icon
التغطية الحية

إيكونوميست: لماذا ارتفعت قيمة عملة البتكوين بنسبة فاقت 150% خلال هذا العام؟

2023.12.29 | 15:34 دمشق

آخر تحديث: 29.12.2023 | 15:34 دمشق

صورة تعبيرية للبتكوين - المصدر: الإنترنت
صورة تعبيرية للبتكوين - المصدر: الإنترنت
The Economist - ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

لن يفيد قطع رؤوس الصراصير بشيء، لأنها بوسعها أن تعيش من دون رأس على مدى أسبوع بحاله، كما أن ضربها لا يضمن القضاء عليها، وذلك لأنه بإمكان أجسادها أن تنحني لتتحمل ما يفوق وزنها بتسعمئة ضعف، وينطبق الشيء ذاته على إهراق كمية كبيرة من الماء على الصراصير داخل المرحاض، لأن هذا ليس بحل هو أيضاً، وذلك لأن بعض سلالات الصراصير يمكنها أن تحبس أنفاسها لمدة تتجاوز نصف ساعة. ولهذا تعتبر الصراصير حشرات كريهة بنظر كثيرين، ومما يزيد النفور تجاهها عدم قدرة المرء على القضاء عليها.

حشرة كريهة

هكذا ينظر معظم أصحاب الأموال ورجال القانون لصناعة العملات المشفرة، فالمجرمون يستعينون بتلك العملات في عمليات غسل الأموال، والإرهابيون يلجأون إليها ليحصلوا على دفعات من مموليهم، والقراصنة يطلبون الفدية بالبتكوين، وأغلب العملات المشفرة ظهرت حتى يتمكن صانعوها من سرقة الأموال.

بيد أن مجال العملات المشفرة يبدو مجالاً لا يمكن لأحد أن يقضي عليه، فقد تراجعت أسعار تلك العملات إلى حد كبير بسبب ارتفاع أسعار الفائدة في عام 2022، وهكذا قُطع رأس تلك الصناعة، أما تشانغبينغ تشاو مؤسس أكبر نظام تصريف بالعملات المشفرة، وسام بانكمان-فريد وهو مؤسس ثاني أكبر نظام للتصريف بالعملات المشفرة، فينتظر كل منهما حالياً صدور الحكم عليه بتهمة ارتكاب جرائم مالية (إذ اتهم الأول بخرق قوانين مكافحة غسل الأموال والثاني بالاحتيال). أما رجال القانون فقد مارسوا قمعهم على تلك الصناعة، وبالرغم من ذلك لم تبق العملات المشفرة موجودة فحسب، بل حلقت أسعارها من جديد، إذ ارتفعت عملة البتكوين لأعلى مستوى لها خلال عامين لتصل إلى 45 ألف دولار تقريباً في الحادي عشر من كانون الأول، أي أنها تجاوزت السعر الذي حققته في مطلع هذا العام والذي وصل إلى 16600 دولاراً.

ما الذي يجري؟

إن عدم القدرة على تدمير العملات المشفرة شيء متأصل في مجال التقانة، وذلك لأن البتكوين والإيثيريوم وغيرها من العملات المشفرة ليست شركات، ولهذا لا يمكن أن تفلس أو أن تغلق أبوابها، كما أنها تستعين بسلاسل الكتل (بلوكتشين) التي تحتفظ بقاعدة بيانات للصفقات والعمليات، ثم تقوم شبكة لامركزية من الحواسيب بالتحقق من صحة هذه القوائم، وهذه الشبكة تحتفظ بتلك القوائم من خلال تطبيق رموز تشفير جديدة، وفي حال هبطت قيمة تلك الرموز إلى الصفر يمكن عندئذ لكل هذا الهيكل أن ينهار، أي أن هنالك أسباب كثيرة للاعتقاد بأن بعض رموز التشفير تستحق أكثر مما نالته من قيمة.

