icon
التغطية الحية

إيكونوميست: ما أسباب تأجيل الغزو الإسرائيلي لغزة؟

2023.10.28 | 06:18 دمشق

آخر تحديث: 28.10.2023 | 06:18 دمشق

آثار القصف الإسرائيلي على غزة - المصدر: الإنترنت
آثار القصف الإسرائيلي على غزة - المصدر: الإنترنت
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

بدأت الأمور بسرعة، وذلك عندما انطلق وابل غير مسبوق من الصواريخ ليستخدم كغطاء يخفي عملية كبيرة تسببت بمطاردة محمومة وغارات جوية مسعورة. سارع جنود الاحتياط لارتداء بزاتهم العسكرية وتلبية نداء الواجب، وتوعد الجنرالات بهجوم بري كبير، أي أن ما بدأ كعطلة نهاية أسبوع خريفية هانئة انتهى باستعدادات إسرائيلية لاجتياح غزة.

ولكن بعد مرور ثلاثة أسابيع تقريباً على عملية حماس في إسرائيل التي نفذت في السابع من تشرين الأول، لم يبدأ ذلك الاجتياح بعد، إذ تواصل القصف الإسرائيلي على غزة وتسبب بمقتل الآلاف من الناس وتدمير نحو 9% من الأبنية في تلك المنطقة، كما فرض على غزة حصارٌ شبه كامل جعل المدنيين يعانون من نقص حاد في الأغذية والماء وعطل المشافي عن الخدمة.

"أسرع وانتظر!"
إلا أن القوات البرية لما تتحرك بعد، بصرف النظر عن بعض المداهمات البسيطة، إذ سرح نحو 360 ألف جندي للاحتياط تم حشدهم ضمن أكبر تعبئة شهدتها إسرائيل في تاريخها، فيما يزال الآلاف منهم ينتظرون الأوامر في جنوب إسرائيل، بيد أن هذه الأوامر تأجلت مراراً وتكراراً.

يشتكي الضباط الإسرائيليون من هذا الوضع ويقولون بأنهم لا يستطيعون الاحتفاظ بجاهزيتهم للأبد، ولهذا قام أحد القادة العسكريين، بعدما بلغ منه الاحباط كل مبلغ، بأخذ جنوده إلى موقع بناء ليهرولوا صعوداً وهبوطاً ضمن أحد المباني الشاهقة التي لم ينتهِ بناؤها بعد، وذلك للتدرب ظاهرياً على حرب المدن، أما في الواقع فيخبرنا بأن تلك وسيلة لتفريغ الضغط، إذ تقوم الحياة العسكرية على مبدأ دائم وهو: "أسرع وانتظر!"، بيد أن هذا المبدأ أصبح صارماً إلى أبعد الحدود في إسرائيل اليوم.

ثمة أسباب كثيرة للتأجيل، أولها استمرار المحادثات لتحرير الرهائن الذين احتجزتهم حماس، والضغوط الأميركية التي ظهرت بسبب التخوف من نشوب حرب إقليمية، والظروف السيئة التي يعيشها الأهالي داخل غزة، والتردد المزمن الذي يعاني منه بنيامين نتنياهو، وهو رئيس الوزراء الأطول مدة في تاريخ إسرائيل، إذ في الخامس والعشرين من تشرين الأول الجاري أكد نتنياهو بأنهم مايزالون يخططون لتنفيذ هجوم بري، إلا أن هذا الهجوم صار أصغر وأبطأ من كل التوقعات وذلك خلال الأيام التي تلت العملية التي اغتال فيها مقاتلو حماس أكثر من 1400 شخص.

