اعتذار الحريري.. مرحلة جديدة أم عودة لقواعد الاشتباك اللبناني؟

2021.07.18 | 06:18 دمشق

thumbs_b_c_fdd3d68ce577cefac4129522c6bcad79.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم يكن اعتذار سعد الحريري عن تشكيل الحكومة اللبنانية أمراً مفاجئاً، وليس مزاحاً أن التشكيلة الأخيرة التي تقدم بها للرئيس ميشال عون والمهلة التي حددها له هي القشة التي أخرجت من علبة الصوف لتفجير الصراع والذهاب نحو المواجهة والتخندق في متاريس إنهاء عهد ميشال عون وإحراق أوراق جبران باسيل على كل الصعد.

صارح سعد الحريري زواره من مساء الأحد المنصرم وحتى صباح تقديم الاعتذار المشهود أنه ينوي رمي ورقة التكليف والعبور لمرحلة جديدة بعد أن تيقن مؤخراً أن أبواب الديوان الملكي في الرياض لن تفتح له وهو رئيس للحكومة، وأن كل الوساطات والمحاولات والاتصالات مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لن تجدي نفعاً لذا فتغيير الخطة يقتضي المجازفة في التكليف والتخلي عن المهمة.

وليس مفاجئاً أن الخاسر الأكبر من اعتذار الحريري هو الثنائي الشيعي -حزب الله وحركة أمل- وخاصة الحزب إياه والذي يعتبر اعتذار الحريري ضربة موجعة للتكتيك المرحلي المتبع من الحزب بالتعكز على جبران باسيل مسيحياً وسعد الحريري سنياً وهو خسر الورقة الأولى والتي كان يتغطى حولها بأن السني الأول -أي الحريري- هو مرشحه الأساسي وهو الداعم الأول له، فيما لا يخفي السعوديون قولهم أنه وباعتذار الحريري فإنهم ربحوا هذه الجولة المضنية على خصومهم في لبنان وتحديداً حزب الله بسحب ورقة التكليف من المنظومة السياسية التي يديرها الحزب.

والتحدي الأهم الذي يواجه المجموعة الممسكة بالحكم يتلخص:

أولاً: في لملمة تداعيات اعتذار الحريري من حيث الواقع المعيشي والمالي وخاصة في التحليق الكبير للدولار مقابل الليرة عقب الاعتذار والواقع الأمني والسياسي على الأرض بعد أن باتت المناطق اللبنانية تعيش أحداثا وصدامات متنقلة من طرابلس شمالاً وصولاً لصيدا في الجنوب.

الحريري ومعه رؤساء الحكومات السابقين ومفتي الجمهورية والمجلس الشرعي لن يمنحا الغطاء لتكليف أي شخصية سنية بعد اعتذار الحريري وكسر الجرة بين عون والحريري

ثانياً: في التحدي السياسي الأبرز وهو إيجاد بديل عن الحريري واختيار البديل الذي لن يكون من السهل التوافق حوله، خصوصاً الحريري ومعه رؤساء الحكومات السابقين ومفتي الجمهورية والمجلس الشرعي لن يمنحا الغطاء لتكليف أي شخصية سنية بعد اعتذار الحريري وكسر الجرة بين عون والحريري لذا فإن أي شخصية سنية لن تجد نفسها قادرة على خوض غمار تجربة سيجرد صاحبها من غطائه المذهبي وجعله عرضة للعزل المحلي والعربي، إضافة إلى أنّ الحريري وفريقه السياسي وتياره سيخوضون حرباً سياسية تحضيراً للانتخابات النيابية المقبلة بدأها سعد الحريري بفتح النار على التيار الوطني الحر وجبران باسيل من جهة وعلى حزب الله من جهة ثانية.

تجمع كل الأطراف السياسية والمراقبون أن حل معضلة تشكيل الحكومة اللبنانية هي في ثلاثة احتمالات تبدو كل واحدة شاقة أكثر من الأخرى:

الاحتمال الأول: هو ذهاب حزب الله وميشال عون لحكومة مواجهة بشخصية سياسية سنية من فريقهما السياسي على نسق فيصل كرامي أو عبد الرحيم مراد أو شخصية سنية مرتبطة بنظام بشار الأسد كوزير الداخلية الحالي محمد فهمي لكن هذا الخيار مستبعد لأن حزب الله لا ينوي بالذهاب لهذا الخيار إلا إذا كان مضطراً ومحشوراً في الزاوية والمعطيات السياسية في العام 2011 ليست نفسها في العام 2021.

