icon
التغطية الحية

الأسباب الاقتصادية للأزمة الأوكرانية.. ماذا يريد بوتين من أوروبا؟

2022.02.18 | 05:41 دمشق

444.jpg
عامل في محطة غاز أوكرانية (AP)
تلفزيون سوريا - خالد خليل
+A
حجم الخط
-A

منع تمدد حلف الناتو إلى حدود بلاده، ليس هدف بوتين الوحيد من إشعال الجبهة مع أوكرانيا، وإنما هناك أسباب اقتصادية بالإضافة إلى الأسباب ‏العسكرية والأمنية جعلته يلوّح بحرب يخشاها الغرب. بوتين يريد استرداد أوكرانيا، جارته السلافية ‏وشريكته الاقتصادية، التي أنشأت علاقات اقتصادية مزدهرة مع الاتحاد الأوروبي خلال سنوات القطيعة الثمانية.‏

منذ الغزو الروسي في عام 2014 واحتلال شبه جزيرة القرم، أقامت أوكرانيا علاقة تجارية واسعة مع الاتحاد الأوروبي؛ على حساب تقليص اعتمادها على الغاز الروسي إلى حد كبير، وخسارة أكبر شريك تجاري لها، روسيا.

تحدثت صحف غربية وإسرائيلية عن الأسباب الاقتصادية التي تقف خلف الأزمة الأوكرانية المتصاعدة بين موسكو والغرب، مشيرة إلى أن أحد الأهداف التي دفعت الرئيس الروسي لحشد قواته على الحدود الشرقية لأوروبا هو ضرب الاستقرار الاقتصادي لأوكرانيا، التي باتت تعتمد بشكل كبير على السوق الأوروبية منذ 2014 بعدما كان مرتبطاً بالاقتصاد الروسي.

ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، عن وزير التنمية الاقتصادية والتجارة والزراعة الأوكراني السابق، تيموفي ميلوفانوف، أن أحد أهداف روسيا، وربما حتى أحد أهدافها الرئيسية، هو ضرب الاقتصاد الأوكراني.

من جهتها، أوضحت مجلة "كالكاليست" الاقتصادية الإسرائيلية في تقرير نشرته، الإثنين 14 شباط/فبراير الجاري، وترجمه موقع "تلفزيون سوريا"، أن فك ارتباط الاقتصاد الأوكراني بروسيا قبل ثماني سنوات وانتقاله للاعتماد على الاتحاد الأوروبي شكل تحدياً بارزاً ومحركاً للتصعيد الروسي الحالي على حدود أوروبا الشرقية.

وتشير التقارير الاقتصادية الأميركية والإسرائيلية إلى أن بوتين يرى في تمدد الغرب الاقتصادي إلى أوكرانيا تهديداً لاستقرار اقتصاد بلاده، وأن بمقدوره تقويض الاقتصاد الأوكراني وتأليب الأوكرانيين من هذا الباب ضد حكومتهم الموالية للغرب، من دون أن يضطر إلى غزو عسكري فعلي.

سنوات القطيعة.. والخسائر الاقتصادية

على مدى السنوات الثمانية الماضية، أدى التوتر بين موسكو وكييف إلى تدهور العلاقات الاقتصادية بين البلدين بينما تعززت مع الاتحاد الأوروبي، الذي احتل مكانة روسيا وأصبح الشريك التجاري الأكبر لأوكرانيا.

واستعاضت كييف استيراد الغاز من روسيا، الأمر الذي يشكل عصب العلاقات التجارية بين البلدين، بتوريده من أوروبا بعملية ترجيع عكسية مقدمة من الاتحاد الأوروبي بأسعار منخفضة إضافة إلى إشرافه (الاتحاد) على خطة إصلاح لقطاع الغاز داخل أوكرانيا.

كما تستعد الصين لتجاوز روسيا أيضاً وتصبح ثاني شريك تجاري لأوكرانيا، وفقاً لمعهد "بروجيل" البلجيكي للأبحاث.

1_0.png
مؤشر حجم الصادرات الأوكرانية بحسب الوجهة، من 2012 إلى 2018 (المصدر: البنك الدولي)

 

في 27 شباط/فبراير 2014، بعد أسبوع من قرار موسكو ضم شبه جزيرة القرم، نجحت القوات الروسية الغازية بانتزاع القرم، ما كلف أوكرانيا ثمناً اقتصادياً باهظاً، وانخفض ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 31%.

