icon
التغطية الحية

إيكونوميست: هجوم حماس يقلب خطط بايدن في الشرق الأوسط رأساً على عقب

2023.10.11 | 16:49 دمشق

الرئيس الأميركي جو بايدن وخلفه علم بلاده وعلم إسرائيل
الرئيس الأميركي جو بايدن وخلفه علم بلاده وعلم إسرائيل
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

عادت عبارة جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي عليه بالسخرية بعدما قال: "أصبحت الأمور في منطقة الشرق الأوسط الآن أهدأ مما كانت عليه خلال العقدين الماضيين"، وذلك لأنه بعد مرور ثمانية أيام فقط على تفوهه بهذا الكلام في 29 أيلول الماضي، قتلت حماس إسرائيليين وآخرين من جنسيات أخرى، وهذا ما وضع الرئيس الأميركي جو بايدن في مواجهة حامية الوطيس مع أزمة شرق أوسطية حادة إلى جانب الأزمة المزمنة التي يواجهها في أوكرانيا وتلك التي تلوح في تايوان.

أصبح مصدر القلق المباشر بالنسبة لفريق الأمن القومي الأميركي هو معرفة عدد الأميركيين الذين قتلوا في فلسطين (بعدما تأكد مقتل 11 منهم) ومن أسر منهم (وبقي عدد هؤلاء غير معروف). أما مصدر القلق الثاني فهو السيطرة على أي صدمة محتملة قد تجتاح المنطقة. إذ في الثامن من تشرين الأول أعلن البنتاغون عن توجه مجموعة قتالية بحرية مزودة بحاملة للطائرات الحربية تتصدرها سفينة uss Gerald Ford إلى المياه الإقليمية قبالة إسرائيل إلى جانب إمداد أسراب سلاح الجو الأميركي بتعزيزات في الشرق الأوسط، فضلاً عن إمدادات السلاح التي سترسل إلى إسرائيل في غضون أيام، والهدف من هذه التحركات "دعم الموقف العسكري الأميركي في الشرق الأوسط بهدف تقوية جهود الردع في المنطقة".

بعد الهجوم.. تقارب أميركي-إسرائيلي

بالنسبة لمارتن إنديك السفير الأميركي السابق في إسرائيل، ترقى هذه التحركات لمستوى تحركات كسينجر لتعزيز الردع الإسرائيلي ولإضفاء صفة ومعنى على تحذير بايدن لإيران ووكلائها، ويتابع السفير بالقول: "إن هذه ليست اللحظة المناسبة التي بوسع أي جهة معادية لإسرائيل استغلالها من خلال هذه الهجمات" إلا أن إلزام القوات الأميركية بالقتال إلى جانب إسرائيل ما يزال احتمالاً بعيداً، ما لم تندلع حرب عاتية في المنطقة.

في الوقت الذي تحركت فيه إسرائيل لتنتقم لهذا اليوم الأسود بحسب ما جاء على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، لم يتطرق البيت الأبيض للحديث عن ضبط النفس أو للحد من أعداد الضحايا بين صفوف الفلسطينيين، وذلك لأنه من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها وشعبها. نقطة انتهى، بحسب ما جاء على لسان الرئيس بايدن، أما وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكين، فقد تحدث عن الحاجة لوضع المعايير الأعلى بهدف حماية المدنيين، إلا أن وزارته حذفت تغريداتها الداعية لضبط النفس مع تعنت الخطاب الإسرائيلي. أما وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، فقد أصدر أوامر بفرض حصار شامل على غزة، وقال: "ممنوع وصول الكهرباء أو الغذاء أو البنزين، كل شيء ممنوع، لأننا نحارب وحوشاً بشرية ونتصرف على هذا الأساس".

أتى التقارب بين قادة أميركا وإسرائيل نتيجة لهذه الهجمة، إذ بعد تخوفه من تحول إسرائيل نحو اليمين القومي المتطرف، قلص بايدن تواصله المباشر مع نتنياهو خلال الأشهر الماضية، إلا أن معظم نواحي سياسة واستراتيجية الرئيس الأميركي في الشرق الأوسط قد انقلبت رأساً على عقب، وتعطلت مساعيه للتوسط في اتفاقية سلام بين إسرائيل والسعودية التي تعتبر أهم دولة عربية في المنطقة، وأضحى احتمال حل الدولتين الذي دافع عنه بايدن لتسوية القضية الفلسطينية بعيداً أكثر من أي وقت مضى، وتراجع أمله بقيام علاقة أقل عدائية مع إيران، كما خاب ظنه بالخروج من الشرق الأوسط للتركيز على سباق القوى العظمى مع روسيا والصين على وجه الخصوص.

