icon
التغطية الحية

الإيكونوميست: صراع مخيف على السلطة خلفته وفاة الرئيس الإيراني

2024.05.22 | 09:21 دمشق

آخر تحديث: 22.05.2024 | 09:21 دمشق

الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي
الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي
The Economist - ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

قبل ثلاث سنوات، وتحديداً عند فوز إبراهيم رئيسي برئاسة إيران عبر انتخابات مزورة، اعتقد بعض أبناء الشعب الإيراني بأن تلك هي نقطة الانطلاق لديه لتبوء مركز أكبر، إذ لم يعد أمام علي خامنئي المرشد الأعلى الهرم العليل سوى فسحة قصيرة من الوقت ليعيشها، وفي حال وفاته، لا بد أن يحل رئيسي محله. ولكن التاريخ يحمل كثيراً من السخرية بين طياته، إذ بدلاً من أن يصعد رئيسي بطريقة صاروخية ليحتل أعلى منصب في بلده، كلفه منصب الرئاسة حياته كلها.

في 19 أيار، وفي أثناء عودته من زيارة لدولة أذربيجان المجاورة، حيث دشن سداً على الحدود، فقدت السلطات الاتصال مع مروحيته التي وصلت إلى منطقة جبلية تبعد عن شمال شرقي مدينة تبريز قرابة 86 كيلومتراً، فأصرت في بداية الأمر على عدم وجود أي سبب للهلع، وأعلنت بأن مروحية الرئيس أجرت عملية هبوط عسيرة، على الرغم من أن عدداً من وكالات الأنباء الإيرانية نقلت بأنه سافر إلى تبرير بالسيارة وهذا ما خلق بلبلة حيال الأمر. وفي غضون ساعات، حذفت تلك الأخبار، وبدأ التلفزيون الرسمي ببث أدعية للرئيس، وفي صبيحة يوم 20 أيار، أكد الإعلام الرسمي الإيراني وفاة رئيسي، إلى جانب وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، بما أنه كان معه في رحلته على متن المروحية عينها.

الرئيس الصوري الذي خلقت وفاته بلبلة

كان رئيسي رئيساً صورياً من نواح كثيرة، بما أنه تابع للمرشد الأعلى، لكن وفاته هزت السياسة الإيرانية، لأنها ستجبر النظام على إيجاد رئيس جديد خلال فترة قصيرة في زمن عصيب، بما أن إيران دخلت في حرب إقليمية اشتملت على عمل عسكري مباشر تنفذه هي وشبكة وكلائها في المنطقة. ولهذا يفكر خصوم إيران، وعلى رأسهم أميركا وإسرائيل والسعودية، بتعميق علاقاتهم الأمنية للوقوف ضد إيران، كما أن الاقتصاد الإيراني يتهاوى، ويمكن أن يهوي لموضع سحيق بسرعة أكبر في حال تشديد أميركا لعقوباتها على إيران. وقد تتسبب وفاة رئيسي بفوضى في صراع بات يلوح في إيران، بعد رحيل إحدى أهم شخصيتين مرشحتين لشغل منصب خامنئي بعد وفاته.

تكهنات بشأن الوفاة

مايزال الغموض يكتنف كثيراً من التفاصيل، أولها سبب تحطم مروحية رئيسي، وهو سوء الأحوال الجوية بحسب الرواية الرسمية حتى الآن، فقد كان الطقس ماطراً وضبابياً خلال رحلته، وإمكانية الرؤية في ظل تلك الأحوال لا تتجاوز بضعة أمتار حسبما قيل. وهذه الظروف السيئة حالت دون وصول فرق الإنقاذ جواً للبحث عن الرئيس، بل حتى المسيرات لم تتمكن من العثور على موقع تحطم المروحية، ولذلك عمد الهلال الأحمر إلى إرسال فرق بحث قدمت راجلة إلى المنطقة. ويرجح "أن أمنا الطبيعة" هي من اغتال رئيسي، بيد أن تلك سابقة في السياسة الإيرانية، إذ بدأ معظم الإيرانيين بالتكهن والبحث عن تفسيرات أشد شناعة مما قيل. ثم إن قائمة أعداء رئيسي في الداخل طويلة، وتبدأ بالشخصيات المعتدلة نسبياً التي همشها هذا الرجل وصولاً إلى زملائه المحافظين المتزمتين الذين يعتقدون بأنه لم يكن أهلاً للرئاسة. لذا من المنطقي أن نفكر بتآمر أعدائه في الداخل عليه واغتياله على يدهم.

ليس بغريب أن يفكر بعض الإيرانيين بأن يكون لإسرائيل يد في تحطم المروحية، فقد وقع صدام بين هاتين الدولتين المتعاديتين منذ أمد بعيد خلال الشهر الماضي، عقب اغتيال إسرائيل لجنرال إيراني في دمشق، وانتقام إيران منها بوابل ضم أكثر من 300 صاروخ ومسيرة استهدفت إسرائيل. وللموساد تاريخ طويل في اغتيال الأعداء، وبعض تلك الاغتيالات وقع في إيران، فقد قتلت إسرائيل هناك علماء بارزين متخصصين بالطاقة النووية. ولكن ثمة أسباب وجيهة للشك بتورط إسرائيل، لأنها لم تقم حتى الآن باغتيال رئيس لدولة، بما أن في ذلك إعلان جلي للحرب قد يستدعي رداً إيرانياً شرساً. لذا من الحمق المخاطرة بذلك والتعرض لتلك العواقب عبر قتل رئيسي، خاصة إن علمنا بأنه كان سياسياً لم يحظ بأي شعبية ولم يكن له القول الفصل في معظم القرارات السياسية المهمة في بلده إيران.