 ملف الأسرى

بحسب آخر ما سمعناه على لسان مسؤولين إسرائيليين، فقد أسرت حماس ما لا يقل عن 220 شخصاً خلال الهجوم، بينهم العشرات من الأطفال والعجائز، ومواطنون من دول أجنبية أخرى. ولهذا تحول الرهائن إلى مصدر للضغط على حكومة نتنياهو، وذلك لأن أهالي الأسرى أطلقوا حملة فعالة تعتمد على العلاقات العامة، كما أخذ قادة الدول الأجنبية يحثون نتنياهو على بذل جهده لتحرير مواطنيهم.

وهكذا نظمت وقفات احتجاجية في مختلف أنحاء إسرائيل، كما أجرى أهالي الأسرى مقابلات بثت عبر  أثير المحطات الإذاعية والتلفزيونية، فأصبحت القضية سياسية إلى أبعد الحدود، لأن أغلب من تعرضوا للهجوم في المستوطنات الإسرائيلية هم إسرائيليون علمانيون يساريون يرجح أنهم شاركوا في الاحتجاجات التي خرجت ضد حكومة نتنياهو خلال هذا العام، وهكذا فإن هؤلاء الذين اعتقدوا بأن حكومة نتنياهو تخلت عنهم في السابع من تشرين الأول مايزالون يشعرون بأن تلك الحكومة بقيت على خذلانهم حتى الآن، إلا أن الضغوط التي مارسها أهالي الأسرى أجبرت حكومة نتنياهو على تغيير مخططاتها، فأعلنت منذ ذلك الحين بأن إنقاذ الأسرى بات أهم أولوياتها، بعدما كانت ميالة لمداهمة غزة من دون مراعاة أي اعتبار يتصل بسلامة الأسرى.

الدور القطري

أما قطر التي تستضيف بعضاً من قيادات حماس، فقد شعرت بخطورة الوضع هي أيضاً، بعدما أصبحت علاقتها بحماس تحت المجهر منذ عملية 7 تشرين الأول، ولهذا صارت تسعى جاهدة لتقديم نفسها على أنها طرف محاور أمام الغرب، وعلى رأسهم أميركا.

في 25 تشرين الأول، نشر إسحق هنغبي وهو رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي رسالة غير معهودة عبر منصة إكس كتب فيها: "يسرني أن أعلن بأن قطر أصبحت طرفاً أساسياً ومن أصحاب المصلحة بالنسبة لعملية تسهيل الحلول الإنسانية"، وذلك بعدما بقي المسؤولون الإسرائيليون ينتقدون قطر طوال الأسابيع الماضية، ليأتي هنغبي ويمتدحها (بالإنكليزية لا بالعبرية) وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تحقيق تقدم في صفقة تقضي بتحرير بعض الأسرى لدى حماس على أقل تقدير.

بيد أن حماس أطلقت سراح عدد من الأسرى قبل كل ذلك، إذ في العشرين من الشهر الجاري، حررت حماس أماً وابنتها تحملان الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية، وبعد مرور ثلاثة أيام على ذلك، حررت حماس إسرائيليتين عجوزين اختطفتا من مستوطنة نير أوز الواقعة على حدود غزة، من دون أن تحصل على شيء مقابل ذلك، وفي ذلك ما يشير إلى أن الضغوط التي مارستها أميركا على قطر قد حققت نتيجة.

تحدثت إحدى هاتين العجوزين، واسمها يوشيفيد ليفشيتز، وعمرها 85 عاماً، عن المحنة التي تعرضت لها في مؤتمر صحفي عقد في اليوم الذي تلا تحريرها، فقالت عن من أسروها بأنهم ضربوها وهم في طريقهم إلى غزة، وعند الوصول إلى هناك، اقتادوها إلى شبكة أنفاق تشبه شبكة العنكبوت، وبعدما أمضوا ساعات في المسير، وصلت إلى غرفة احتجز فيها أكثر من عشرين رهينة.