"كل شيء يمكن أن يتغير"

خلال ظهوره في مؤتمر نظمته مجلة الأطلسي، تحدث سوليفان بكل رضا عن: "الفترة الزمنية التي أحتاج أن أمضيها على الأزمة والنزاع في الشرق الأوسط اليوم قد تقلصت بنسبة كبيرة عما كانت عليه في عهد أي ممن شغلوا هذا المنصب بدءاً من أحداث 11 أيلول". ولكي نكون منصفين، لا بد من القول إن سوليفان لم يكن راضياً عن الوضع تماماً، إذ اعترف بأن: "كل شيء يمكن أن يتغير" إلا أن أمله في: "تخفيف الضغط وخفض التصعيد في الشرق الأوسط مع دمجه بصورة كاملة" أصبح يعاني اليوم من خطر التقهقر، وذلك لأن هجوم حماس أثار إعجاب العرب والمسلمين، ولا بد للانتقام الإسرائيلي المتوقع أن يثير موجة سخط وغضب، وأن يشعر القادة العرب بخطر انتشار الفوضى على نطاق أوسع.

من جانبه أخذ محمد الضيف، وهو قائد الجناح العسكري لدى حماس المعروف باسم كتائب القسام، يحث العرب والمسلمين على حمل السلاح ضد إسرائيل بقوله: "من لديه بندقية اليوم عليه أن يشهرها"، ولكن على الرغم مما يجري اليوم، فإن كيان الشعوب بالكاد اعترته هزة، إذ بصرف النظر عن قذائف الهاون والصواريخ الرمزية التي يطلقها حزب الله على مزارع شبعا، تلك المنطقة المتنازع عليها والتي تقع على الحدود بين لبنان وسوريا، لم يتبن حزب الله دعوة حماس لفتح الجبهة الشمالية ضد إسرائيل، كما فعل في حرب 2006. وكذلك لم يثر الفلسطينيون في الضفة الغربية، أو القدس أو إسرائيل، على الرغم من أن مصادر فلسطينية تناقلت خبر مقتل ثلاثة أشخاص في أثناء رشقهم جنوداً إسرائيليين بالحجارة خارج القدس. وفي أماكن أخرى، وتحديداً في مصر، قتل شرطي سائحين إسرائيليين مع دليلهم السياحي، ولكن كلما طال أمد القتال في غزة، زاد معه احتمال تفشي العنف في المنطقة. إذ في التاسع من تشرين الأول أعلنت إسرائيل عن قتلها لما لا يقل عن متسللين اثنين عبرا الحدود من لبنان، في حين أنكر حزب الله تورطه في ذلك.

يمثل هجوم حماس مشكلة كبيرة بالنسبة لمحمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وذلك لأن ما تقوم به حماس يسلط الضوء على الإخفاقات التي منيت بها عملية السلام، وتمثل تلك الهجمات تحدياً واضحاً لمزاعمه بأنه يترأس كامل الحركة الفلسطينية. وفي الوقت ذاته، تشوهت صورة عباس في عيون إسرائيل وبعض الدول الغربية، لعدم قدرته على إبعاد نفسه نهائياً عن تلك العمليات، وذلك لأنه يدعم عائلات الأسرى الفلسطينيين على سبيل المثال، كما أن ذلك تسبب بظهور انقسامات في أوروبا، إذ في 9 تشرين الأول أعلن مفوض الاتحاد الأوروبي المعني بشؤون التوسع، أوليفر فاريلي، عن نية الاتحاد تجميد مليارات الدولارات التي تذهب كمساعدات للسلطة الفلسطينية، ريثما تجري مراجعة تلك الميزانية لمعرفة ما إذا كانت تستخدم للتحريض على الكراهية والإرهاب، إلا أن هذا القرار سرعان ما أبطله جوزيب بوريل وهو أرفع دبلوماسي لدى الاتحاد الأوروبي، عندما أعلن بأن: "معاقبة كل الشعب الفلسطيني" من شأنها أن تلحق الضرر بالاتحاد الأوروبي، ولكن المراجعة ستستمر مع استمرار الدفعات المالية المقدمة للشعب الفلسطيني.