وفي عامي 2014 و2015، خسرت العملة الأوكرانية "هريفنا" نحو 70% من قيمتها مقابل الدولار الأميركي.

وعشية غزو جديد ومحتمل، وربما يكون وشيكاً خلال هذه الأيام وفقاً للتقديرات الغربية، فإن الاقتصاد الأوكراني وعلى الرغم من أنه لا يزال يكافح للتعافي من وباء كورونا، إلا إنه يختلف جذرياً عما كان عليه قبل ثماني سنوات إبان ضم الروس لشبه جزيرة القرم.

في غضون ذلك، عززت كييف، خلال سنوات القطيعة مع موسكو، علاقاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي، ومع شركاء تجاريين آخرين بمن فيهم الولايات المتحدة والهند ومصر وتركيا.

وفقاً للأرقام، قفزت الصادرات الأوكرانية إلى أوروبا من 24.9٪ في عام 2012، إلى 42.6٪، بينما قفزت واردات الاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا إلى نحو 40٪ بعدما كان 30٪ في عام 2012.

في المقابل، ضعفت العلاقات الاقتصادية مع موسكو، ويبلغ حجم الواردات الأوكرانية من روسيا اليوم نحو 15٪ فقط، أي أقل من نصف الرقم عشية غزو 2014. وتصدر أوكرانيا إلى روسيا 7.7٪ من ناتجها المحلي الإجمالي مقارنة بنحو 26٪ في عام 2021.

التقارب بين أوكرانيا والغرب، سواء على الصعيد العسكري أو الاقتصادي، هو ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى خلق أزمة دولية على حدود أوروبا الشرقية، والعالم بأسره ينتظر الخطوة التالية لبوتين الذي يكافح لمنع هذا التقارب.

ويشكل ارتماء أوكرانيا في حضن الغرب مصدر تهديد لقوة روسيا والاستقرار الذي توفره لشعبها، و"عامل الاستقرار" هذا هو الذي سمح لبوتين بالبقاء في السلطة لأكثر من عقدين.

ومن أجل عدم تفويت فرصة إعادة انتخابه في عام 2024، رغم استطاعته الاحتفاظ بمنصبه لولايتين أُخريين كحق دستوري، يسعى بوتين إلى إضعاف الروابط العسكرية والسياسية والاقتصادية التي يتم تشكيلها بين أوكرانيا والغرب. 

يذكر أنه في 2020، أدخلت السلطات التشريعية الروسية تعديلا على الدستور يسمح لبوتين بتولي الرئاسة لولايتين متتاليتين أخريين مدة كل منهما ست سنوات، وهو ما يعني أنه قد يبقى في السلطة حتى العام 2036.

2_0.png
مؤشر حجم الواردات الأوكرانية بحسب المنشأ، من 2012 إلى 2018 (المصدر: البنك الدولي)

 

ضرب الاقتصاد الأوكراني من دون الحاجة إلى جندي واحد

وفقاً لمسؤولين أوكرانيين، نقلت عنهم صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن تقويض الاقتصاد الأوكراني، مما يؤدي إلى احتقان الشارع المحلي، قد يحقق أهداف روسيا حتى من دون الحاجة إلى جندي روسي واحد.

وبحسب وزير الاقتصاد الأوكراني السابق، تيموفي ميلوفانوف، فإن ضرب الاقتصاد الأوكراني هو أحد أهم أهداف روسيا في التصعيد الذي تشهده بلاده من قبل الأخيرة.

في أعقاب أزمة عام 2014، غرقت أوكرانيا في ركود حاد وفقدت عملتها "هريفنا" نحو 70٪ من قيمتها، بعد أن ألقت الحرب بظلالها على العلاقات بين التجار الروس والأوكران على جانبي الحدود.

في حين شهد الاقتصاد الأوكراني انتعاشاً بعد الانضمام إلى منطقة التجارة الحرة الأوروبية التي تحاول روسيا إفشالها، لأنها تعتبرها تهديداً لها.

