icon
التغطية الحية

إيكونوميست: لماذا لا يشبه المستشار شولتز المستشارة أنجيلا ميركل في شيء؟

2024.01.15 | 15:42 دمشق

صورة تعبيرية يظهر فيها إيمانويل ماكرون مع أولاف شولتز - المصدر: إيكونوميست
صورة تعبيرية يظهر فيها إيمانويل ماكرون مع أولاف شولتز - المصدر: إيكونوميست
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

لعلها قصة قديمة ومهمة حتى وإن كانت ملفقة، تلك التي جعلت الراحل هنري كسينجر يشتكي ويقول: "إن كنت سأخاطب أوروبا، فمن سأخاطب؟" ولكن ثمة جواب نافع على هذا السؤال بقي يتردد خلال فترة طويلة من الزمن، وهنا يجب علينا أن نعترف بأن هذه المدة امتدت لما بعد رحيل كسينجر عن الحكومة في بلده. إذ خلال معظم حقبتي الثمانينيات والتسعينيات، شغل هيلموت كول منصب المستشار الألماني، ومنذ عام 2005 وحتى نهاية عام 2021، احتلت هذا المنصب أنجيلا ميركل. وخلال تلك الفترة كانت ألمانيا كبيرة وغنية وذات نفوذ واسع ومهم، ولهذا لم يكن أي شيء ليحدث في أوروبا إلا بموافقة المستشار الألماني، وبما يتماشى مع رغبته، وكل ما يطلبه هذا المستشار بقي مجاباً حتى الآن.

شخصية باهتة

في حال أجرينا بحثاً على غوغل سيتبين لنا بأن قائد ألمانيا رجل اسمه أولاف شولتز، إلا أن شخصيته باهتة وغير مؤثرة، أي أنك معذور إن لم تسمع به. وفي الوقت الذي أصبح الاقتصاد الأوروبي يعاني من الركود، صعد اليمين المتشدد في كل مكان بحسب ما أثبتته استطلاعات الرأي، في وقت أخذت صواريخ فلاديمير بوتين تدك أوكرانيا دكاً، تلك الدولة المرشحة لدخول الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك لم يسمع أحد لشولتز صوتاً، إذ بالرغم من أن حزبه هو ثالث أكبر حزب ألماني من حيث الشعبية، إلا أن نسبة تأييده لم تتجاوز 15% وهذا أمر مثير للسخرية بحق، ولهذا يمضي الرجل جل وقته وهو يحاول دعم حكومته الائتلافية المتداعية.

بيد أن هذا العجز الذي يشتت الجهود يثير انتباه الكل ليس فقط داخل ألمانيا، بل خارجها أيضاً، وذلك لأن الاتحاد الأوروبي بقي بلا قيادة في ظل غياب شولتز، بما أن ألمانيا يجب أن تتبوأ مركز الدافع المحرك، سواء بالنسبة لجمع التبرعات لأوكرانيا، أو حل مشكلات الهجرة، أو تشكيل اتحاد لأسواق رأس المال، أو إصلاح هذه المنظومة بحيث يمكنها قبول عضوية أوكرانيا وغيرها من الدول، أو إعداد العدة لأوروبا في حال نجاح ترامب في الانتخابات خلال شهر تشرين الثاني المقبل وما يترتب على انتصاره من تبعات. ولقد كان المستشاران كول وميركل يعرفان ذلك جيداً، وهذا ما دفعهما للسفر والتفاوض على تلك الأمور بشكل دائم، ولهذا ازدهرت أوروبا، بيد أن هذه الفكرة تبدو غريبة على شولتز المتكتم الذي دعم أوكرانيا بشكل كبير لكنه فشل في إقناع الآخرين برؤيته.

ضعف فرانكوألماني

وكما هو واضح، لا تخضع جميع الأمور لرغبة المستشار، لأن الطرف الأساسي الذي يدعم ألمانيا القوية في مساعيها يتمثل في فرنسا قوية، إلا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أصبح مكروهاً في الداخل، وتمثل ذلك بخسارته لأغلبية الأصوات في الانتخابات النيابية خلال عام 2022، ومع محاولته تمرير القانون الذي وضعه رغم ذلك.

وخلال هذا الأسبوع، أقال رئيس وزرائه، تماماً كما يفعل أي رئيس فرنسي عندما يصبح محاصراً، ليعين غابرييل أتال الذي يتمتع بشخصية جذابة، إلا أنه يفتقر إلى الخبرة بما أن عمره لم يتجاوز الرابعة والثلاثين من العمر. وفي الماضي، كان ماكرون رائداً في مجال الإصلاح، غير أن قدرته على إقناع أوروبا والتأثير عليها اضمحلت في هذه الأيام.

 

 

والأهم من كل هذا هو أن شولتز وماكرون لا يتفقان كما ذكرت مصادر مقربة منهما، ويعود أحد أسباب ذلك إلى اختلاف شخصيتيهما، أما السبب الآخر فهو آراؤهما المتضاربة، إذ يفضل ماكرون أن يكون الإنفاق على المستوى الأوروبي، أي أن يتمتع باستقلالية أكبر عن حلف شمال الأطلسي وعن أميركا، في ظل وجود سياسة اقتصادية موجهة، لكن شولتز المتصلب بآرائه لا يتفق مع أي من تلك الأفكار وذلك لأن الاختلاف في الرؤى يمكن أن يثمر عن شيء مفيد في حال وجود رغبة بالتعاون، لكن تلك الرغبة غير موجودة.

شخصيات أوروبية واعدة

بيد أن الأخبار ليست كلها سيئة، إذ على الرغم من تعطل المحرك الفرانكوألماني الذي كان يشغل أوروبا بأسرها، ماتزال بعض الآليات الرديفة تعمل فيها، وعلى رأسها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين، التي تحولت إلى شخصية ألمانية أشد تأثيراً وفاعلية من مواطنها شولتز، ولهذا تستحق أن تنتخب رئيسة للمفوضية من جديد في الخريف المقبل، لأنها تستغل منصبها بشكل جيد، وذلك لكونها حاربت من أجل الاستفادة من صندوق التعافي من كوفيد الذي وصل التمويل فيه إلى 875 مليار دولار، لكن سلطاتها تبقى محدودة، ثم إنها ليست جاك ديلور الذي وحّد القادة الأوروبيين وشجعهم على تشكيل سوق واحدة وعملة واحدة، وثمة قوة محفزة أخرى ضمن الاتحاد الأوروبي تتمثل بشخصية دونالد تاسك وهو رئيس الوزراء الجديد في بولندا والرئيس السابق للمجلس الأوروبي، إلا أنه سينشغل كثيراً في محاولاته لكسب السيطرة في الداخل.

وحتى لو فاز جو بايدن في تشرين الثاني المقبل، ستتراجع أميركا عن دورها في كونها مصدر الأمن الأساسي بالنسبة لأوروبا، ولهذا ستنفق أوروبا أكثر وستنفذ المزيد من الخطوات لتحمي مواطنيها، ولكن بدلاً من أن يكون قادة أوروبا بمستوى التحديات، مايزالون يتطلعون لحل الأمور الداخلية.

 

المصدر: The Economist