icon
التغطية الحية

الاتصالات والإنترنت في إدلب قطاع حيوي يهدده الاحتكار.. الشركات والخدمات والأسعار

2021.06.26 | 05:55 دمشق

imageonline-co-logoadded_14.jpg
إدلب - يوسف غريبي
+A
حجم الخط
-A

في عصر السرعة وانتشار الإنترنت حول العالم، تعد الاتصالات من الحاجات الأساسية للسكان، وفي المنطقة التي تعاني من نقص في أبرز الحاجات الإنسانية (من الغذاء والدواء والماء) لم يكن نقص الإنترنت هو الاستثناء، إذ ما زال في إدلب محصوراً بنطاق ضيق، ويعاني مما وصفه المنتقدون بـ"الاحتكار والاستغلال" مع نقص السرعة والتغطية.

كان الإنترنت والاتصالات أحد أساسيات العيش التي حرم الأسد المناطق الخارجة عن سيطرته منها منذ بداية الثورة السورية، كنوع من العقاب الجماعي ولمنع وصول صور المجازر والاقتحامات، ولكن مع مرور كل عام في الشمال السوري يشهد هذا القطاع تطورات من ناحية التغطية والانتشار وآلية الاستجرار من تركيا، لكنه بات تجارة رابحة تغري السلطة المحلية لاحتكاره.

منطلقاً من سلقين في ريف إدلب الشمالي، اتبع مصطفى اليوسف الخريطة على هاتفه المحمول للبحث عن منزل صديقه في كفرتخاريم، لكن وفي حالة متكررة الحدوث، وقف انقطاع الإنترنت حائلاً دون عثوره على الطريق.

بحث الشاب العشريني مطولاً عن شبكة أو صالة مفتوحة للإنترنت، أو بقعة تشملها تغطية خط "e-LUX" الذي يحمله للإنترنت الجوال، لكن فشل بذلك وعاد إلى منزله بعد قطع 20 كيلو متراً في الليل.

تطور رغم الحصار

تبدلت المصادر التي اعتمد عليها سكان مناطق شمال غربي سوريا لتوفير الاتصال بالإنترنت، منذ عام 2012 حتى اليوم، بحسب أصحاب الاختصاص في محافظة إدلب.

تحكمت قوات النظام بالاتصالات "كنوع من الحصار والضغط النفسي" على سكان المنطقة التي كانت من أوائل المناطق الخارجة عن سيطرتها، حسبما قال الشاب سعود صياح (34 عاماً)، الذي يعمل في مجال تمديد وتوزيع شبكات وأبراج الإنترنت منذ عام 2012.

بدأ استخدام الإنترنت بمستوىً محدود في ذلك الوقت، من قبل العاملين في المجالات الإنسانية والإعلامية، الذين كانت أولويتهم نقل الواقع في الداخل إلى العالم الخارجي، وكان استخدام أجهزة الإنترنت الفضائية هو حلّهم الأنسب، مثل (IDirect ,Hughes ,Tooway).

ومع ازدياد احتياجات السكان بدأ إنشاء صالات الإنترنت، التي توفر خدماتها للعامة، وحتى خدمات الاتصال بالهواتف الأخرى حول العالم، عن طريق تطبيق "Rynga"، الذي يوفر أرقاماً دولية للمشترك، تغنيه عن خطوط الهاتف الخلوية والأرضية التي قطعها النظام السوري من الأبراج والمقاسم الواقعة تحت سيطرته.

بقيت تغطية الإنترنت ضمن نطاق الصالة فقط، قبل استقدام أجهزة بث إشارة "WIFI" لمسافات لم تكن بعيدة عن مكان الصالة.

بعد فترة أصبحت الأجهزة الفضائية لا تلبي حاجات المدنيين، فعملت الشبكات على استقدام خطوط الاشتراك الرقمية DSL من تركيا إلى الداخل السوري، وكذلك توسع انتشار شبكات "WIFI" في الشوارع والمنازل مع استخدام أجهزة أحدث.

وكانت الخطوة التالية تتمثل بوصول خطوط الإنترنت بحزم "Metro" من تركيا إلى مراكز الإنترنت والأبراج التي تبثها للمحتاجين، ويتم ذلك من خلال تحكم وإدارة الشركات التركية، وأهمها، حسب تقييم سعود، شركة "هاي سبيد"، التي تعمل بخبرات مهندسين وفنيين من إدلب وتؤمن "النسبة الأعلى" من حاجة السوق في إدلب، مشيراً إلى عمل شركات "هاي نت" و"كبسام" و"شفق" على نقل الإنترنت إلى الداخل السوري أيضاً.