وتسمح اتفاقية التجارة الحرة "DCFTA"، التي دخلت حيز التنفيذ في يناير 2016، بالواردات المعفاة من الرسوم الجمركية من الاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا. وفي المقابل وبشكل متزامن، ألغت روسيا كإجراء عقابي اتفاقية التجارة الحرة الثنائية مع أوكرانيا الموقعة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991.

وبعد انتزاع شبه جزيرة القرم منها بدأت أوكرانيا في استيراد الغاز من الاتحاد الأوروبي بدلاً من الغاز الروسي بأسعار منخفضة أكثر مما تم تحديدها في مفاوضات سابقة مع روسيا.

وفقاً للمعهد "بروجيل" للأبحاث، مقره بلجيكا، فإن الخطوة الجريئة، التي أتاحتها شركات وحكومات الاتحاد الأوروبي، أدت إلى تحييد التهديد الروسي بقطع إمدادات الغاز في أثناء تصاعد الصراع في أوكرانيا.

وكان تقليص الاعتماد على الطاقة الروسية جزءاً من خطة إصلاح كبير لقطاع الغاز، والذي كان يُعتبر فعلياً نقطة ضعف في الاقتصاد الأوكراني بسبب الدعم الحكومي الواسع النطاق ونظام التوزيع غير الفعال.

وفقًا لإصدارات معهد "بروجيل"، في عام 2014 سجلت شركة النفط الأوكرانية المملوكة للدولة "نفتوغاز" عجزاً يعادل 5.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

وجاء التعافي الأوكراني بمجال الغاز بفضل رفع أسعار الغاز للمستهلكين، وتنفيذ الإصلاحات الإدارية، وخفض أسعار الغاز المستورد، والدعاوى القضائية الناجحة ضد شركة "غازبروم"، عملاق الغاز الروسي، التي حصلت بموجبها "نفتوغاز" الأوكرانية على 2.9 مليار دولار في عام 2019.

كما أدت الزيادات في الأسعار إلى خفض الاستهلاك غير الفعال، واليوم تعمل أوكرانيا على تنويع استهلاكها للطاقة من المصادر النووية والمستدامة أيضاً.

وفقاً لإدارة الطاقة الأميركية (EIA)، يمثل الغاز الطبيعي ما يقرب من ثلث الاستهلاك، ويليه الفحم بنسبة 30٪ والطاقة النووية بنسبة 21٪.

ومع ذلك، وعلى الرغم من إمدادات الطاقة الأوروبية، فإن حالة الحرب تشكل تهديداً كبيراً، نظراً لأن 80٪ من الغاز الروسي القادم إلى أوروبا يمر عبر أوكرانيا.

الصين.. الشريك التجاري الجديد لأوكرانيا

يشكل دخول الصين على الخط التجاري مع أوكرانيا تحدياً آخر للكرملين، لاسيما مع ازدياد قوة العلاقات الاقتصادية بين بكين وكييف في السنوات الأخيرة.

في عام 2020 تحولت الصين إلى شريك تجاري رئيسي لأوكرانيا. وفي النصف الأول من عام 2021، قفزت التجارة الزراعية بين البلدين بنسبة 33٪ مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020، وذلك بسبب تأثير الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

واليوم، أوكرانيا تعتبر مصدراً مهماً لواردات الحبوب إلى الصين، ومن أهم مصادر تعزيز الأمن الغذائي في الدولة العملاقة.

تستورد بكين من كييف، على سبيل المثال 80٪ من جميع واردات الذرة.

كما أن أوكرانيا تعتبر لاعباً مهماً بالنسبة للصين في تحقيق مشروع "الحزام والطريق"، خطة بكين الطموحة لربط العالم بشبكة من الطرق والسكك الحديدية والموانئ.

ومن جانب آخر، من المتوقع أن تقف الصين إلى جانب روسيا على خلفية التوتر المتصاعد بين موسكو والغرب بشأن الأزمة الأوكرانية، بعد أن شكل البلدان مجموعة متنوعة من الشراكات، بما في ذلك في مجالات التجارة والطاقة والأمن والاستخبارات.

وفي 4 شباط/فبراير الجاري، عقد الرئيسان الصيني والروسي اجتماع قمة على هامش افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، في خطوة تدل على مزيد من التقارب بين البلدين، الذي يهدد بتغيير ميزان القوى العالمي ويتحدى الهيمنة الأميركية.