غير أن السيدة ليفشيتز ذكرت بأنهم عاملوهم باحترام، إذ اعتنى المسعفون بالجرحى، وكان الرهائن يأكلون الوجبات نفسها التي يأكلها الخاطفون والمؤلفة من خبز وجبن وخضار. وعندما سُلمت للصليب الأحمر على حدود غزة مع مصر، صافحت أحد خاطفيها، وعللت ذلك بأنهم عاملوا الرهائن بحساسية على حد تعبيرها، غير أن زوجها مايزال في الأسر، أي أن لديها سببا منطقيا لئلا تظهر عداءها لحماس.

بيد أن تعامل حماس بإنسانية مع تلك الجدة لم يخفف من حدة الغضب تجاه خطف تلك الجدة في المقام الأول، ورميها على دراجة نارية وضربها بالعصي، كما لا يبرر ذلك ما ارتكبته حماس في المدن الإسرائيلية.

في 23 من تشرين الأول، عرض الجيش الإسرائيلي 43 دقيقة من مقطع الفيديو الأولي الذي يصور ما حدث للصحفيين الأجانب، وبعض تلك الدقائق مأخوذ من الكاميرات التي ثبتها المهاجمون من حماس على أجسادهم، أما البقية فأخذت من كاميرات المراقبة ومن هواتف محمولة. ولم يسمح لأحد بتسجيل ما جاء في هذا العرض الذي قدم على مدرج ضمن قاعدة عسكرية لم يحدد مكانها، لأن في هذا الفيلم ما يزعج الجمهور حال مشاهدته.

إذ في إحدى المقاطع المريعة، يظهر أب وهو يسرع مع ولديه الصغيرين إلى أحد المخابئ، وجميعهم يرتدون ملابس داخلية فقط، ثم يرمي أحد مقاتلي حماس قنبلة يدوية عليهم، فيقتل الأب، أما الطفلان اللذان غطتهما الدماء فيبدو أن أحدهما فقد عينه، ثم اقتيد كلاهما والسلاح موجه نحوهما إلى بيتهما، وطلب منهما قاتل أبيهم الماء، ثم سطا بكل هدوء على الثلاجة، وبدأ يشرب الكولا (ولم يستطع الناطق الرسمي أن يخبرنا ما إذا كان الطفلان مايزالان على قيد الحياة أم لا).

استمرت الجرائم، مع محاولة مسلح قطع رأس عامل تايلاندي أصيب في معدته، وبما أن المسلح لم يستطع العثور على سكن، لذا فقد حز رقبة الرجل بمجرفة تستخدم في الحدائق. وتظهر صور أخرى جثثاً محروقة انساب السائل الدماغي من رؤوسها، في حين بدأ المهاجمون يتخذون وضعيات مناسبة للتصوير بكل زهو بجانب تلك المشاهد.

دور بايدن في تأجيل العملية

أثارت تلك الوحشية حنق إسرائيل وغيرها من الدول، فظهرت موجة تأييد واسعة لقيام حملة عسكرية هدفها الإطاحة بحماس والقضاء عليها في غزة، بما أنها تسيطر على غزة منذ أن طردت منها السلطة الفلسطينية في عام 2007، ولكن هنالك أيضاً أصوات قوية تطالب بالتحلي بالحذر، أهمها صوت بايدن.

يعتبر خوف بايدن من اندفاع إسرائيل نحو حرب من دون وجود نهاية واضحة للعبة خوفاً مشروعاً، إذ تتمنى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لو ترى السلطة الفلسطينية التي تحكم حالياً أجزاءً من الضفة الغربية المحتلة وقد استعادت السيطرة على غزة. إلا أن أحد المسؤولين الرفيعين يعترف بعدم قيامهم بأي تخطيط جدي لذلك، كما أنكر نتنياهو وجود خطة كهذه أصلاً.