 

 

ورغم تطور المعدات المستخدمة في إيصال الإنترنت فإنه ما زال محصوراً إلى حد كبير باستخدام "الهوائيات" المرسلة والمستقبلة في الأبراج التي تديرها الشركات الكبيرة، لا عن طريق الكبل الضوئي، الذي يملك القدرة على إحداث "طفرة" في السرعة والأداء في المنطقة، حسب تقدير سعود.

هوائيات تستقبل الإنترنت

في ظل الحملات العسكرية والقصف على مناطق المدنيين، من قبل قوات النظام وحليفتها روسيا، كانت أبراج الإنترنت و"الهوائيات" من ضمن المرافق الحيوية المستهدفة بالقذائف على الدوام، ما جعل من تشغيلها مهنة محفوفة بالمخاطر.

تعتمد مختلف المؤسسات الخدمية والإنسانية والمنظمات المدنية وفرق الإسعاف والطوارئ على الإنترنت في عملها، لذلك يعد استمرار تغذيته خلال الظروف العسكرية أساسياً، وكذلك إيصال الإنترنت إلى بعض المناطق المحاصرة، ومهمة إصلاح أي أعطال مفاجئة قد تحصل لأبراجه لا يمكن الاستغناء عنها.

وقع العديد من العاملين في أبراج الإنترنت ضحايا للقصف على شمال غربي سوريا، كان آخرهم الشاب ساهر الجزار، الذي قتل في أثناء عمله، في 24 من شباط الماضي، على أطراف قرية بزابور، في جبل الزاوية، بريف إدلب الجنوبي.

وزاد من ضرورة خطورة العمل في الأبراج ضرورة تثبيتها على المرتفعات العالية، وهو ما يعرضها، إضافة للقصف، إلى الأضرار المادية نتيجة جذب "الهوائيات" المستقبلة للإنترنت للصواعق خلال العواصف.

وسبق أن رخصت تركيا تمديد الكابل الضوئي إلى سوريا منذ عام 2016، إلى معبر "باب الهوى" لتخديم مؤسساته فقط، وفي عام 2020 مددته شركة "سيريا كونيكت" إلى الداخل السوري، ولكنها "فشلت" بعد أشهر قليلة، لأسباب تتعلق بتهم "سوء الإدارة والفساد والاحتكار"، حسبما قال العامل في مجال الإنترنت سعود صياح.

وتوقف العمل على تمديد الكابل الضوئي من الجانب التركي، قبل أن يعود للعمل مجددا مع بداية شهر أيار الماضي، مع "حصرية واحتكار الاستخدام" من قبل "مؤسسة الاتصالات" في إدلب لإحدى الشركات "المغمورة" في تركيا، غير القادرة على تلبية حاجات المنطقة.

تطور يواجهه الاحتكار

منذ وصول الكبل الضوئي إلى مدينة إدلب، تحاول "المؤسسة العامة للاتصالات"، التابعة لـ "حكومة الإنقاذ"، منع مالكي صالات الإنترنت من استقبال التيار عن طريق الهوائيات المتصلة بالأبراج التي تبث الإنترنت من على المرتفعات التركية، حسبما قال مالك لإحدى الصالات، تحفّظ على ذكر اسمه لاعتبارات أمنية.

وبرأي مالك صالة الإنترنت، فإن المؤسسة "تحاول السيطرة على الإنترنت" في المنطقة، وتتحكم بعملية إيقاف النت وبثه على كامل مدينة إدلب، كما تتحكم بالأسعار، التي تزيد على المبالغ المطلوبة من الجانب التركي، بفرق سعر أرجعه إلى الاستغلال المباشر، من دون تقديم أي خدمات تبرره.

إضافة إلى توفير الإنترنت للمدنيين في المنطقة، تقدم الصالات خدماتها للنقاط التركية المتزايدة، منذ نحو عام، والمقامة على مناطق استراتيجية من إدلب.