"قاضي المشانق" 

لابد أن قلة قليلة من أبناء الشعب الإيراني ستعلن الحداد على روح رئيسي، وسيتذكرونه بأنه كان القاضي الذي يصدر أحكاماً بالشنق عندما عمل مدعياً عاماً في طهران وساق آلافاً من السجناء السياسيين إلى المشنقة في عام 1988، كما سيتذكرون تعاطيه بكل جهل مع الاقتصاد، بما أنه حشد لدى حكومته رجالاً من العسكر ورجال دين أخذوا يراقبون كيف خسر التومان الإيراني 55% من قيمته خلال فترة تقل عن ثلاث سنوات.

رسم الدستور الإيراني عملية واضحة لمن سيخلف الرئيس، إذ ينبغي إجراء انتخابات جديدة في غضون خمسين يوماً، على أن يشغل نائب الرئيس محمد مخبر منصب الرئيس حتى تلك الفترة، ومن المعروف عن هذا الشخص أنه أحد رجالات الحزب الكبار أي أنه ليس شخصية فاعلة في السلطة. ويقرر مجلس صيانة الدستور المؤلف من ثلة من رجال الدين والقانون، من سيسمح له بالترشح لخوض تلك الانتخابات، إذ قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة في عام 2021، استبعد هذا المجلس المئات من المرشحين المحتملين، ومن بين الشخصيات السبع التي سمح لها بالترشح، لم تكن هنالك أي فرصة معقولة للفوز سوى أمام رئيسي. وفي الوقت الذي خسر فيه النظام شعبيته، من المتوقع له أن يقمع أي احتجاجات شعبية قد تخرج ضده بسبب الانتخابات كما سبق أن فعل في الماضي.

اليد الطولى للحرس الثوري

كان رئيسي مرشحاً توافقياً مثالياً لنظام طائفي، إذ لا يمكن لأحد أن يشكك في مؤهلاته القائمة على التشدد، لكنه كان يفتقر إلى قاعدة للسلطة تخضع لإرادته وحده، وكثيراً ما كان المتشددون الدينيون يتوقون لاستغلال شخصيته من أجل تغليب مصالحهم، وهذا ما فعله العسكريون في الحرس الثوري الإيراني، ولهذا لم يتضح من بوسعه أن يلعب هذا الدور من بعده، إذ يبدو بأن الحرس الثوري في حالة صعود سياسي، ولهذا يفسر نفوذه العدواني الهجوم الأخير وغير المسبوق الذي شنته إيران على إسرائيل، ولكن هذا لا يعني بالضرورة بأن الحرس الثوري يرغب بأن يراه الجميع وهو يعين الرئيس، ويعود أحد أسباب ذلك إلى أن من يشغل هذا المنصب سيتعرض لانتقادات من عامة الناس بسبب الوضع التعيس الذي وصل إليه الاقتصاد الإيراني.

بيد أن أهم عملية خلافة ستحدث مستقبلاً، فقد بلغ عمر خامنئي 85 عاماً خلال الشهر الماضي. وخلال السنوات القليلة الماضية أصبح الشعب الإيراني يعتقد بأنه لا يمكن أن يحل محله في منصبه سوى شخصيتين مرشحتين لها، أولهما الابن الثاني لخامنئي واسمه مجتبى، والذي عمل على تحسين وترقية مؤهلاته الدينية خلال السنوات الماضية، ونذر نفسه لإطالة عمر النظام، والثانية شخصية رئيسي. وعلى الرغم من ورود أسماء رجال دين آخرين على اعتبار أنهم مرشحون يمكن أن يظهروا فجأة ضمن السباق، من الصعب تخيل أن يحظوا بقدر كاف من الدعم والتأييد في هذا السياق.

ومع ذلك، لم يحرز أي من المرشحين الأوفر حظاً أي تقدم ملموس، إذ لم يكن رئيسي يتمتع بالشعبية، أما مجتبى فسوف يمثل انتقالاً وراثياً للسلطة ضمن نظام وصل للسلطة عبر الإطاحة بملكية وراثية. وبوفاة رئيسي، أصبح مسار مجتبى واضحاً نحو أرفع منصب في البلد، ولهذا قد يعتمد على الحرس الثوري في التغلب على أي رد فعل عنيف، وهذا ما سيعزز دور الحرس الثوري داخل النظام، وبذلك قد تتطور إيران من نظام هجين يجمع بين السلطة العسكرية والدينية إلى نظام عسكري وحسب، ما يعني تراجعاً في دور التزمت الديني في الداخل، مع مزيد من العداء في الخارج.

حاول المتشددون طوال سنين طويلة ضمان انتقال سلس للخلافة، فنصبوا رئيسي رئيساً وعينوا ثلة من المحافظين في البرلمان، والآن بات عليهم أن يعثروا على رئيس خلال فترة قصيرة، فيما يعتقد بعض السياسيين بأن سياسيين آخرين هم من رتبوا أمر تحطم المروحية تحقيقاً لمآربهم، ما يعني أن النظام الإيراني أمامه أيام عصيبة حتى يحل تلك الأزمة.

 

المصدر: The Economist