التحول التركي في سوريا.. أهداف وآفاق

2023.01.12 | 04:47 دمشق

التحول التركي في سوريا.. أهداف وآفاق
+A
حجم الخط
-A

هل يعود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى سياسة "صفر مشكلات" وهي النظرية الاستراتيجية التي كان قد أطلقها قبل أكثر من عشر سنوات وزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو؟ لا بد من طرح هذا السؤال في ظل التحولات الكبرى في المواقف التركية، وخصوصاً ذهاب أردوغان إلى إعادة العلاقات مع النظام السوري. لم تكن خطوة أنقرة في التطبيع مع دمشق بالمسألة السّهلة، لكن أردوغان يريدها أن تكون دافعاً أساسياً لتحقيق المزيد من أهدافه في سوريا وداخل تركيا قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية. لا يعني ذلك بالنسبة إلى أردوغان وفق ما تقول مصادر تركية أنه سيتخلى عن المعارضة السورية أو عن أهدافه في سوريا، إنما هذه الخطوات ستهدف إلى تثبيت النقاط التركية في سوريا. 

سيحصل أردوغان بموجب التفاوض مع النظام السوري واستعادة العلاقات على اعتراف بشرعيته في المناطق التي دخل إليها والتي يحتاجها أن تكون آمنة لضمان حماية الحدود التركية

يركز أردوغان بشكل أساسي على الانتخابات التي يريد خوضها، في مواجهة تحالف سداسي يضم الأحزاب المعارضة له. هذا التحالف كان يضم الكثير من القيادات المعارضة التي تريد فتح العلاقات مع النظام السوري تحت عنوان السعي إلى إعادة اللاجئين السوريين إلى الأراضي السورية. اختار اردوغان اللحظة المناسبة لقطع الطريق على معارضيه، بالاستناد إلى علاقته مع روسيا ومع إيران قرر إعادة التواصل مع النظام السوري، للبحث في عناوين أساسية من شأنها أن تعزز وضعه الانتخابي. 

أهم هذه العناوين، أن يعمل على التواصل مع النظام السوري حول إعادة اللاجئين السوريين ووقف تدفق المزيد منهم باتجاه الأراضي التركية. وهذا من شأنه أن يرتد عليه إيجاباً في الداخل. ثانياً، فإن أي عملية لإعادة اللاجئين لا بد لها أن توفر لهم منطقة آمنة يعودون إليها، وهو سيتفاوض مع النظام حول هذه المنطقة الآمنة والتي ستعيد إحياء ما يسمى اتفاق أضنة مع سوريا والذي تم توقيعه في العام 1998 ويضمن بموجبه الأمن القومي التركي، هذا الاتفاق الذي ينص على ضمان أمن تركيا من أنشطة حزب العمال الكردستاني، وبحال لم تنجح سوريا بمنع هذه الأنشطة فيمكن لتركيا أن تقوم بما تراه مناسباً لأمنها، وهذا يعني أن أردوغان سيحقق مكسباً انطلاقاً من استعادة العلاقة مع النظام السوري لمحاصرة الأكراد أكثر. ثالثاً، سيحصل أردوغان بموجب التفاوض مع النظام السوري واستعادة العلاقات على اعتراف بشرعيته في المناطق التي دخل إليها والتي يحتاجها أن تكون آمنة لضمان حماية الحدود التركية.

يمكن وضع تلك الأهداف المذكورة بأنها ذات مدى قصير ومتوسط، ولكن هناك أيضاً أهداف ذات مدى أبعد تتعلق باستراتيجية الوجود التركي في تلك المنطقة، خاصة أن الولايات المتحدة الأميركية لا تزال ترفض إعادة تعويم النظام السوري، كما أن دولة قطر والتي يربطها تحالف استراتيجي وثيق مع تركيا ترفض تطبيع العلاقات مع النظام، وبالتالي فإن الإستراتيجية التركية تقوم على تحقيق الأهداف القصيرة والمتوسطة المدى، في مقابل الاستمرار بالسعي لتحقيق أهداف ذات مدى بعيد أي عندما يحين موعد التسوية في سوريا، وهو ما أبلغه مسؤولون أتراك للعديد من المسؤولين الدوليين وللمعارضة السورية بأن ما يقومون به يهدف إلى التمهيد لمرحلة انتقالية سياسياً في سوريا، وفيها سيكون هناك حاجة أساسية لتسوية مع المعارضة السورية وتشكيل حكومة انتقالية.

بناء على هذا الكلام، يمكن اتضاح المسار التركي أكثر، والذي يقوم على فتح التواصل الأمني والسياسي مع النظام في مقابل إبقاء العلاقات مع المعارضة السورية قائمة وقوية تمهيداً حتى يحين موعد التسوية الدولية حول الملف السوري، خصوصاً أن تركيا تعلم مدى الانشغال الروسي في حرب أوكرانيا وهذا سينجم عنه فراغات كثيرة في سوريا، بالإضافة إلى الانشغال الإيراني بالاحتجاجات الداخلية وبالعقوبات المفروضة والتي تنعكس سلباً على مناطق سيطرة الإيرانيين ونفوذهم سواء في سوريا أو العراق أو لبنان، ولا يخفى الواقع الاقتصادي والاجتماعي والمالي السوري المتفجر خصوصاً في ظل انقطاع المحروقات وعدم قدرة إيران على إرسال المساعدات النفطية إلى دمشق. هذه الوقائع كلها بنظر الأتراك ستكون لها ارتدادات سياسية، ولذلك لا بد من التقدم أكثر في سوريا ولو من باب بناء علاقات مع النظام، كي تكون أنقرة قادرة على التدخل عندما تحين اللحظة.

تقدم أنقرة على هذه الخطوات كلها في ظل اعتماد سياسة التهدئة وترتيب العلاقات مع كل دول الجوار

هدف استراتيجي آخر تسعى أنقرة إلى تحقيقه وهو ما لم تنجح بتحقيقه سابقاً من خلال التفاهم مع الأميركيين، هذا الهدف يرتبط بالوجود التركي في شرق الفرات والذي سعت أنقرة في أكثر من مرة لتحقيقه مع واشنطن ولم تنجح، فهي حالياً تعمل على تحقيقه من خلال التفاهم مع روسيا ومع النظام السوري على حساب الأكراد.

تقدم أنقرة على هذه الخطوات كلها في ظل اعتماد سياسة التهدئة وترتيب العلاقات مع كل دول الجوار، فأردوغان عمل على تحسين علاقاته بإسرائيل، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، إلى جانب علاقاته الجيدة مع روسيا وإيران بالإضافة إلى تحالفه مع الأميركيين. هذا كله يريد أن يخوله في أن يكون اللاعب الأبرز على الساحة السورية في المرحلة المقبلة عندما يستفحل الانهيار السوري في ظل انعدام القدرة على تحصيل أي مساعدات وعلى إثر اشتداد أثر العقوبات.