التعليم في سوريا بعد عام من الزلزال

2024.02.08 | 06:43 دمشق

التعليم في سوريا بعد عام من الزلزال
+A
حجم الخط
-A

في السادس من شباط العام الماضي، ضرب زلزال قوي سوريا وخلف دماراً هائلاً في البنية التحتية والمنشآت العامة والخاصة، بما في ذلك المدارس، كانت هذه حادثة مؤلمة للناس الذين يعانون منذ سنوات من ويلات الحرب والنزوح، توفي العديد من الأبرياء وأصيب آخرون بجروح خطيرة، ونزح كثير من الأشخاص عن منازلهم ومدنهم.

بعد عام من الزلزال، يظهر دور التعليم كأداة حيوية في إعادة بناء المجتمع والتعافي، كيف يمكن للتعليم أن يستمر؟ كيف يمكن للطلاب والمعلمين أن يواجهوا التحديات التي تعترض مسيرتهم التعليمية؟ وكيف يمكن للتعليم أن يساهم في إعادة الإعمار والتنمية في سوريا؟ هذه بعض الأسئلة التي أود أن أطرحها في هذا المقال، مستنداً إلى بعض المصادر والتجارب.

كان للتعليم منذ أكثر من اثني عشر عاماً من الحرب تأثيراً مدمراً على تعليم الأطفال في سوريا، وبحسب اليونيسيف: قبل زلزال فبراير/شباط 2023، ظلت مدرسة واحدة من كل ثلاث مدارس خارج الخدمة، وكان ما يقرب من 2.4 مليون طفل -واحد من كل ثلاثة أطفال في سن المدرسة - خارج المدرسة، وكان نحو 1.6 مليون طفل معرضين لخطر التسرب. وأدى الزلزال إلى تفاقم أزمة التعليم في البلاد من خلال إلحاق مزيد من الضرر بالبنية التحتية المدرسية، وتعطيل تعليم ملايين الأطفال، وزيادة المعاناة والصدمات التي يعاني منها الأطفال والمعلمون والأسر، وتقدّر اليونيسيف أن الزلزال تسبب في خسائر وأضرار في قطاع التعليم بقيمة 277 مليون دولار أميركي، مع تأثر 2.149 مدرسة وتأثر أكثر من 96.000 معلم بسبب انقطاع التعليم.

الزلزال لم يكن حادثاً عابراً، بل كان جزءاً من سلسلة من المآسي التي تعاني منها سوريا منذ سنوات طويلة

خلف الزلزال جروحاً عميقة في النفوس، فقد عانى الطلاب من تأثيرات نفسية من الزلزال كالقلق والخوف، وفقدوا الأمان الذي يوفره المنزل والمدرسة، مما أثر على تركيزهم وقدرتهم على التعلّم، لقد كانت تجربة مروعة لهم أن يشهدوا انهيار مدارسهم وبيوتهم وفقدان أحبائهم وأصدقائهم، وبعضهم أصيب بإصابات، كما تأثرت مستوياتهم التعليمية بشكل سلبي، فقد فاتهم كثير من الدروس، إضافة إلى ذلك، اضطر بعضهم إلى النزوح إلى مناطق أخرى، مما أثّر على استقرارهم واندماجهم في المجتمعات المضيفة.
ولكن هل يتأثرون إلى الآن؟ بالتأكيد نعم، فالزلزال لم يكن حادثاً عابراً، بل كان جزءاً من سلسلة من المآسي التي تعاني منها سوريا منذ سنوات طويلة.

 إذن، كيف يمكن مساعدتهم؟ هناك العديد من الجهود التي يمكن بذلها لدعم الطلاب وتحسين حالتهم التعليمية، منها:

  • استمرار الجهود لتقديم الدعم النفسي الاجتماعي، وذلك لمساعدة الطلاب على التعامل مع الصعوبات النفسية.
     