يخشى بايدن أيضاً من عدم بقاء الحرب ضمن غزة، إذ على الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان، ثمة تبادل يومي لإطلاق النار، فميليشيا حزب الله الشيعية اللبنانية التي تمثل نواة حزب سياسي صارت تهاجم المدن الإسرائيلية والمواقع العسكرية بصواريخها المضادة للدبابات، ولهذا قصفت إسرائيل الجنوب اللبناني بالصواريخ والقنابل، فاعترف حزب الله بمقتل نحو أربعين من مقاتليه (ويعتقد بأن الحصيلة أعلى بكثير). وتعتبر الأحداث الجارية أطول عملية قتالية منذ الحرب التي خاضها حزب الله في عام 2006، على الرغم من أنه لم يقرر بعد تصعيد الوضع ليتجاوز القصف المتبادل.

هذا ولقد استعانت الميليشيات الموجودة في سوريا والعراق بمسيرات للهجوم على القواعد العسكرية الأميركية، فجرح في تلك العمليات أكثر من عشرين جندياً أميركياً، إلا أن جروحهم طفيفة. وفي 19 من تشرين الأول، أعلن البنتاغون بأن المدمرة الأميركية التي تحمل اسم يو إس إس كارني، قد أسقطت صواريخ ومسيرات أطلقت من اليمن فوق البحر الأحمر، ويعتقد الأميركيون بأن هدف تلك الصواريخ هو الجنوب الإسرائيلي، وفي تلك محاولة واضحة من قبل الحوثيين، أي تلك الميليشيا المدعومة إيرانياً في اليمن، لدخول الحرب.

توازنات خطيرة

ماتزال كل حالات التصعيد هذه صغيرة، وتشير إلى أن إيران تريد أن تظهر إلى أي مدى يمكن لوكلائها أن يصلوا، من دون أن يغرقوا المنطقة بالحرب. إلا أن الوضع لا ينذر إلا بالخطر، إذ يكفي أن تقتل غارة عدداً كبيراً من الناس سواء في إسرائيل أو لبنان حتى يختل هذا التوازن. وللتقليل من فرص حصول ذلك، أخلت إسرائيل أكثر من عشرين مستوطنة في الشمال، بينها مستوطنة كريات شمونة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من عشرين ألفاً، وذلك لقربها من الحدود اللبنانية، كما أصبحت القرى الواقعة على الطرف اللبناني من الحدود خاوية نظراً لنزوح سكانها نحو الشمال.

حصنت إسرائيل حدودها أيضاً، إذ أرسلت إلى الشمال لا إلى الجنوب أغلب من استدعتهم للاحتياط خلال هذا الشهر، ونشرت أميركا بارجتين حاملتين للطائرات، إحداهما شرقي البحر المتوسط، والأخرى في منطقة الخليج. وفي 21 من تشرين الأول، أعلنت عن عزمها على نشر مزيد من كتائب باتريوت المتخصصة بالدفاع الجوي وبطارية ثاد المضادة للصواريخ الباليستية. فيما يستعد ألفا جندي آخرين لأي عملية نشر مرتقبة.

تعتقد إسرائيل بأن هذه التعزيزات قد ردعت حزب الله ومنعته من تصعيد القتال، ولهذا خفت الحديث في أوساط حكومة الحرب عن ضربة استباقية تستهدف حماس، وبدت أسواق النفط أكثر تفاؤلاً هي أيضاً في الآونة الأخيرة، فقد هبط سعر خام برنت الذي ارتفع من 85 دولاراً للبرميل الواحد قبل هجوم حماس إلى 92 دولاراً في 19 تشرين الأول الجاري، إلى ما دون 90 دولاراً.

تخوض إسرائيل كل حروبها وعينها على الساعة، وفي تلك الأثناء تشتد الإدانات الدولية، وفي نهاية المطاف تتدخل أميركا بموجب ما قدمته من دعم، إذ في عام 1973 طالبت أميركا بوقف إطلاق النار لإنهاء حرب تشرين، على الرغم من أن القوات الإسرائيلية كانت في طور التقدم. وفي عام 2006، فرضت الولايات المتحدة وقف إطلاق النار قبل أن تحقق إسرائيل أهدافها في لبنان، وخير من يشرح ذلك أحد المسؤولين الإسرائيليين وذلك عندما قال: "إن فسحة الشرعية الدولية محدودة أمامنا".

