الاستدارات الحادة في السياسة الخارجية الإماراتية.. دعوة بشار الأسد نموذجا

2022.03.28 | 06:57 دمشق

assad-in-emirat-1.jpg
+A
حجم الخط
-A

بدعوة من دولة الإمارات العربية المتحدة، قام رأس النظام السوري بشار اﻷسد بزيارة لأبو ظبي، التقى خلالها بمحمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، وعدد من المسؤولين في دولة الإمارات.

الاستدعاء الإماراتي لبشار الأسد، يشبه الاستدعاءات الروسية شكلا ومضمونا، من حيث غياب البروتوكول الدبلوماسي المتعارف عليه دوليا، وغياب الأجندة السياسية، وغياب مخرجات اللقاءات من اتفاقيات ومعاهدات وتفاهمات تخص الطرفين، والأهم من ذلك كله حرص المسؤولين الإماراتيين، كما الروس من قبلهم، على التقليل من شأن زائرهم بشار، وتصويره وكأنه تحت سلطتهم وبقبضتهم، كسلعة يعرضونها للمساومة والمقايضة.

تسبب الاستدعاء/ الزيارة بردود فعل غاضبة لدى الشارع العربي عموما، والرأي العام السوري خصوصا، لأنها تزامنت مع الذكرى السنوية لانطلاقة الثورة السورية ضد بشار الأسد ونظامه، وبسبب حرص الدولة الإماراتية على لعب دور رأس الحربة في التصدي للحراك الشعبي العربي، الذي طالب بالحرية والكرامة والعدالة، فيما سمي بالربيع العربي.

ومن الواضح أيضا، أن الدعوة جاءت بشكل مفاجئ ومستعجل بحيث لم يكن وزير الخارجية فيصل المقداد على علم بها. حيث انعكس ذلك جليا من خلال لباسه وفق ما التقطته كاميرات الصحافة، واعتبر فضيحة ومدارا للنكتة والتندر.

زيارة الأسد للإمارات، هي الزيارة الأولى لدولة عربية منذ 2011، حيث جرى استقباله في قصر الشاطئ بأبو ظبي، واعتبر محمد بن زايد أنَّ هذه الزيارة تأتي في إطار الحرص المشترك على مواصلة التشاور والتنسيق بين الجانبين حول مختلف القضايا، مضيفا أن سوريا "تُعَدّ ركيزةً أساسيةً من ركائز الأمن العربي، لذلك فإنَّ موقف الإمارات ثابتٌ في دعمها لوحدة أراضي سوريا واستقرارها".

وضم الوفد المرافق للأسد، كلا من فيصل المقداد وزير الخارجية، ومنصور عزام وزير شؤون رئاسة الجمهورية، وبشار الجعفري نائب وزير الخارجية والمغتربين، وعددا محدودا من الموظفين فقط.

**المحاولات الإمارتية للتطبيع مع نظام الأسد

تعتبر الإمارات أول دولة عربية سعت إلى تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد، حيث أعادت فتح سفارتها في دمشق عام 2018، بعد إغلاق استمر سبع سنوات عقب اندلاع الثورة في سوريا.

وفي آذار من عام 2020، أجرى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، اتصالاً هاتفيا مع رئيس النظام بشار الأسد، تحت غطاء إنساني، تمثل في تقديم مساعدات طبية لمواجهة فيروس "كورونا"، أرسلتها الإمارات إلى نظام الأسد.

وفي 9 من تشرين الثاني الماضي، استقبل بشار الأسد في دمشق وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان مع وفد مرافق له، في أول زيارة لمسؤول إماراتي إلى سوريا منذ أكثر من عشر سنوات.

كما تستضيف الإمارات عدداً من عائلة آل الأسد وأقاربهم منذ عدة سنوات، ومن بينهم شقيقة رئيس النظام، وأبناء رامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام، بالإضافة إلى عدد من أبناء الوزراء والمستشارين وأقاربهم.

