icon
التغطية الحية

التطبيع التركي مع النظام السوري يحقق اختراقين.. ما مستقبل المسار المعقد؟

2023.05.13 | 06:01 دمشق

ءؤر
حلب - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

حقق مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري في موسكو اختراقين تمثّلا بانضمام النظام لآلية التنسيق الأمنية بين روسيا وتركيا في سوريا، وإشراك النظام ضمن الخط الساخن المفتوح بين الدول الضامنة لمسار أستانا، وذلك رغم الشروط التفاوضية المعقدة بين الجانبين، لكن الضغط الروسي لتحقيق هذا التقدم بدا واضحاً، في حين تتجاوب أنقرة مع المسار حتى الآن في سياق انتخابي محلي.

تعيش فيه تركيا تشنجاً غير مسبوق مع قرب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد، ولذا رأى مراقبون أن عقد الاجتماع الرباعي بين وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران والنظام في موسكو قبل الانتخابات بأربعة أيام فقط، يمكن تفسيره بأنه دعم انتخابي روسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ويمكن أن يقلص الفوائد التي يتطلع إليها خصومه من ورقة اللاجئين السوريين تحديداً، مع إرجاء الحديث عن المحاور الرئيسية للتطبيع إلى ما بعد مرحلة الانتخابات.

البيان الختامي للاجتماع الرباعي، أشار إلى أن الوزراء اتفقوا خلال اللقاء على تكليف نواب وزراء الخارجية بإعداد خريطة طريق لتطوير العلاقات بين تركيا والنظام بالتنسيق مع وزارات الدفاع والاستخبارات للأطراف الأربعة، مع تأكيد على "التزامهم بسيادة سوريا وسلامتها الإقليمية ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 والبيانات الرسمية الصادرة في إطار مسار أستانا، والتأكيد على أهمية زيادة المساعدات الدولية لسوريا من أجل ضمان العودة الطوعية والآمنة والكريمة للسوريين إلى وطنهم وتسهيل إعادة الإعمار".

ويعد ملف انسحاب الجيش التركي من سوريا هو الأكثر تعقيداً بين الطرفين، ورغم تأكيد الجانب التركي في أكثر من مناسبة على أن الانسحاب غير وارد حالياً، فإن وزير خارجية النظام فيصل المقداد، جدد المطالبة بذلك خلال اجتماع موسكو، قائلاً: "الهدف الأساسي بالنسبة لنا هو إنهاء الوجود العسكري غير الشرعي على الأراضي السورية مهما كان شكله، وهذا بالطبع يشمل القوات التركية، وبدون التقدّم في هذا الموضوع سنبقى نراوح في مكاننا ولن نصل إلى أي نتائج حقيقية، وسنبقى نعمل ونطالب ونصرّ على موضوع الانسحاب".

اختراقان رغم المواقف المتباعدة

ما زال حجم الشروط والمطالب متباعداً بين الطرفين، فبينما تريد أنقرة لمسار التطبيع المضي قدماً دون شروط مسبقة؛ يشترط النظام السوري انسحاب تركيا من الأراضي السورية ومساعدته في بسط نفوذه على مناطق سيطرة المعارضة.

يمكن القول إن مسار التطبيع بين الجانبين لم يحقق اختراقات ذات أهمية، باستثناء انضمام النظام لآلية التنسيق الأمنية بين روسيا وتركيا في سوريا، وإشراك النظام ضمن الخط الساخن المفتوح بين الدول الضامنة لمسار أستانا، في سياق تركيز أنقرة على ضمان عدم حدوث موجات لجوء جديدة، وتجنب أي عمليات عسكرية في شمال غربي سوريا قد تتسبب في ذلك.

وتحدث قيادي في المعارضة السورية على اتصال بمسؤولين أتراك، لموقع تلفزيون سوريا، بأن الخلافات بين أنقرة والنظام السوري مستمرة، بسبب المطالب المتباينة من الطرفين، إذ إن الجانب التركي يطالب النظام بالتنسيق لمحاربة التنظيمات الإرهابية المتمثلة في "داعش" و"حزب العمال الكردستاني" وأذرعه السورية، مع تكفل أنقرة بمعالجة ملف إدلب وهيئة تحرير الشام، في حين يصر النظام على وضع جدول زمني لانسحاب القوات التركية من البلاد.

النظام يؤكد وتركيا تنفي

بدا تباين المواقف واضحاً بين تركيا والنظام مع انتهاء الاجتماع الرباعي على مستوى وزراء دفاع تركيا وروسيا وإيران والنظام في موسكو أواخر شهر نيسان الماضي، حيث حرصت وسائل إعلام النظام بعد اللقاء على نفي ما ورد في  بيان وزارة الدفاع التركية، الذي تحدث عن اتخاذ خطوات ملموسة في تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وعلى العكس، قال الإعلام التابع للنظام، إن ذلك مرهون بإمكانية انسحاب تركيا من البلاد.

