البشير وبشار.. وفنون تحالف الممانعة والعمالة

2018.12.20 | 00:12 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تندرج زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى سوريا ولقاؤه برئيس النظام السوري بشار الأسد، في سياق التراجع العربي الكبير. إنها لحظة إعلان الهزيمة والوجوب باعترافها. وما يترافق معها من خسائر سياسية وعسكرية يمنى بها العرب في مختلف الميادين والاتجاهات. من اليمن إلى العراق فسوريا ولبنان، من دون إغفال فلسطين. عمر البشير الهارب من محكمة الجنايات عليها، والواجد في بعض استرزاقه سبيلاً للالتفاف عليها، لم يكن بإمكانه الذهاب إلى دمشق ولقاء زميله المستقبلي الملاحق جنائياً بشار الأسد، بدون ما يشكّل له غطاء عربياً وروسياً لتحركه.

السبب الذي دفع الأنظمة العربية إلى إعادة التطبيع مع الديكتاتوريات يندرج في إطار الثورات المضادة. وإن كانت الشعارات تغلّف بمواقف لا أساس لها من الواقعية، بأن الدخول إلى الشام سيؤدي إلى إبعاد الإيراني من هناك، بناء على رهانات روسية وأميركية. الدخول إلى الشام يعني الدخول إلى الحضن الإيراني، وبشار الأسد مثّل البيدق الأساسي المتقدّم لإيران في المنطقة، وطهران استندت عليه استراتيجياً لتحقيق مختلف خروقاتها في الساحة العربية، من فلسطين

لم تكن زيارة البشير لتتم، لو لم يكن هناك توافق كامل بين بعض الأنظمة العربية وموسكو، مقابل غض نظر أميركي

إلى لبنان وغيرها من الدول وصولاً إلى دول الخليج العربي. الأساس في الزيارة يبقى متعلّقاً بما يريده بعض العرب في مواجهة الشعوب وتكريس انتصار الثورات المضادة، وتأديب الشعوب العربية لنهيها عن التفكير بالقيام بأي تحركات مطالبة بالتغيير والتحول الديمقراطي أو بأدنى الحقوق السياسية والطبيعية في حياة كريمة.

لم تكن زيارة البشير لتتم، لو لم يكن هناك توافق كامل بين بعض الأنظمة العربية وموسكو، مقابل غض نظر أميركي. فدخلت اللعبة الدولية إلى الاستحكام بالمعادلة السورية لما تمثّله من مفتاح استراتيجي لأزمات المنطقة ودولها، على حساب حقوق الناس. موسكو تعمل على إعادة تلميع صورة الأسد، وتجديد علاقاته مع الدول التي قاطعته على خلفية الثورة، وعلى الأرجح أن الزيارة لن تكون الأخيرة لرئيس عربي إلى دمشق، هناك زيارات مماثلة ستحصل، أو لقاءات بأشكال مختلفة سيعقدها الأسد مع رؤساء عرب، بدءاً من الرئيس العراقي، وصولاً إلى الجزائر أو تونس.

ومما لا شك فيه، أن اللاعب الخفي في كل هذه المعادلة، تبقى إسرائيل، التي تسعى إلى تأمين حدودها مرتكزة على تفاهمات استراتيجية مع الروس. ولذلك لا يمكن فصل تحرك البشير باتجاه دمشق، عن نقطتين أساسيتين، الأولى تتجلى بالمساعي التي بذلتها موسكو لأجل تسوية حدودية في الجنوب السوري، تقضي بتوفير الأمن الإسرائيلي وحمايته، والثانية تتعلق بزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى سلطنة عمان، والحديث الذي تنامى بعدها عن احتمال زيارة مماثلة

البشير المطلوب إلى محكمة الجنايات الدولية، والمتقلب دوماً في مواقفه، يذهب إلى دمشق للاستفادة من بشار الأسد، والتعلّم منه فنون القفز فوق حقوق الناس وجثثهم

سيجريها إلى السودان للقاء البشير. وهنا يبقى مربط الفرس، الذي تنعقد عنده كل الخيوط. ابحث عن إسرائيل لفهم ما يحصل أو لاستشراف ما يمكن أن يحصل. وهذه متلازمة رافقت الثورة السورية منذ أيامها الأولى، يوم أعلن الإسرائيليون أنهم لا يفضلون بديلاً عن نظام الأسد، في مقابل موقف لرامي مخلوف أعلن فيه أن أمن إسرائيل من أمن سوريا. هذا التقابل والتطابق في المواقف يوضح مدى عمق العلاقة الاستراتيجية التي تربط بين نظام الأسد والكيان الإسرائيلي.

في سعي لرسم صورة تشبيهية لما يجري في الأيام الأخيرة، فيمكن الخروج بخلاصة لا تخلو من التهكم. فالبشير المطلوب إلى محكمة الجنايات الدولية، والمتقلّب دوماً في مواقفه، يذهب إلى دمشق للاستفادة من بشار الأسد، والتعلّم منه فنون القفز فوق حقوق الناس وجثثهم، وربما الارتقاء أكثر في صفوف التعليم، إلى مراتب تتصل بالاحتفاظ بالعلاقات الجيدة مع الإسرائيليين مقابل استمرار الادعاء بأنه في محور الممانعة والمقاومة. فيما قد يسعى بشار إلى الاكتساب من البشير كيفية التهرب من الملاحقات الدولية.

المسرح المقبل لمحاولة إيجاد سبل تطبيعية مع الإسرائيلي، قد يكون الجنوب اللبناني. حيث عمل الإسرائيليون على مراكمة ملفات تدين حزب الله والدولة اللبنانية بالاستناد إلى ما يكشف عن أنفاق قد أنشأها الحزب قبل سنوات. والأرجح أن التخريجة لهذه التهريجة ستبرز من موسكو مجدداً على غرار تسوية الجنوب السوري، فيما أبعاد تلك التسوية ستبقى مؤجلة إلى حين، لكن يمكن قراءة بعض تباشيرها بالاستناد إلى مؤشرات متعددة، لا تنفصل عن الدخول الروسي بقوة على خطّ عملية تشكيل الحكومة اللبنانية، وهي سابقة في تاريخ لبنان، لجهة الاستجابة إلى الضغوط الروسية، بما يعزز وضع إيران التي أيضاً حققت وقف إطلاق النار في اليمن ودخلت في مفاوضات مع السعوديين، ودخلت في تسوية لصالحها في العراق. بينما في لبنان، فإن الحكومة ستكون مقدمة جديدة على طريق موسكو الهادف إلى تعويم الأسد عربياً من البوابة اللبنانية مجدداً، إن لجهة تطبيع العلاقات معه، أو الدفع بحكم الأمر الواقع إلى إعادة تجديد العلاقات بما يشير إلى عودة النفوذ السوري إلى لبنان.