وتشترط "حكومة الإنقاذ" على مزودي الإنترنت "الترخيص" الذي لا تمنحه المؤسسة إلا لبعض الأشخاص، حسبما قال مالك الصالة، الذي يرى أن هذه الآلية تحمل في طياتها "فساداً هدفه الاستغلال والربح، ومصدره عاملون ضمن الحكومة، لأن تهديدات الفصل التي تصل لمن يزود النقاط التركية من دون ترخيص لا تأتي عن طريق المحكمة، كما هي العادة، بل تصدر عن أفراد في "مؤسسة الاتصالات".

وأضاف مالك صالة إنترنت في مدينة إدلب، تحفّظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن معظم خطوط الإنترنت تتحكم بها "مؤسسة الاتصالات"، وهذا ما انعكس على سرعة وجودة الإنترنت، حسب وصفه، إذ كانت الشركات السورية التي تستقبل البث التركي تتنافس على الزبائن، أما بعد التحكم الذي حصل من قبل المؤسسة، منذ عام 2017، فلم يعد بإمكان أصحاب الصالات تبديل الشركات التي تتعامل معها من دون "أسباب مقنعة"، وهو ما حدّ من التنافس وأدى إلى "فتور الهمة" لدى مزودي الإنترنت.

من جهته نفى المدير العام لـ "المؤسسة العامة للاتصالات"، المهندس أسامة العوض تلك التهم، مشيراً إلى أن دور المؤسسة هو "الوقوف موقف السلطة الناظمة للاتصالات، والتي تقف بشكل متجرد وغير منحاز لأي جهة تجارية أو مدنية"، مشيراً إلى أن الضبط الفني والتقني والاقتصادي هو من "مقتضيات التنظيم الإداري".

وأضاف العوض أن ضبط الأسعار والانتقالات والشكاوى ومحاولات الاتجار غير القانوني، أي "التهريب"، يعود بفوائد تنعكس على استقرار السوق وتحسن الأداء، مع "إتاحة المنافسة الاقتصادية المتوازنة ومنع ابتلاع السوق"، واصفاً التهم الموجهة للمؤسسة بـ "غير المنصفة".

تكاليف باهظة للاشتراك

يترتب على المستفيد من أبراج الإنترنت شراء كافة مستلزمات استقبال الإشارة ونشرها، مع الكبل المناسب، والبطارية اللازمة للتغذية بالكهرباء.

 ويقدر سعر المستقبل "Nano M5"   بـ 80 دولاراً، و"Nano Beam 400"  بـ 110 دولارات، أما الناشر "Tp-Link"، فيتراوح سعره ما بين عشرة إلى 22 دولاراً، إضافة لكبل يصل بين الطرفين، يقدر سعر المتر منه بـ 1.5 ليرة تركية.

كما يجب توافر بطارية كهربائية لتغذية جميع معدات الإنترنت، ويشحن الحساب المفتوح بسرعات مختلفة، إما نصف ميغا في الثانية بثلاثة دولارات، أو ميغا واحد في الثانية بخمسة دولارات.

واستطلع موقع تلفزيون سوريا آراء السكان في إدلب حول كلفة الإنترنت المتوفر وسرعته ومدى تغطيته، واجتمعت الآراء على أنه لا يخلو وجوده من الإيجابيات، مع وجود "استهتار" من المسؤولين وغلاء "فاحش".

برأي الشاب محمد الحمدان، العامل في منظمة إنسانية، فإن سلبيات الإنترنت التي تواجهه هي الغلاء، إذ يضطر لدفع أكثر من 150 ليرة تركية في الشهر، للإنترنت المنزلي والجوال، الذي لا تعد خيارات التعبئة فيه عملية أو كافية بالنسبة له.

لا تستطيع رفيف نين، التي تعمل في مركز "سما لرعاية الأيتام" في معرة مصرين، بريف إدلب الشمالي الاستغناء عن الإنترنت، حسبما قالت، مشيرة إلى استخدامها الإنترنت الضوئي الذي يوفر التغطية، لكنه يعاني من انقطاع في بعض الأحيان، ما يسبب عرقلة بعض نشاطات المركز.

وأشارت إلى أن تغطية الإنترنت لا تتوفر عادة بين المدن والقرى وعلى الطرقات البعيدة، إلا أنها لا تعتبر أسعار تزويد الإنترنت مرتفعة بما يفوق قدرة السكان على الحصول عليها.