مستقبل الاتفاق السعودي-الإسرائيلي

قد يختلف الخبراء حول مدى تقصد هجمة حماس الأخيرة وتوقيتها إفشال مساعي تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وكذلك حول كون إيران الجهة الموجهة لها أم لا، بيد أن حماس ليست بحاجة لأي دافع حتى تصعد عملياتها، إذ أعلن إسماعيل هنية أحد أرفع قيادات حماس: "نقول لكل الدول، ومن بينها الدول العربية الشقيقة، بأن هذا الكيان الذي لا يستطيع حماية نفسه في وجه من يقاومه، لا يمكنه أن يقدم لكم أي حماية" وهذا ما أبهج الزعماء الروحيين لدى إيران وحزب الله.

خلال الشهر الماضي، أعلن ولي العهد السعودي، والحاكم الفعلي للسعودية، محمد بن سلمان، في مقابلة أمام صحفي أميركي بأنه يرجح عقد السعودية لاتفاق مع إسرائيل، وذلك عندما قال: "إننا نقترب من ذلك يوماً بعد يوم"، في حين ألقت وزارة الخارجية السعودية اللوم على إسرائيل اليوم بعد هجوم حماس عليها بسبب "مواصلتها احتلال فلسطين، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، وتكرار استفزازاتها الممنهجة على مقدساتهم".

قد يعمل أي اتفاق سعودي-إسرائيلي على تمديد العمل بالاتفاقيات الإبراهيمية القائمة بين إسرائيل وأربع دول عربية وهي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، ولكن ليس من السهل تأمينها، بما أن ولي العهد السعودي اشترط من بين الأمور التي اشترطها توقيع معاهدة دفاع رسمية مع أميركا، إلى جانب توفير السبل أمام السعودية لتخصيب اليورانيوم، كما خاطر نتنياهو بخسارة حلفائه من اليمين المتطرف في حال تقديمه لأي تنازل لصالح الشعب الفلسطيني. ولكن اليوم، أعلن آرون ديفيد ميلر من معهد كارنيجي للسلام الدولي بأن قدرة أميركا على التوصل لعقد اتفاق بين إسرائيل والسعودية قد تراجعت إلى الصفر، على الأقل في الوقت الراهن، وذلك لأنه لا أحد من المسؤولين الإسرائيليين على استعداد لتقديم تنازلات للشعب الفلسطيني في ظل استمرار الهجمات من قبل حماس. وهذا ما سيقيد السعودية أيضاً، إذ قد يرفض الأمير محمد أن يهرع لعقد اتفاق مع المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين الذين قد تتم إزاحتهم عن السلطة قريباً. أما إدارة بايدن فيبدو أنها أذعنت وخضعت للأمر الواقع ولاحتمال إرجاء الأمر إلى أجل غير مسمى، إذ أعلن مسؤول أميركي رفيع بأنه: "لهذه العملية طرق انتقال شتى".

الغضب الأميركي على إيران

بيد أن الخطر السياسي الأكبر الذي يقف في وجه بايدن هو الغضب على إيران، إذ أعلنت الحكومتان الأميركية والإسرائيلية بأنه لا يوجد دليل على تورط إيراني مباشر في التخطيط لهذه العملية، على الرغم من أن إيران داعم مهم لحركة حماس، بيد أن النواب الجمهوريين يربطون بين الهجوم على إسرائيل وسياسات بايدن تجاه النظام الديني في إيران، فقد وصل بايدن إلى الحكم وهو يأمل أن يحيي الاتفاق الذي يحد من برنامج إيران النووي والذي وقع عليه سلفه باراك أوباما على الرغم من اعتراضات نتنياهو، ثم أتى دونالد ترامب ومزق هذا الاتفاق، فانتهى الأمر، بيد أن إيران اليوم باتت على وشك التمكن من تصنيع قنبلة نووية.