  • تقديم برامج التعلّم الاجتماعي العاطفي لكل الطلاب، من أجل تحسين مهاراتهم وقدراتهم وثقتهم بأنفسهم، وتخفيف آثار الضغط عليهم.
  • إلحاق جميع الأطفال بالمدارس، فالتسرب أخطاره كبيرة.
  • توجيه الدعم السخي للتعليم من قبل المانحين، بما في ذلك توفير فرص التعلّم للأطفال النازحين. ووفقاً لتقرير اليونيسيف عن احتياجات سوريا في عام 2024، فإنّ 6.9 ملايين طفل يحتاجون إلى خدمات تعليمية، منهم 3.2 ملايين فتاة، إضافة إلى وجود 7000  مدرسة مدمرة.

أما بالنسبة للمعلمين، لقد كانوا أيضاً ضحايا لهذه الكارثة، فبعضهم فقد حياته أو صحته أو عائلته أو بيته، وكان لبعضهم تجارب صعبة وصدمات نفسية، لذلك يجب أن تتوافر لهم فرص التدريب والدعم النفسي الاجتماعي للتعافي وتعزيز قدراتهم التعليمية، في ظل اضطرارهم للتكيف مع ظروف جديدة وصعبة في رحلة الألم السورية المستمرة، فبعضهم فقد حافزه للتدريس، وبعضهم تحول إلى مجالات أخرى لتأمين لقمة عيشه، حتى الذين بقوا على رسالتهم، تحدياتهم كبيرة في تحفيز الطلاب وإشراكهم في التعليم.

يعد التعليم ملاذاً للأطفال والشباب الذين تأثروا بالزلزال، حيث يوفر لهم بيئة تعليمية تعزز الشعور بالأمان والدعم النفسي

رغم كل هذه التحديات، فإنّ هناك فرصاً لتحسين التعليم في سوريا بعد الزلزال، فالتعليم هو أحد أهم عوامل الاستقرار والتنمية في أي مجتمع، وهو أساس لبناء مستقبل أفضل للأفراد والبلدان، لذلك إن دعم وتعزيز التعليم في سوريا هو استثمار للسلام والإنسانية، وفي هذا الصدد إنّ هناك العديد من المبادرات والجهود التي تقوم بها المؤسسات لإعادة تأهيل وتجهيز المدارس المتضررة من الزلزال، وتقديم البرامج والخدمات التعليمية، وتدريب المعلمين، وغير ذلك من الأنشطة التي تهدف إلى تحسين جودة التعليم، ولكنّها لا تكفي!

يبرز من جديد ضرورة الاهتمام بالتعليم بعد عام من الزلزال وضمن سياق المأساة السورية، إذ يمكن للتعليم أن يساهم في عدة جوانب مهمة:

  • يعد التعليم ملاذاً للأطفال والشباب الذين تأثروا بالزلزال، حيث يوفر لهم بيئة تعليمية تعزز الشعور بالأمان والدعم النفسي، من خلال استمرار التعليم يمكن للأطفال والشباب أن يستعيدوا روتينهم اليومي.
  • يتيح التعليم للأفراد المتأثرين بالزلزال فرصة للتواصل والتفاعل مع غيرهم من الناجين، مما يساهم في تعافيهم العاطفي والاجتماعي.
  • يعزز التعليم ثقافة الأفراد، فالتعليم يساعد في تنمية المعرفة والمهارات الضرورية لمواجهة التحديات وبناء المستقبل

أخيراً، الزلزال كان صدمة كبيرة، لكنه لم يقضِ على أحلامنا في صنع سوريا الازدهار، نحن شعب لدينا إرادة قوية للنهوض من جديد بإذن الله، التعليم هو سلاحنا، وهو جسرنا إلى المستقبل، لنجعل من التعليم في سوريا بعد عام من الزلزال قصة نجاح وتحدٍّ، وليس قصة فشل وانكسار.