كما توحي مشاهد الرعب في غزة بأن الفسحة أصبحت في طور الانتهاء، إذ أعلنت الأمم المتحدة عن نزوح 1.4 مليون نسمة ضمن تلك المنطقة، ولهذا اكتظت مراكز الإيواء بما يفوق طاقتها الاستيعابية بضعفين ونصف، وفي 13 تشرين الأول، طالبت إسرائيل جميع أهالي شمالي غزة بالنزوح إلى جنوبها، غير أن الآلاف الذين استجابوا لهذا الأمر عادوا أدراجهم نحو الطرف الآخر، إذ عندما لا يحس أحد بالأمان، عندئذ من الأفضل أن يلزم المرء بيته على أن يعيش في خيمة أو في مركز إيواء مزدحم بالناس.

ترفض إسرائيل السماح بإدخال أي شحنات للمساعدات عبر حدودها إلى غزة قبل أن تفرج حماس عن كامل الأسرى الذين تحتجزهم، ولكن في 21 تشرين الأول، دخلت أول شحنة من المساعدات، وهي عبارة عن قافلة مؤلفة من 20 شاحنة تحمل موادَّ غذائية ومياهاً وأدوية إلى غزة من مصر، وأعقبتها شحنات أخرى، إلا أن ذلك لا يمثل سوى جزء ضئيل مما يحتاج إليه القطاع (إذ أعلنت الأمم المتحدة بأن القطاع يحتاج يومياً لما لا يقل عن مئة شاحنة). ولذلك اقتصر طعام الأسر على وجبة واحدة باليوم، كما لجأ الأهالي لشرب مياه مالحة جلبوها من الآبار، ويخبرنا العاملون في المجال الإغاثي بأن ظروف الصرف الصحي السيئة تسببت بظهور حالات الجرب والإسهال، وثمة مخاوف من انتشار أمراض أخطر.

كما لم يدخل أي وقود إلى غزة منذ 7 تشرين الأول، إذ لم تعد محطة الطاقة الوحيدة تعمل، كما قطعت إسرائيل إمدادات الكهرباء التي تقدمها للقطاع، وأعلنت منظمة الصحة العالمية عن انقطاع الوقود عن ستة مشاف من أصل 13 مشفى في غزة، وأغلقت معظم الأفران أبوابها للسبب ذاته، ولهذا صرنا نرى طوابير تقف أمام الأفران التي مازالت تعمل لمدة قد تمتد لست ساعات، وذلك لأن إسرائيل ترفض إدخال شحنات الوقود إلى غزة.

ترغب الدول العربية بالتوصل إلى وقف إطلاق نار فوري، في حين انقسم الاتحاد الأوروبي على نفسه، إلا أن أرفع دبلوماسييه، أي جوزيب بوريل، قد طالب بهدنة إنسانية للسماح بمزيد من الشحنات بالدخول. في حين ألمح ريشي سوناك رئيس وزراء بريطانيا إلى تأييده فكرة التوصل إلى هدنة إنسانية هو أيضاً، أما أميركا فما تزال تمد إسرائيل بدعم قوي، غير أنها لن تواصل فعل ذلك إلى أجل غير مسمى.

وبالرغم من كل هذا، يتعرض نتنياهو إلى ضغوط متصاعدة من اليمين المتشدد ليثبت للناس بأنه يسحق حماس، إلا أنه يكره أن يعترف بأن بايدن وأهالي الرهائن هم من كفوا يده عن ذلك، ولهذا صار يعلن من خلال وكلائه بأن الجيش ليس على استعداد لحملة برية، لذا وبدلاً من التضحية بأرواح الجنود، يجب على إسرائيل أن تشن مزيداً من الغارات الجوية المدمرة التي تشمل استخدام قنابل خارقة للتحصينات بهدف تدمير شبكة أنفاق حماس.