وسبق أن انتقد عبد الله بن زايد، "قانون قيصر"، الذي تفرض بموجبه الإدارة الأميركية عقوبات على شخصيات وكيانات مرتبطة بنظام الأسد، مشيراً إلى أن "عودة سوريا إلى محيطها أمر لا بد منه، وهو من مصلحة سوريا والمنطقة ككل، وإن التحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا هو قانون قيصر".

**أسباب الاستدارات الحادة في السياسة الخارجية الإماراتية

تملك دولة الإمارات العربية المتحدة رصيدا اقتصاديا ضخما، نتيجة عوائد النفط والثروات الطبيعية، مع قلة عدد السكان، كما نجحت إمارة دبي في التحول إلى مركز مالي وتجاري عالمي.

تحاول دولة الإمارات توظيف إمكاناتها الاقتصادية في خدمة مشاريعها السياسية، لكي تصبح صاحبة ثقل سياسي ليس فقط على مستوى الخليج العربي، إنما في منطقة الشرق الأوسط كاملة.

لكن من الصعوبة بمكان الحديث عن نجاح تلك السياسات ونجاعتها، في ظل غياب الرؤية الاستراتيجية، التي تبنى عليها المشاريع السياسية من تحالفات واتفاقات، وترسم بموجبها معالم السياسات الخارجية للدولة.

اعتمدت دولة الإمارات المال وسيلة، والعلاقة مع إسرائيل محددا وحيدا، لسياساتها الخارجية وتحالفاتها الإقليمية، واعتقدت أنها من خلال ذلك، قد أصبحت قوة إقليمية كبيرة، خصوصا في حقبة إدارة ترامب، فدخلت في صراع مرير مع جميع حركات التحرر في الوطن العربي، وعارضت الربيع العربي، وسخرت كل إمكاناتها لمحاربة الحركات الإسلامية، في كل الأقطار وعلى جميع الجبهات، تحت ذريعة التصدي للإسلام السياسي، فمولت الكيان الموازي في محاولته الانقلابية الفاشلة ضد حكومة الرئيس أردوغان في تركيا، ثم ذهبت إلى أبعد من ذلك، فشنت حربا على قطر، وشكلت حلفا رباعيا لخنقها وحصارها، ولولا الكرت الأحمر الأميركي لاجتاحت قطر عسكريا.

لكن مع تغير الإدارة الأميركية، وانتخاب جوزيف بايدن رئيسا لأميركا، وعودة النظام المؤسس الأميركي (الدولة العميقة) للإمساك بزمام الأمور من جديد، تبنت واشنطن استراتيجيات جديدة مغايرة للمألوف سابقا، فسرتها بعض الدول الخليجية تفسيرا خاطئا، بأنها مجرد تجاهل وعزوف مؤقت عن منطقة الشرق الأوسط برمتها، وبنت سياساتها على تلك الفرضيات الخاطئة، فاضطربت بوصلة علاقاتها الخارجية، وارتبك أداؤها، المبني أساسا على حسابات قصيرة المدى، فبتنا نشاهد تقلبات واستدارات سياسية حادة عجيبة، وأصبح أعداء البارحة حلفاء اليوم. 

وبدلا من تطوير استراتيجيات سياسية لمرحلة ما بعد بوتين، مبنية على مخرجات ونتائج الحرب الأوكرانية، تصر أبو ظبي على التوجه نحو موسكو وطهران وبيجين، تحديا ومناكفة لإعلان الرئيس بايدن، دولة قطر حليفا استراتيجيا من خارج الناتو.

الرهان على إسرائيل رهان على مجهول، لأن رسالة واشنطن لتل أبيب واضحة جداً، مفادها: "نحن نحمي دولتكم لا حكومتكم"، وبناء على ذلك خسر نتنياهو، حيث رفضت واشنطن تغطيته سياسيا خلال افتعاله لأحداث حي الشيخ جراح بالقدس..

وهي رسالة لجميع دول المنطقة دون استثناء، "نحن نحمي دولكم لا أنظمتكم وشخوصكم".