icon
التغطية الحية

إيكونوميست: نحن قاب قوسين من الحفاظ على الشباب وإبطاء الشيخوخة

2023.09.27 | 18:12 دمشق

آخر تحديث: 27.09.2023 | 18:12 دمشق

صورة تعبيرية - المصدر: الإنترنت
صورة تعبيرية - المصدر: الإنترنت
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

“أهب كل ممتلكاتي مقابل لحظة من الزمن"،  كان ذلك آخر ما تلفظت به الملكة إليزابيث الأولى التي بحكم كونها ملكة لإنكلترا فقد كان طوع بنانها ما يكفي من الممتلكات لتصبح أغنى امرأة في زمانها، وبما أنها رعت الخيميائيين الذين يبحثون عن إكسير الحياة وغيره، فيمكن القول إنها كانت تعني ذلك حرفياً، إلا أن ذلك لم يفدها بشيء، لأن ساعتها أتت في آذار عام 1603، بعدما عاشت سبعة عقود إلا نيفاً وصفت في الإنجيل بأنها لم تكن سوى أيام من سنواتنا.

تحسنت الأمور في عهد الملكة الطيبة بيس، إذ صارت شعوب العالم الثري تعيش عمراً يمتد لما بعد السبعين عاماً. أما من يعيشون في الدول الفقيرة، فقد حاولوا اللحاق بالركب. إذ في كل عام منذ عام 1950 صار متوسط عمر الإنسان في مختلف بقاع العالم يرتفع بمعدل أربعة أشهر ونصف.

ومع ذلك هنالك مطبان، أحدهما هو الحد الذي تقف عنده تلك الزيادة، وذلك لأن أعداد المعمرين في ازدياد وسيزداد عددهم أكثر فأكثر، إذ يتوقع مركز بيو للأبحاث وجود 3.7 مليون معمر في مختلف بقاع العالم بحلول عام 2050، أي بزيادة تعادل ثلاثة أضعاف نسبة المعمرين بالنسبة للسكان منذ عام 2015، إلا أن معمراً واحداً فقط من بين كل ألف من المعمرين سيعيش ليتجاوز 110 أعوام، ولا وجود لأحد على مر التاريخ عاش أكثر من 120 عاماً. كما أن متوسط الأعمار في ارتفاع، بيد أن الحد الأعلى لهذا المتوسط يقل عن عمر 120 بكثير.  أما المطب الآخر فيتصل بفترة الصحة، أي إن عدد السنوات التي يمضيها المرء بصحته وحيويته لا يمتد على طول عمره بشكل تلقائي.

إن بعض من يضاهون إليزابيث اليوم في ثروتهم، وفي مكانتهم أيضاً، يسعون جاهدين كما سعت هي لإطالة أعمارهم لفترة أطول مما هو متاح حالياً، إذ على أمل التنعم بحياة أطول وصحية أكثر، ينفح هؤلاء المال لخيميائيي العصر، أي السحرة في مجال الطب والتقانة الحيوية الذين يحاولون فهم حالة الشيخوخة الجسدية وما يصاحبها من علل ووقف علامات التقدم بالسن، مع العمل على إخفاء آثارها.

الاستثمار بإطالة العمر

استثمر في هذا المجال بيتر ثييل، أحد مؤسسي منصة باي بال، ولاري بيج وسيرغي برين، وهما مؤسسا غوغل، وجيف بيزوس، مؤسس أمازون، ولعب هؤلاء دوراً مهماً في إنشاء شركات تسعى لإطالة عمر الإنسان وصحته. وفي آذار الماضي كشف سام ألتمان، وهو مدير شركة أوبن إيه آي، بأنه استثمر قبل عامين مبلغاً قدره 180 مليون دولار في شركة Retro Biosciences الموجودة بوادي السيليكون والتي تأسست بهدف زيادة السنوات التي يتمتع خلالها المرء بصحته خلال حياته.

في فيء غابة الأشجار السامقة للشركات التي تدعمها أعتى مجالات التقانة، هنالك شجيرات لشركات ناشئة مولت بما يناسبها من رأسمال، وتعمل على إنتاج عقاقير من شأنها تأخير أو إيقاف بعض مظاهر الشيخوخة، وتحتها نجد الفكرة القائمة على أن يسعى المرء لإطالة عمره وصحته عبر الاستعانة بحبوب وجرعات من مواد متوفرة أصلاً، إلى جانب النهج التقليدي القائم على اتباع حمية معينة والالتزام بالتمارين الرياضية والنوم باكراً. كما ظهرت الثقافة القائمة على إطالة المرء لعمره بنفسه، على الأقل في الأماكن الموسرة التي تتوفر فيها الخبرات التقنية و"الفشخرة" في مجال التكنولوجيا المعروفة في وادي السيليكون.