ثم أتى رد الجيش بأنه على استعداد تام للغزو، ولكن ظهرت عناوين رئيسية بشعة لكنها دقيقة في الإعلام الإسرائيلي تفيد بوجود خلاف  بين نتنياهو ووزير دفاعه، يواف غالانت، إذ حاول نتنياهو أن يقيل غالانت في آذار الماضي، بعدما أعرب الأخير عن انتقاده لخطة الحكومة التي تهدف لإضعاف المحكمة العليا، بيد أن نتنياهو تراجع عن ذلك بعد خروج احتجاجات شعبية عارمة. ومنذ ذلك الحين وحالة انعدام الثقة تسود بين الطرفين، إلا أن هذا الوضع بات يقف في طريق عملية التخطيط للحرب التي تخوضها إسرائيل اليوم.

في 11 من تشرين الأول، انضم قائدان من أحد الأحزاب المعارضة، وهما بيني غانتز وغادي أيزنكوت وكلاهما قائد عسكري سابق، إلى حكومة الحرب، غير أنهما أخفقا في توحيد تلك الحكومة، وعن ذلك يقول مسؤول في وزارة الدفاع: "تضرر الجيش والاستخبارات بشكل كبير بسبب إخفاقهم في اكتشاف هجوم حماس ومنع وقوعه، بيد أن الجيش والمخابرات عادا ليقفا على قدميهما وينتظران الآن من الحكومة أن تخرج بفكرة واضحة حول ما يجب عليهما فعله".

حالة ارتباك عامة

ماتزال الأوامر التي أعطيت للجيش تهدف إلى تدمير الإمكانيات العسكرية الموجودة لدى حماس وإنهاء سيطرتها على غزة، ولهذا يعتقد بعض من يعلمون لدى الجيش ولدى المؤسسة العسكرية عموماً بأنه من الأفضل شن حملة برية بشكل تدريجي، في حين طلب من الجنرالات أن يستعدوا لهجوم واسع، ولهذا لا يمكنهم تغيير الخطة ما لم تزودهم الحكومة بجدول زمني مختلف أو بهدف مغاير، بيد أن الحكومة ماتزال على ترددها.

اعترف قائد الجيش الجنرال هرتسي هليفي بإخفاق جيشه في منع وقوع عملية حماس، وكذلك فعل رونين بار الذي يدير مؤسسة الأمن الداخلي في إسرائيل، وحذا حذوه الجنرال أهارون هاليفا رئيس المخابرات العسكرية. ومن المتوقع من الثلاثة أن يقوموا بما يشرفهم وهو الاستقالة عقب الحرب، وأغلب الإسرائيليين يريدون من رئيس وزرائهم أن يقبل بتحمل المسؤولية بالطريقة ذاتها، إلا أنه لم يفعل، بل أمضى معظم وقته في اجتماعات مع مستشارين سياسيين وفي إحاطات قدمها للصحفيين. كما اجتمع مع حكومة الظل الخاصة به والمؤلفة من جنرالات ومسؤولين سابقين في الأمن وذلك ليفكر مرة أخرى بغالانت وبرأي الجيش، وهذا ما دفع أحد أعضاء الكنيست من حكومة نتنياهو الائتلافية للقول: "كثيرون من يتحملون اللوم لاعتقادهم بأن حماس لن تتجرأ على فعل شيء كهذا، ولكن من الواضح أن بيبي يستحق الملامة أكثر من البقية، ولكن لا تنتظروا منه أن يعلن عن ذلك بنفسه".

ولكن حتى الحكومة التي تعمل بسلاسة لابد أن تواجه صعوبة وهي تتنقل بين كثير من الأولويات التي يزاحم بعضها بعضاً، وإسرائيل بالكاد لديها حكومة أصلاً في هذه الأيام.

 

المصدر: The Economist