icon
التغطية الحية

إيكونوميست: غزة تذكر السوريين بالأساليب التي اتبعها بشار الأسد معهم

2023.10.23 | 23:17 دمشق

آخر تحديث: 24.10.2023 | 13:22 دمشق

الشارع العربي المنتفض دعماً لغزة - المصدر: الإنترنت
الشارع العربي المنتفض دعماً لغزة - المصدر: الإنترنت
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أصبحت المحطات الإخبارية تكرر طوال الليل بث المشاهد نفسها والتي تتضمن مقاطع تظهر فيها سيارات إسعاف وجثث ووميض انفجار يضيء السماء ليلاً، ثم نسمع كيف ألقت حماس باللوم على إسرائيل بالنسبة لقصف المشفى الأهلي بغزة في السابع عشر من تشرين الأول، في حين أعلنت وزارة الصحة هناك عن مقتل المئات من الأشخاص، بعد ذلك أنكرت إسرائيل تنفيذها لغارات صاروخية استهدفت تلك المنطقة، وأعلنت بأن التفجير وقع بسبب صاروخ ضل طريقه أطلقته حركة الجهاد الإسلامي في غزة. ولكن في الوقت الذي أعلنت إسرائيل عن إنكارها لما جرى، لم تعد التفاصيل تهم أحداً، لأن الكارثة دفعت بالناس للخروج في مظاهرات عمت الضفة الغربية والأردن، ووصلت إلى تونس، فاجتاحت تلك الدوامة جو بايدن عند وصوله إلى إسرائيل في زيارة خاطفة في 18 من الشهر الجاري.

ولكن من الصعب التعميم فيما يتصل بالعالم العربي الذي يضم 450 مليون نسمة موزعين على مساحة تعادل آلاف الكيلومترات أقيمت فوقها أكثر من عشرين دولة عربية، إلا أنه حري بنا القول إن معظم العرب مايزالون على تعاطفهم مع القضية الفلسطينية، وذلك لأن عملية تجريد الشعب الفلسطيني مما يمتلكه ما تزال تمثل مشكلة سياسية في عموم الشرق الأوسط، وبوسعها أن تحرك غضب الشارع وتدفعه للتظاهر كما لم يفعل من قبل.

اختلافات وفروقات بين حرب اليوم والأمس

لم تختلف الحرب بين إسرائيل وحماس بعد بلوغها يومها الثاني عشر، إذ ما تزال المحطات التلفزيونية تغطي أخبارها على مدار الساعة، وما فتئ الجميع يناقشون أمرها طوال الوقت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما أنها أثارت دعماً وتأييداً كبيراً للشعب الفلسطيني، ولكن عند مقارنة هذه الحرب بنزاعات سابقة، مثل الحرب التي امتدت لخمسين يوماً على غزة في عام 2014، نكتشف تغير بعض الأمور.

أولها الجانب الجيوسياسي، إذ منذ عام 2020، أقامت أربع دول عربية وهي البحرين والمغرب والسودان والإمارات علاقات دبلوماسية مع إسرائيل التي كانت تربطها في السابق علاقات مع دولتين فقط وهما مصر والأردن، كما دخلت السعودية في محادثات التطبيع هي أيضاً، وهذا ما غير طريقة تعاطي الإعلام العربي مع النزاع، فالجزيرة المدعومة قطرياً خصصت جل وقتها لحماس، في حين حاولت محطات سعودية وإماراتية أن ترقص على حبل رفيع، إذ في الوقت الذي نقلت فيه مشاهد الدمار في غزة، لم تجر مقابلات مع مسؤولي حماس بل أصبح جل ضيوفها من اليهود الإسرائيليين الناطقين بالعربية.

واحتدمت نقاشات حامية الوطيس في غرف الأخبار حول اللغة المستخدمة، وذلك بعدما أصبحت تلك القنوات التي كانت تستخدم عبارة جيش الاحتلال مثلاً، تستعين اليوم بعبارة الجيش الإسرائيلي لتشير إلى المدلول نفسه.

ثمة فرق آخر وهو الخوف من توسع النزاع، إذ كانت الحرب في عام 2014 محصورة بالأرض المقدسة، لكنها قد تخرج عن تلك الحدود هذه المرة، وهذا ما عقد النقاشات، على الأقل في الدول القريبة من إسرائيل، ولنأخذ منها مصر، فقد حثت أميركا والعديد من الدول العربية القيادة المصرية على فتح معبر رفح بينها وبين غزة بما أنه المعبر الوحيد الذي لا تتحكم به إسرائيل، وذلك للسماح للمواطنين بالهروب من القتال.

غير أن شريحة واسعة من الشارع المصري تشبثت برأيها المتمثل بضرورة مقاومة ضغط كهذا، إذ قال إبراهيم عيسى وهو صاحب برنامج حواري معروف بتأييده لحكومة بلده، في رسالة وجهها إلى حماس: "لم تفرضون هذه الحرب علي؟ أتريدون مني أن أغامر بـ100 مليون مصري من أجل عيونكم؟" في حين جاءت تعليقات المعارضين مشابهة، وعلى الرغم من أن المرء قد يُعرض عن تلك الأصوات بوصفها تطبل للنظام المصري الحاكم، إلا أن ما قالته تلك الشخصيات تعبر عن رأي الشارع المصري بدرجة كبيرة.