رهان على المستقبل

أول سبب من بين تلك الأسباب هو أن الاحتفاظ بالعملات المشفرة يعتبر رهاناً للمستقبل الذي يقوم على توسع استخدام التقانة، فلقد اعتمدت الشعوب في الدول المستبدة على البتكوين والعملات المستقرة (بما أن شفراتها ربطت بعملة صعبة مثل الدولار)، وذلك لتحفظ مدخراتها، وفي بعض الأحيان لتجري عمليات دفع، ويمكن لهذه العملية أن تتم على نطاق أوسع، ومايزال الفنانون والمتاحف يخلقون شفرات غير قابلة للاستبدال أو يجمعونها. وكما هي حال من يطمحون للشهرة، يقوم دونالد ترامب ببيع أجزاء من بزته من إصدار MugShot مقابل 99 دولاراً، إذ يخطط لتقطيع هذه البزة التي احتجز فيها إلى قطع صغيرة، وتحويلها إلى بطاقات تقدم للمغامرين الذين يشترون ما لا يقل عن 47 رمزاً غير قابل للاستبدال في الصفقة الواحدة.

خلال فترات الازدهار، جمع مجال العملات الرقمية كماً كبيراً من الأموال ووظف الكثير من المطورين اللماحين، ومن تبقى منهم صار يعمل على الخروج باستخدامات جديدة لتلك العملات، وذلك عبر تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي مثلاً أو الألعاب التي يحقق المرء من خلالها مكسباً مادياً مقابل اللعب، إلا أن هذه التطبيقات قد لا تنتشر بشكل واسع، غير أن الفرصة الضئيلة التي تمثلها تستحق بعض العناء.

فكرة مناسبة للتنويع

أما السبب الثاني للإيمان بأهمية هذه العملات هو أنه مع كل دورة ازدهار يعقبها كساد، يتضح لنا بأن العملات المشفرة ليست مجرد فقاعة تشبه فقاعة جنون التوليب التي ظهرت في العشرية الثالثة من القرن السابع عشر، أو مثل جنون الألعاب المحشوة بكرات بلاستيكية خلال تسعينيات القرن الماضي. إذ على الرغم من أن البتكوين ما هي إلا أصول سريعة التقلب والزوال، يبدو تاريخها مع الأسعار أشبه بسلسلة جبلية لا بقمة جبل واحد، كما أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأسهم التقانة، إلا أن ارتباطها بالسوق على وسعه مايزال متواضعاً، ولهذا فإن الأصول التي تصعد وتهبط من دون أن تتأثر بأشياء أخرى موجودة في المحفظة التي يفتحها الناس قد تصبح فكرة مفيدة للتنويع.

ولذلك قدمت البتكوين نفسها كأصول جادة ولعل هذا هو السبب الذي أدى لصعودها منذ فترة قريبة، إذ في شهر آب الماضي، أصدرت محكمة أميركية حكماً يقضي بأن هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية التي تعتبر الجهة الأساسية التي تنظم الأسواق في أميركا، كانت "متعسفة ومزاجية" على حد وصف المحكمة عندما رفضت مساعي شركة غرايسكيل الاستثمارية لتحويل وديعة قيمتها 17 مليار دولار تم تحويلها إلى بتكوين بأكملها إلى أحد صناديق التداول، وهذا الحكم لابد أن يسهل الاستثمار بالبتكوين أمام أي مقرض عادي.

وفي تشرين الأول الفائت، أيدت المحكمة هذا القرار، ما يعني مطالبتها لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية بإفساح المجال أمام هذه الصناعة. ولهذا فإن أكبر مدراء الصناديق المالية، ومنهم شركة بلاكروك وفيديليتي، تقدموا بطلب لإطلاق صناديق المؤشرات المتداولة، وبناء على العوائد التي قدمتها البتكوين في الماضي، وعلاقاتها الوثيقة بغيرها من الأصول، فإن النتيجة قد تتمثل بتهافت على تحويل النقد إلى بتكوين، لدرجة قد تدفع حتى المستثمرين المتريثين إلى وضع أجزاء صغيرة من صناديق معاشاتهم التقاعدية أو محفظاتهم الاستثمارية بعملات مشفرة طلباً للتنويع.

كثيرون ينتابهم إحساس فطري بالقرف عندما يرون صرصاراً، ولكن هذه الحشرة على الرغم من كل عيوبها تشتمل على فوائد جمة، لأنها تحول المادة المتعفنة إلى عناصر غذائية كما أنها تقتات على غيرها من الحشرات وعلى رأسها البعوض، وتلك هي حال العملات المشفرة التي تشتمل على فوائد هي أيضاً، وعلى رأسها التنويع في المحفظة الاستثمارية، وتأمين الأموال في ظل حكم الأنظمة الاستبدادية، فضلاً عن استحالة القضاء على تلك العملات كما بات واضحاً للجميع.  

المصدر: The Economist