بدورها أفادت مصادر دبلوماسية من موسكو مطلعة على المحادثات بين تركيا والنظام السوري، بعدم صحة التصريحات الصادرة عن النظام، والتي تحدث فيها عن مناقشة انسحاب القوات التركية خلال اجتماع موسكو أواخر نيسان، مؤكدة في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" أن الجانب الروسي ضغط على النظام للتوقف عن المطالبة بانسحاب القوات التركية، حرصاً منه على تمهيد الأجواء لعقد لقاء وزراء الخارجية.

وفي السياق، قال مسؤول تركي لم يكشف عن اسمه، في تصريح لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، إن "تركيا لم تتفاوض أبداً بشأن مسألة انسحاب قواتها من سوريا خلال المحادثات في موسكو (نيسان)، لقد ناقشنا الوسائل المشتركة الممكنة للقتال ضد الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني وجناحه المسلح، وحدات حماية الشعب"، مؤكداً أن أي تصريح من النظام يدعي خلاف ذلك هو موقف يتعارض مع الدور البناء للحكومة التركية في المحادثات.

وذكر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أن بلاده تخطط لإنشاء "مركز تنسيق ميداني" في سوريا بالتعاون مع النظام السوري، مضيفاً: "لدينا فكرة لتعزيز الثقة المتبادلة واتخاذ الإجراءات والتنسيق الميداني للأنشطة الموجودة هناك على الفور بدلاً من انتظار اجتماع الوزراء فقط، نأمل في تنفيذ هذه الخطة في الأيام المقبلة".

تقدم حذر

من الواضح أن مسار التطبيع يمضي بشكل حذر، ويرى الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية محمود علوش، أن العملية مرهونة بالانتخابات التركية، والتي قد تكون لنتائجها آثار كبيرة على السياسة التركية في سوريا.

وفي حال بقاء الرئيس رجب طيب أردوغان بالسلطة، فإنه من غير المتوقع أن نشهد مرونة تركية في مسألة انسحاب الجيش التركي من سوريا، دون تحقيق الأهداف العريضة التي وضعتها أنقرة في البلاد، مثل ضمان الأمن القومي والقضاء على التنظيمات التي تعتبرها "إرهابية"، وإعادة اللاجئين ودفع مسار العملية السياسية.

أما في حال وصلت المعارضة التركية إلى السلطة، فيعتقد الباحث محمود علوش في حديث مع موقع تلفزيون سوريا أن النظام السوري سيكون في موقف تفاوضي أفضل، خاصة أن علاقة أنقرة مع فصائل المعارضة السورية لن تبقى كما هي الآن، مع ملاحظة تراجع كبير لاحتضان تركيا للمعارضة.

تريث وأيام مفصلية

يبدو أن كلاً من تركيا والنظام السوري، رحّلا ملف تطبيع العلاقات إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، بحيث يتم تحديد سياسة واضحة للتعاطي مع الموضوع بواقعية، وتسود قناعة في أروقة النظام بضرورة عدم التسرع في مسار المباحثات مع تركيا، والتريث إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التركية، لأنه يفضل استكمال المحادثات مع إدارة جديدة قد تأتي بعد أردوغان.

وقال بشار الأسد في لقاء صحفي منتصف آذار الفائت من موسكو: "أولوية أردوغان هي الانتخابات ولا شيء آخر، أما بالنسبة لسوريا فالأولوية هي للانسحاب واستعادة السيادة. إذا كان موضوع الانسحاب من سوريا سيحقق لأردوغان الفوز في الانتخابات فليس لدينا مشكلة".

ويرى علوش أن النظام السوري غير قادر على طرح شروط من قبيل انسحاب تركيا ووقف دعم المعارضة السورية، لأن الهدف الأساسي من الآلية الأمنية الرباعية دفع العملية السياسية في سوريا، وإيجاد مسار قد يؤدي لحل في البلاد، وبطبيعة الحال لا يستطيع النظام معارضة هذه المسألة وإلا فإنه سيكون قد دمّر المسار قبل بدايته.

من المؤكد أن مختلف القضايا الرئيسية في المفاوضات بين تركيا والنظام تعد معقدة وصعبة، سواء على مستوى الوجود العسكري التركي في سوريا، أو إعادة اللاجئين، والتسوية السياسية، وبتقدير الباحث، فإنه من الصعب جداً حدوث تقدم في مسار على حساب مسارات أخرى، حيث يتعذر الدفع باتجاه عودة طوعية للاجئين من دون إيجاد تسوية سياسية وبدء عملية إعادة إعمار، والأمر نفسه ينطبق على الانسحاب التركي من البلاد، لذا تفكر الأطراف، وموسكو على وجه التحديد في ترسيخ المسار أولاً وإيجاد قاعدة أساسية للمفاوضات، ثم طرح الأفكار تباعاً و"تدوير الزوايا" فيما يتعلق بهذه القضايا.