يتكرر المشهد نفسه في لبنان الذي أمضى أربع سنوات وهو يعاني من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث، إذ أعرب غالبية اللبنانيين عن قلقهم من قيام حزب الله بفتح جبهة ثانية ضد إسرائيل، لأن ذلك سيجر البلد إلى حرب مدمرة أخرى كتلك التي اندلعت عام 2006، وعن ذلك كتبت الصحفية الشهيرة ديما صادق التي تدعم الشعب الفلسطيني بقوة كما تنتقد حزب الله بشدة: "لا تدخلونا إلى الجحيم".

 

 

وفي ذلك ما يشير إلى حدوث تغير ثالث، ألا وهو شدة الاستقطاب التي تعتري المنطقة اليوم، إذ إن أغلب السوريين هالهم ما رأوا من مشاهد قادمة من غزة، وذكرهم الحصار الذي تفرضه إسرائيل عليها بالأساليب التي اتبعها بشار الأسد معهم، إلا أنهم أحجموا في الوقت ذاته عن التصفيق لحماس بما أن من يقف وراءها هو إيران التي بذلت النفس والنفيس لتدمير سوريا، ولذلك يستشيط السوريون غضباً وهم يرون من يعبر عن مقته وإدانته للفظائع التي ترتكبها إسرائيل، لكنه يهلل لجرائم الأسد.

وفي لبنان أيضاً، ثمة فئة من الناس تركز على السياسة بشكلها الأوسع، إذ مهما كان رأيهم بإسرائيل، يتمنى هؤلاء أن تُضعف هذه الحرب إيران وحزب الله معها.

في محادثات غير رسمية أجريت خلال الأيام الاثني عشر الماضية، تحدث بعض المسؤولين العرب عن حماس وغزة بلغة يتوقع المرء أن يسمعها من إسرائيليين يمينيين، إذ لم يبد أي منهم تعاطفاً تجاه تلك الجماعة الإسلامية المدعومة إيرانياً، إلا أنهم لم يتجرؤوا على تكرار ذلك أمام العامة.

فتور عربي إزاء الدبلوماسية الأميركية

يفسر لنا الانفصال بين القيادة والعامة سبب الفتور الذي قوبل به وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكين، خلال جولته الدبلوماسية الأخيرة في المنطقة، فقد أبقى محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، بلينكن وصحبه في حالة انتظار امتدت لساعات قبل انعقاد الاجتماع المخطط له مساء يوم السبت، كما لم يستقبل الأمير بلينكين حتى صباح اليوم التالي.

وهذا ليس بغريب عن الأمير محمد بما أن من عادته السهر ليلاً من دون ترتيب جدول أعماله، وهذا ما يجعله يترك ضيوفه دوماً في حالة ترقب وانتظار، بيد أن تصرفه على تلك الشاكلة مع شخصية رفيعة المستوى زارت بلاده تعتبر رسالة تحمل معنى محدداً. وعندما هبط بلينكين بالقاهرة، سمع خطبة عصماء غير معهودة ألقاها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أعرب من خلالها عن حزنه الشديد لما أصاب الشعب الفلسطيني من محنة.

أما الرئيس بايدن فلم يحظ حتى بترحيب بارد، إذ كان من المقرر أن يسافر إلى الأردن بعد انتهاء زيارته في إسرائيل، ليلتقي بالملك عبد الله، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس السيسي، غير أن عباس رفض لقاءه بعد القصف الذي طال المشفى، ولحق به الأردن الذي أعلن عن إلغاء القمة بأكملها، أي أن القادة العرب لم تعد لديهم أي رغبة بسماع أي شيء يمكن أن يقوله بايدن.

إلا أن قلقاً شديداً يكمن خلف هذا الموقف العلني، إذ منذ السابع من تشرين الأول، صار معظم المحللين يقارنون بين هذه الحرب وحرب تشرين بما أنها كانت آخر مرة شهدت فيها إسرائيل حالة فشل استخبارية كارثية، غير أن هنالك فرقاً شاسعاً بين هاتين الحربين.

في عام 1973 تمكنت دولتان عربيتان من شن حرب اعتبرتها إسرائيل بمثابة تهديد لوجودها، ومنذ ذلك الحين والمؤرخون يناقشون صحة هذه الفكرة، إلا أن هذا ما شعر به الجميع وقتئذ، ويكفينا هنا ما قاله موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، والذي لوح باستخدام السلاح النووي. والآن، بعد مرور نصف قرن على ذلك، جرّت جماعة مقاتلة إسرائيل إلى حرب جديدة، ولهذا تواجه المنطقة اليوم فكرة توسع الحرب على يد عناصر فاعلة لا تمثل دولاً تدعمها دولة غير عربية، ألا وهي إيران.

تقف الدول العربية موقف المتفرج المتوتر اليوم، إذ تحدث رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بكل صراحة ووضوح عن احتمال امتداد الحرب إلى لبنان، فقال: "هذه القرارات ليست بيدي"، وذلك في لقاء أجرته معه قناة الجديد. أما قادة مصر والأردن، فيخشون من أن تؤدي تداعيات الحرب إلى زعزعة استقرار أنظمتهم الهشة، في حين تبدي دول الخليج قلقها إزاء معاداة إيران، خشية أن يهاجم وكلاؤها الرياض أو أبو ظبي، أي أن هذه اللحظة ليست لحظة تهدد وجود إسرائيل، إلا أن بعض الحكام العرب يخشون أن تكون هذه اللحظة لحظة تهدد وجودهم هم لا إسرائيل.

 

المصدر: The Economist