وللمعلومات فإنه وقبيل اعتذار الحريري بأسبوع، كانت الاتصالات قد بدأت على أكثر من صعيد، وتحديداً تلك التي قادها جبران باسيل في وقت مبكر، ومعه مستشارون ووسطاء اعتادوا القيام بهذه الأدوار في الكواليس السياسية، وتسرّب أنّها شملت عدداً من الشخصيات السنّية، بالإضافة إلى اللقاء الذي جرى بين عون ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي والذي وضع شروطاً للقبول بالتأليف أولها تسمية الحريري له، لكن حزب الله وحركة أمل ضغطوا باتجاه وقف هذه الاتصالات لما قد تؤدي إلى أزمة مذهبية لا مصلحة بها لأحد.

الاحتمال الثاني: إيجاد صيغة تسوية سعودية -أميركية مع إيران على شخص رئيس الحكومة تدير المرحلة وتحد من الانهيار وتجري التحضير للانتخابات النيابية المقبلة وتكون هذه الشخصية إما أكاديمية أو دبلوماسية أو ما حكي عن رغبة فرنسية بأن يتولى نجيب ميقاتي هذه المهمة الشاقة وفيما يبدو هذا الاحتمال مستبعد لكون الحريري أعلن عدم قبوله بتسمية أي شخصية مدعوماً من نادي الرؤساء ودار الفتوى وفعاليات وعائلات كبرى بالإضافة أن حزب الله عبر رئيس كتلته أبلغ الموفد الفرنسي باتريك دوريل أن يضع فيتو على شخص ميقاتي.

هناك حديث جدي عن رهان غربي وأميركي تحديداً على ترك الأمور في المنزلق والارتطام لأن هذا الموضوع يعني حصول صدام داخل البيئات اللبنانية مجتمعة

الاحتمال الثالث: هو الإبقاء على حكومة حسان دياب في المدى المنظور ريثما ينجلي غبار معارك فيينا المنتظرة، وخاصة أنه ووفق أحد المراقبين أن الأزمة اللبنانية أصبحت أعمق وأعقد من هذه التفاصيل والتي تهدر مزيداً من الوقت. وخاصة أنه وفي مضمون كلام الحريري في المقابلة الأخيرة أن حزب الله لم يمارس دوراً فعالاً ما يكفي لتشكيل الحكومة، يوحي بأن الحزب لا يريد تشكيل حكومة جديدة، لأنها تغير الأولوية الموضعة للحزب من مكان إلى آخر، أي من مواجهة الحريري-باسيل لتصبح بين حكومة ومشروع وخطة وصندوق نقد دولي وضبط حدود ووقف تهريب وحزب الله لا يريد الدخول في مثل هذه الحلول الجذرية حالياً.

وهذا القاعدة تؤدي إلى احتمال تفعيل حكومة حسان دياب المستقيلة وتصريف أعمال. وإذا كان لا بد من تشكيل حكومة جديدة، فيجب أن تكون على مشابهة بحكومة دياب، لأن أي حكومة جدية تتعارض كلياً مع مشروع حزب الله القائم على الارتباط بسياسة إيران والأخيرة تفاوض عن المحور الإقليمي مجتمعاً.

بالمقابل فإن هناك حديثا جديا عن رهان غربي وأميركي تحديداً على ترك الأمور في المنزلق والارتطام لأن هذا الموضوع يعني حصول صدام داخل البيئات اللبنانية مجتمعة وتحديداً بيئة الثنائي الشيعي والتي بدأت ترفع صوتها خوفاً من الغد وهذا الصوت المرتفع بدأ بالظهور تارة في مناطق جنوبية ومؤخراً في منطقة جبل محسن المرتبطة سياسياً بتحالف الأسد وحزب الله وعليه فإن هذا الرهان التجريبي وضع له ثلاثة أشهر حتى يعطي نتائج فعالة وبعدها لكل حادث حديث، الأهم كل الحراك الجاري في المنطقة عناوينه الرئيسية النفط والغاز وتلزيمات استخراجه في المتوسط وتقاسم مناطق الانسحاب الأميركي واستعادة التوازن الإقليمي، في حين يبقى تشكيل حكومة لبنانية تفصيل صغير في بحر المصالح الكبرى.