بيد أن كثيرين في مجال العلوم والطب ينظرون شزراً لكل تلك الأمور، وهذا ليس بمستغرب، وذلك لأن هذا المجال يجتذب المغامرين والمشعوذين والنصابين بالإضافة إلى هؤلاء الذين لديهم دوافع أرقى من السابقين، كما أن تاريخه مليء بحالات لاختراقات معرفية لم تفض إلى شيء لا من قريب ولا من بعيد، ولهذا لم تعترف إدارة الغذاء والدواء الأميركية بالهرم كحالة مرضية بحاجة لعلاج يناسبها، إلا أن الأدلة كشفت أن هذه الأبحاث قد تخرج بشيء يفيد الناس، إذ هنالك بعض الأدوية المعروفة التي تطيل الأعمار، هذا إن اقتصر ذلك على عمر الفئران على الأقل، وفي ذلك ما يشير إلى احتمال إطالتها لأعمار البشر، إلى جانب إمكانية تعرفنا على جوانب أخرى من تلك العملية. كما أن السهولة المتزايدة لتعديل المورثات تسهم في تطوير تلك الأبحاث كثيراً، وكذلك الأمر عند الحصول على معلومات وبيانات تشتمل على كميات كبيرة من السلاسل الوراثية. ثم إن القدرة على إنتاج خلايا جذعية للإنسان مع احتفاظ هذه الخلايا بشبابها على مر الأزمان، فتحت المجال على خيارات علاجية جديدة. هذا وتقدم أدوات التشخيص الجديدة للعلماء اليوم وسيلة لحساب "العمر البيولوجي" للجسم والأعضاء ومقارنته بالعمر الحقيقي حسب السنوات. أي إن ذلك يسمح للدراسات التي تقوم حول إطالة العمر بأن تحقق نتائج مقنعة خلال فترة تقل عن سبعين عاماً.

عندما تتوقف الماكينة

تبدو حالة الهرم بسيطة للغاية، وذلك لأن الجسم عبارة عن ماكينة أو آلة، وهذه الآلة تبلى بمرور الوقت، ولكن بخلاف معظم الآلات، يصنع جسم الإنسان نفسه بنفسه كما يصلح نفسه بنفسه، ولهذا لمَ لا نجعله يقوم بذلك على أكمل وجه؟

هنالك إجابة على هذا السؤال تدور حول تصميم تلك الآلات، أي نظرية التطور والتي يهمها الإنجاب لا إطالة العمر، فالحياة مسألة جينات ومورثات وبيئة، والبيئة التي تتمثل بالحوادث والمفترسات والأمراض هي ما يقتل معظم المخلوقات، والمورثات التي تبدي سمات واضحة خلال فترة عمر أطول من تلك التي تسمح البيئة بظهورها لا يرجح لها أن تبلي بلاء حسناً ما لم تقدم ميزات أخرى، وذلك لأن المورثات التي تعطي المرء شباباً خصباً وريعاناً هي الفائزة حتماً.

قد يكون في فكرة التطور ما يشعرنا بالتآمر على الهرم والشيخوخة، إذ في حال مساعدة مورث معين سلالة حيوانية في شبابها، وتهديدها بالانقراض في شيخوختها، فمن المرجح هنا هو أن هذا المورث سينتشر، إذ ثمة بعض الأدلة التي تثبت بأن أحد متحورات مورث معين يؤدي إلى ظهور مرض الزهايمر يسهم في ظهور سمات إنجابية لدى جيل الشباب.

وبالنظر إلى الأمر بشكل عام ومن منظور تطور المورثات المعنية، يصبح الفرد مجرد طريقة لتشكيل نسخ أخرى من تلك المورثات، أي إنه ليس غاية وهدفاً بحد ذاته. لذا فإن الحفاظ على آليات إصلاح الجسم لنفسه بأحسن حال لا يستحق كل هذا العناء إلا في حال انتقال مزيد من المورثات إلى الجيل التالي. وفي حال تحسن الأداء عبر استخدام تلك الموارد بطرق أخرى، فلا حاجة لعمليات الإصلاح عندئذ. ومن خلال هذه المنهجية التي ترى بأن لدينا جسداً فانياً سيبقى معنا طوال العمر لمرة واحدة، يصبح الإنسان وسيلة لتحقيق غاية لم تحقق عندما لم تعد مناسبة للغرض.

ومن خلال هذه الفكرة بوسعنا أن نفسر سبب ظهور الكثير من المشكلات الصحية مثل داء الزهايمر أو الرعاش أو تنكس الشبكية أو مرض السكري من النوع الثاني والكثير من أشكال السرطانات التي نادراً ما تظهر في بداية العمر، لكنها تصبح أكثر شيوعاً عند الشيخوخة. بيد أن ذلك يشير أيضاً إلى أن هذه الحالة يجب ألا تظهر، وبما أن عملية التطور لا يهمها الاحتفاظ بنظم الإصلاح، فإن هذا لا يعني عدم القدرة على القيام بذلك، أي إن الأمر يحتاج لشيء من التحايل.