ينتقد الجمهوريون بايدن لتخفيفه سياسة الضغط لأقصى الحدود على إيران، لا سيما بعد موافقته على تأمين عملية إطلاق سراح خمسة أميركيين محتجزين في شهر أيلول الماضي، وقد تضمنت تلك الصفقة إلغاء تجميد ستة مليارات دولار من عائدات النفط الإيراني موجودة في كوريا الجنوبية، احتفظت بها قطر على سبيل الضمان، غير أن الإدارة الأميركية أعلنت بأنه لم يتم التعويض عن تلك الأموال بعد وأنها ستنفق فقط لدفع أجور متعاقدين غير إيرانيين مقابل الغذاء واللوازم الإنسانية الأخرى، وهذا ما أكده مسؤول أميركي رفيع بقوله: "لن يمس أي أحد في إيران ديناراً أو سنتاً أو ريالاً واحداً من تلك الأموال".

بالنسبة لترامب الذي من المرجح أن يغدو المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري فإن دولارات دافعي الضرائب الأميركي أسهمت في تمويل هذه الهجمات، كما أعرب في وقت لاحق عن أسفه بالقول: "أصبحنا بنظر الناس ضعفاء وفاقدين للفاعلية، ويترأسنا رئيس ضعيف حقاً"، إلا أن خصوم بايدن لم يتوقفوا كثيراً عند هذا التفصيل، لأنهم يعرفون بأن الرئيس ضعيف بما أنه حاول التوصل إلى حل وسط مع إيران التي تعتبر الراعي الأول للإرهاب في المنطقة.

يرى بعض الناس بأن الجمهوريين لا يساعدون إسرائيل كثيراً، وذلك لأن الانقسامات بينهم، والحمى التي تظهر مع اقتراب انتخابات 2024، عطلت الكونغرس، فلم يصدق مجلس الشيوخ على من رشحه بايدن ليكون سفير الولايات المتحدة إلى إسرائيل، كما لم يصدق على المئات من المرشحين للمناصب العسكرية الرفيعة في البلد، ثم إن حادثة استبعاد الناطق الرسمي باسم مجلس النواب خلال الأسبوع الماضي، تشير إلى أن عملية وضع الميزانية ما تزال تراوح مكانها، ويشمل ذلك المعونات العسكرية الموجهة لأوكرانيا وربما لإسرائيل.

تختلف الأسلحة والذخائر التي تحتاج إليها إسرائيل بصورة عاجلة، والتي تشمل أجهزة الاعتراض الخاصة بنظام القبة الحديدية والذخائر الموجهة بدقة، تمام الاختلاف عن تلك التي تزود بها أوكرانيا أو التي قد تحتاج إليها أميركا في حال قيام حرب على تايوان، إلا أن قضية الأسلحة تسلط الضوء على حقيقة كون الولايات المتحدة تتعرض لمطالبات كثيرة تطول مواردها وترسانتها وقواتها المسلحة ومؤسسة الأمن القومي لديها، بيد أن الحزبية وحالة الشلل التي تعتري واشنطن لن تسهم إلا بمنع قيام استجابة موحدة.

حالياً، يبدو بأن بايدن سيحتضن إسرائيل بشكل أكبر، وهذا الاحتضان نابع من إيمانه الصادق بها، إلى جانب كونه نابعاً من ضرورة المرحلة السياسية، ولهذا توجه نتنياهو لبايدن بالشكر على منحه حرية التصرف لإسرائيل على حد تعبيره، وحتى في حال افترضنا بأن الأمور يمكن أن تنتهي إلى تدمير حماس، لا يمكن لبايدن ولا لنتنياهو الإجابة عن الأسئلة العصية المتعلقة بالذي سيحدث بعد أن تنفذ إسرائيل انتقامها، أي من سيخرج من غزة، وكيف سيصبح وضع الفلسطينيين الذين يعيشون وسط إسرائيل؟ وكما تعلمت إسرائيل في اجتياحها غير المبرر للبنان عام 1982، واكتشفت أميركا في حربي أفغانستان والعراق عقب أحداث 11 أيلول في عام 2001، من السهل أن تنجر أي دولة لحرب ضد فدائيين، إلا أنه من الصعب عليها الخروج من حرب كهذه.

 

المصدر: The Economist