من يحاول ترحيل أسباب هذا الواقع السياسي شديد التعقيد إلى العوامل الخارجية فقط، عبر تحميل المسؤولية للمجتمع الدولي وخذلان دول أصدقاء الشعب السوري، خاصة الدول صاحبة التأثير الأكبر في الملف السوري، كالولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي وتركيا، باعتبارها الدول التي عملت على تدويل الملف السوري وتهميش الأطراف المحلية، ووضع مصالحها في سوريا أولوية دون أن تعبأ بمصالح السوريين.

ومما لا شك فيه أن للعوامل الخارجية تأثيراً سلبياً كبيراً على الملف السياسي والميداني طوال هذه السنوات، إلا أننا لا يجب ألا نغفل عن أن أساس العمل السياسي يرتبط بالعامل الذاتي وأداء المعارضة السياسية، بالنظر إلى نوع وحجم العمل المطلوب ليتناسب مع قضية بحجم الثورة السورية التي غيّرت تاريخ المنطقة بالكامل، في حين أن الأداء المترهل للمعارضة فسح المجال للوصول إلى النتائج الكارثية التي وصلنا إليها اليوم، الأمر الذي يفرض عدم الهروب من تحمل المسؤولية بل العمل بشكل شجاع لبناء الصورة الحقيقية والسعي نحو البدائل القابلة للتجسيد على أرض الواقع، من أجل العمل على تحقيق مطالب الثورة السورية.

مع كل ما رافق الثورة السورية خلال 12 عاماً من تطورات جيوسياسية ومختلف التطورات الميدانية، ومنها اتفاقية خفض التصعيد التي انبثقت عن أستانا وأسهمت بإيقاف مؤقت لإطلاق النار في شمال غربي سوريا، لم تستطع المعارضة السورية تطبيق نموذج يضمن العيش الكريم حتى ضمن الحدود الدنيا، ولم تعمل على بناء مؤسسات خدمية حقيقية تعكس النموذج المثالي في العمل الخدمي والإنساني والمناصرة للقضية السورية على جميع المستويات السياسية والحقوقية، ولا التأسيس لنموذج حوكمي جديد يضع أنظمة حوكمة مدنية هدفها مصلحة السوريين دون الاعتماد على ما تبقى من إرث نظام الأسد أو إعادة إنتاجه بصيغة أخرى رغم كونه أحد أسباب انطلاق الثورة السورية نحو التغيير، كما لم تعمل بشكل جدي على أساسيات التمكين الاقتصادي للنهوض بالواقع المعيشي في المناطق المحررة وتحسين حياة المدنيين بعد سنوات ليست بالقليلة أدمت قلوبهم فأصبحوا بحاجة إلى خلق فرص جديدة للاستمرار.

في الذكرى الثانية عشرة للثورة، تفرض علينا الوقائع أن نعمل بهديها ونستمر في العمل على الضروريات على جميع المستويات، وتتحمل منظمات المجتمع المدني السورية مسؤولية كبيرة في ظل غياب المؤسسات الوطنية الحكومية وعدم وضوح نموذج الحوكمة البديل الذي يحوّل المناطق المحررة شمالي سوريا إلى مناطق محررة بالفعل، وإلى نموذج ناجح ومثالي يتمناه كل السوريين، مع ضرورة ترسيخ التشاركية ضمن الفعاليات المدنية وفق مهام عملية قابلة للتحقيق وليست مجرد أحلام أو شعارات رنانة.

وقد أثبتت منظمات المجتمع المدني السورية بعد كارثة الزلزال المدمر أنها الحامل الأساسي للعمل الإنساني والخدمي والإغاثي، بما فيه تمكين المجتمع اقتصادياً وإعادة بناء الإنسان من جديد، وكل ما ظهر مؤخراً من محاولات إعلامية تهدف لتخوين تلك المنظمات والنيل منها إنما هي محاولات مكشوفة تخدم أجندة النظام في محاربة تمكين الإنسان ومحاربة النهوض بالمناطق الخارجة عن سيطرته.

فشلت المعارضة السياسية السورية حتى اليوم في التعبير عن مطالب الشعب السوري وفي تمثيله، كما فشلت في بناء مؤسسات وطنية بديلة في المناطق التي تخضع لها

في الوقت الذي جمع التحالف الإنساني شركاء العمل الإنساني من المنظمات والمجالس المحلية للاستجابة الطارئة، ما يزال هذا التعاون بحاجة إلى توظيف حقيقي بخطة عمل مستقبلية مبنية على أسس استراتيجية منبثقة عن أرض الواقع تنتقل أبعادها من العمل الإنساني والإغاثي وتتطور إلى تمثيل سياسي جديد يعبر عن أوجاع السوريين ويحمل مطالبهم إلى طاولة المفاوضات في جنيف، مع ضرورة السعي لبناء نموذج حوكمة مدنية ينتج نموذجاً ناجحاً يساعد المدنيين على تحسين حياتهم اليومية وأوضاعهم الاقتصادية والأمنية.

لقد فشلت المعارضة السياسية السورية حتى اليوم في التعبير عن مطالب الشعب السوري وفي تمثيله، كما فشلت في بناء مؤسسات وطنية بديلة في المناطق التي تخضع لها، وذلك بسبب ابتعادها عن جوهر وأساس العمل السياسي المتمثل في الانطلاق من الحاضنة الشعبية لاكتساب المشروعية منها، والعمل على إشراكها في القرار السياسي، وبناء العلاقات والتحالفات مع القوى والفعاليات الشعبية والسياسية داخل سوريا، والتقرب من منظمات المجتمع المدني التي حملت الشمال السوري إغاثياً وإنسانياً لسنوات طويلة رغم وجود محاولات تقارب لكنها ما تزال بعيدة عن المأمول، كما أن أجسام المعارضة السياسية ما تزال غير قادرة على إعادة ترميم وإصلاح نفسها مما يشكل العائق الأبرز أمام تطبيق شعاراتها.

ختاماً، رغم صعوبة الواقع الحالي وتعقيد الملف السياسي والكوارث الإنسانية التي زادت من حدة ألم الشعب السوري خاصة بعد الزلزال المدمر، إلا أن ذلك يفرض على كل أطياف المعارضة السورية مسؤولية العمل معاً وبشكل عاجل، لمواجهة كل الاستحقاقات السياسية والأمنية والاقتصادية القادمة بما تستوجبه من تغييرات ضرورية وواقعية في مختلف المجالات، وتعزيز مجموعة الأسباب الجوهرية لإنجاح العمل المتمثلة بالعمل الجماعي والتشاركي لتطبيق قيم وأهداف الثورة السورية في بناء المجتمع وتمكينه اقتصادياً وسياسياً وتنفيذ مشاريع التعافي المبكر، الأمر الذي سيرغم الدول على إعادة النظر في رؤيتهم المتغيرة تجاه أعظم ثورة شعبية سلمية عرفها التاريخ.