لدى معظم المورثات متحورات، تعرف باسم الأليلات، وجميعها تفعل فعلها، بيد أن آثارها قد تختلف إلى حد ما، فلقد عُرفت الأليلات بأنها مورثات معينة من خلال عمليات التلاعب بالمورثات التي أجريت على الأحياء المخبرية والدراسات على مورثات المعمرين من بني البشر، إذ أثبتت التجارب على الكائنات المخبرية بأن هذه الأليلات تطيل العمر، وارتبطت لدى مورثات المعمرين البشر بحياة أطول. وتلك الأمور تسهم في تسليط الضوء على العمليات التي تقف خلف حالة هرم الجسد وشيخوخته.

وعلى سبيل المثال، وكما ورد في دراسة نشرها باحثون بكلية كينغز بلندن في عام 2014، فإن ذلك يمكن أن يفسر سبب ضعف احتمال وفاة المعمرين بالسرطان أو أمراض القلب مقارنة بالأشخاص الذين أصبحوا في الثمانين من العمر. ويشير ذلك إلى أن سبب الحياة الطويلة التي يعيشها بعض الأشخاص هو تمتعهم بنوع نادر من الحماية ضد الأمور التي تقتل البشر في سن أصغر، وتلك أخبار رائعة بحق، ولكن ستبقى أمور أخرى قادرة على قتل هذه الفئة من الناس، إذ كشفت الدارسة التي أجرتها كلية كينغز أن المعمرين أشد عرضة لحالة الوهن العام، والالتهاب الرئوي الذي يعتبر صديقاً للعجائز.

تقسيم مشكلة الشيخوخة

ثمة سبب آخر لبث الأمل في النفوس عندما تواجهنا قسوة نظرية التطور، وهو أن التفاصيل الفسيولوجية للشيخوخة أصبحت أشد وضوحاً، وهنا عمد الباحثون إلى تقسيم المشكلة إلى أجزاء صغيرة يمكن معالجتها كل على حدة، وبعض هذه الأجزاء الأصغر تمثل مشكلات تستقطب التدخل بحد ذاتها، ومنها على سبيل المثال حالة الالتهاب المزمن أو تراكم البروتينات الشاذة التي ترافق مرض الزهايمر. وهنا يرى الباحث جورج تشيرتش من جامعة هارفارد والخبير بالتقانة الحيوية والذي لا يخشى أن ينحو منحى غير تقليدي، بأن هذه المقاربة يمكن أن تقدم ما هو أكثر من ذلك، عبر تحديد كل العناصر والتعامل معها على حدة، وعندها ستكتشف بأنك توصلت إلى حل للمشكلة برمتها.

قامت منظمات وفرق عديدة بإعداد قوائم قسمت من خلالها المشكلة نفسها، ومن القوائم التي خضعت لمشاورات موسعة، هي تلك التي أعدها كارلوس لوبيز-أوتين من جامعة أوفيدو الإسبانية، برفقة زملائه، حيث حدد هؤلاء 12 سمة للشيخوخة والهرم تم اختيارها بناء على أساس أن وضعها يسوء مع التقدم بالعمر، ولهذا فإنها تسرع من حالة الشيخوخة في حال تحفيزها وتبطئ الوضع في حال معالجتها. وهنا يرى المتفائلون بأن معالجة هذه السمات البغيضة يمكن أن تطيل عمر الإنسان لأجل غير مسمى مع تمتعه بصحة جيدة.

أصبح علم الأورام مجالاً متطوراً للبحث منذ أمد بعيد، لذا لن يتطرق هذا التقرير للحديث عنه بشكل مباشر، كما لن يعلق على الحمية وممارسة الرياضة والنوم لفترة كافية خلال الليل، لأن ما يهم هنا ليس التأكيد على أهمية تلك الأمور التي ستبقى ضرورية على الدوام، بل هدفه التركيز على التطور الحاصل بالنسبة لكل سمة من السمات الاثنتي عشرة التي تم تحديدها، بيد أن الصورة التي ستظهر لن تكون مرتبة وواضحة كما يتمنى المرء، وذلك لأن علم الأحياء علم معقد ومتشعب تتداخل فيه الكثير من سمات الهرم والشيخوخة، ويشير ذلك في بعض الأحيان إلى أهمية التدخل في أكثر من ناحية. كما قد تحدث أمور على حساب أخرى في أحيان ثانية، إلا أن التعامل مع قسم من تلك القائمة لا بد أن يحسن حياة البشر، ولكن من يدري ما الذي سيحدث إن تمت معالجة كل ما ورد فيها من سمات؟

 

المصدر: The Economist