ثلاث شركات للخدمة.. والتغطية ليست شاملة

تستمر معاناة المدنيين في إدلب من انقطاع الإنترنت الجوال، الذي يعبئونه عبر شرائح لهواتفهم المحمولة، وكذلك يشتكون من بطئه وغلائه، وتحد خياراتهم بثلاث شركات مرخصة لا غير:

e-LUX: هي شركة أوروبية للاتصالات الرقمية، تأسست بداية عام 2015 في لوكسمبورغ، توفر خدماتها حول العالم من خلال التعاقد مع شركات مزودة للاتصالات، في الحالة السورية متعاقدة مع شركة الاتصال التركية TURKCELL، ومن خلال شبكة من أبراج التغطية في المنطقة، وتوفر أرقاماً ثابتة للمشتركين، تسمح لهم باستخدام الإنترنت، بسرعة 2G و3G، وتوفر إمكانية الاتصال الخليوي.

بإمكان المشتركين دفع 6 دولارات كل ثلاثة أشهر للحفاظ على أرقامهم، التي تمتاز عن الأرقام الدولية المؤقتة التي توفرها تطبيقات الهاتف المحمول بدوامها وعدم انتهاء صلاحيتها، ما يسمح بالحفاظ على حسابات التواصل الاجتماعي المرتبطة بالأرقام مثل "واتساب" و"تليغرام" و"فيس بوك" وغيرها.

 

 

وتكون طريقة التعبئة عبر بطاقات تُشترى من المعتمدين في إدلب، وبـ 5 دولارات أميركية يمكن للمستخدم تعبئة 500 ميغا بايت صالحة لمدة ثلاثة أشهر، أو 2 غيغا بايت بصلاحية لشهر واحد، أو واحد غيغا بايت مع مئة دقيقة للاتصال الخليوي لمدة شهر أيضاً.

ويشتكي مشتركو e-LUX من ضعف الإنترنت وكثرة انقطاعه، بسبب نقص التغطية، وكذلك انتهاء صلاحية التعبئة مع انتهاء المدة المحددة، لذلك يعد مرتفع الكلفة، وغالباً ما يحافظ عليه المشتركون للحفاظ على الرقم، الذي لا يستطيعون استعادته في حال فقدانه، كما هو الحال في شبكات الاتصال العالمية.

Syriana LTE: هي شركة سورية تتبع لشركة "سيريا كونيكت"، ولا تعرف عن نفسها بشكل واضح، وحاول تلفزيون سوريا التواصل مع الشركة عبر "واتساب" و"فيس بوك"، لكن لم يتلق رداً.

وأوضح معتمد للشركة، أن تغطيتها تقتصر على المساحة من مدينة إدلب وحتى الشمال، ولكنها تمتاز بسرعة الإنترنت الذي تقدمه من الجيل الرابع 4G، كما تعد اقتصادية مقارنة بغيرها، لأن التعبئة بها غير محدودة بزمن للصلاحية، لكنها تواجه مشكلة عدم تقديم رقم ثابت للمشتركين أو إمكانية الاتصال الخليوي.

وتبلغ كلفة باقات تفعيل الإنترنت الأربع التي توفرها الشركة، ثلاثة دولارات لغيغا بايت واحد في الشهر، وستة دولارات لكل ثلاثة غيغا بايت، وسبعة دولارات لكل أربعة غيغا بايت، و12 دولاراً لكل سبعة غيغا بايت.

TURKCELL: وهي شبكة الاتصالات الرائدة في تركيا، توفر تغطيتها قرب النقاط التركية المنتشرة في إدلب، إضافة لمناطق الشريط الحدودي التركي، وتعد الشبكة الوحيدة الصالحة في المناطق الغربية من المحافظة، مثل سلقين ودركوش.

مع نطاقها الضيق، لا تعد الشركة التركية مرغوبة لباقات الإنترنت والاتصال، ولكن يرغب بها المشتركون للحصول على الرقم الثابت، الذي يمتاز بقدرة استخراج بدل ضائع له عند الحاجة.

برر المدير العام لـ "مؤسسة الاتصالات"، المهندس أسامة العوض، نقص التغطية التي توفرها الشركات بصعوبة تأمين الأجهزة المطلوبة للعمل، مشيراً إلى أن العمل جار على تمهيد البنية التحتية اللازمة لعمل شركة رابعة، لم يسمها، هدفها تغطية كامل المنطقة.