icon
التغطية الحية

إيطاليا: كنيسة بروتستانتية تساعد 2000 لاجئ سوري

2020.12.19 | 16:02 دمشق

00italy-protestants-adds-02-superjumbo.jpg
كنيسة لـ الفالدانسيان في مدينة توري بيليس بإيطاليا (نيويورك تايمز)
إسطنبول- ترجمة وتحرير موقع تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

إدراكًا لتاريخ الاضطهاد الذي مرّ بهم، بذل أعضاء كنيسة "فالدِنسيان" البروتستانتية، مبكراً، جهوداً كبيرة لجلب اللاجئين من سوريا إلى إيطاليا.

 

أنطوان خوري يساعد والدته مها على دراسة اللغة الإيطالية، بينما يعمل حنا خوري على جهاز كمبيوتر محمول في شقتهما في مدينة "بينيرولو" الإيطالية.

 

ونشرت صحيفة الـ نيويورك تايمز، تقريراً حمل عنوان "الكنيسة البروتستانتية التي وجدت ملاذًا لها في تلال إيطاليا تساعد السوريين على فعل ذلك"، تحدثت فيه عن قصة "مها ضاحين" (60 عاماً) وابنيها "حنا" (28 عاماً) و"أنطوان خوري" (26 عامًا) "، التي تشابه قصص عدد لا يحصى من ضحايا الصراع في سوريا. إذ غادروا وطنهم في عام 2016 من أجل مستقبل مجهول في أوروبا، بدافعٍ من الخوف واليأس.

 

وبينما خاطر الآلاف من المهاجرين بحياتهم عن طريق عبور البحر الأبيض المتوسط ​​في قوارب متهالكة، كانت تجربة السيدة ضاحين وابنيها مختلفة تمامًا.

 

في تشرين الثاني 2018، استقلت العائلة طائرة في لبنان، حيث أقاموا فيها لمدة عامين بعد فرارهم من سوريا، ثم توجهوا إلى العاصمة الإيطالية روما، قبل أن ينتقلوا إلى وديان جبال الألب في غرب "بيدمونت" شمالي إيطاليا لبدء حياة جديدة.

كانت العائلة قادرة على القيام بالرحلة بفضل جهود كنيسة الفالدِنسيان (وهي حركة دينية استقرت لأول مرة في بيدمونت في القرن الثاني عشر هربًا من الاضطهاد في فرنسا).

 

ذكريات الاضطهاد بقيت مشتعلة في ذاكرة الكنيسة، فكان أعضاؤها في طليعة مبادرة إيطالية تسمى "الممرات الإنسانية"، والتي تضم أيضًا اتحاد الكنائس الإنجيلية في إيطاليا وجماعة القديس "إيجيديو"، (وهي مؤسسة خيرية كاثوليكية مقرها في روما، والتي ساعدت نحو ألفي لاجئ من سوريا ليصلوا إيطاليا منذ عام 2016).

 

 

الفالدنسيان "حساسون للغاية لموضوع اللاجئ"، قالت "إريكا توماسون" مسؤولة الكنيسة، التي تعرف تاريخ أجدادها الذين تم نقلهم من بلد إلى آخر على مدى قرون.

أما  السكرتير التنفيذي والمنسّق لأنشطة الكنيسة الخيرية "جيانلوكا باربانوتي"، فيقول: "تاريخيًا، اعتدنا أن نكون المهاجرين".

وتعدّ الكنيسة الفالدانية أكبر طائفة بروتستانتية في دولة ذات أغلبية ساحقة من الكاثوليك. فاليوم، هناك نحو 20 ألف فالداني منتشر في جميع أنحاء إيطاليا، ولكن الغالبية لا تزال تعيش في وديان بيدمونت الثلاثة: فال شيزوني، فالي جيرماناسكا، وفال بيليس.

 

تضم بلدة "توري بيليس" حيًا يُعرف باسم "حي فالدنسيان"، وهو تصميم مأخوذ من المنازل المتدرجة في إنكلترا في القرن التاسع عشر (الفن الفيكتوري)، مع معبد متأثر بالكنائس الأنجليكانية، في إشارة إلى البروتستانت البريطانيين الذين جاؤوا لمساعدة الفلدان لما يقرب من قرنين من الزمان.

 

 

وشاركت المجتمعات الفالدانية في جميع أنحاء إيطاليا بعمق في الممرات الإنسانية، مستفيدة من خبرتها الطويلة في العمل مع المهاجرين.

كما تم تصميم الممرات الإنسانية لمساعدة اللاجئين المعرضين للخطر بشكل خاص -غالبًا الأشخاص الذين يعانون من مشكلات صحية كبيرة- ويتم تحديدهم من خلال عملية فحص مطولة في أماكن مثل لبنان. على الرغم من أن الأعداد صغيرة، إلا أن الفالدان يقولون إن برنامجهم يتم تقليده الآن في فرنسا وبلجيكا وأندورا.

 

راعي وقطيعه في توري بيليس.

 

وقالت مسؤولة لجنة أعضاء اتحاد الدول العربية في الكنيسة، "أليساندرا تروتا"، إن هذه المبادرة "نموذج ناجح لأوروبا تريد أن تكون جديرة بمبادئ التضامن واحترام حقوق الإنسان التي أسست عليها الكنائس الميثودية والفالدانية".

وتسمية فالدانسيان جاءت من اسم تاجر من القرن الثاني عشر من مدينة ليون الفرنسية، يُدعى "فالدو" الذي نبذ ثروته وبدأ يُبشّر في الشوارع، ما دفع البابا "لوسيوس الثالث" إلى حرمانه وأتباعه وإعلانهم زنادقة.

فلجأ عدد كبير من الفالدان إلى وديان جبال الألب، المتاخمة لإيطاليا وفرنسا، والتي أصبحت قاعدة، نوعاً ما، خلال قرون من الاضطهاد الدوري.

من جهته، قال مدير مؤسسة المركز الثقافي للكنيسة، "آل دافيد روسو": "كان القرن السابع عشر قرنًا صعبًا بشكل خاص"، مشيرًا إلى وباء استفحل في عام 1630 وإلى حملة شنها "دوق سافوي" في عام 1655 لقمع الفالدان، وانتهى ذلك بتدخل‏ القائد العسكري والسياسي الإنكليزي آنذاك، "أوليفر كرومويل".

 

 

 

وفي عام 1848، منحهم الملك "تشارلز ألبرت" من سافوي، الذي حكم منطقة الفالدان، الحقوق المدنية والسياسية قبل فترة وجيزة من التنازل عن الحقوق نفسها لليهود الإيطاليين.

وتشتهر الكنيسة في إيطاليا بممارساتها الليبرالية، فكرست أول امرأة دينية في عام 1967، وكانت أول كنيسة بروتستانتية في إيطاليا تبارك الشراكات المدنية من الجنس نفسه في خدمة الكنيسة (الكنيسة الكاثوليكية لا تسمح بذلك). وقالت تروتا إن نضالهم من أجل الاعتراف بحقوقهم قد ألهمهم للدفاع وضمان الحقوق الأساسية للجميع.

وأضافت تروتا: "نحن المسيحيين الغرباء الذين لا نريد الصليب في الأماكن العامة"، بما في ذلك المدارس العامة.

وكانت تروتا حاضرة في احتفال عام 2015 في تورينو عندما طلب البابا فرانسيس الصفح عن اضطهادات الكنيسة الكاثوليكية السابقة للفالدان. فقالت وهي تضحك: "لقد طُلب مني تقديم البركة الأخيرة، والجميع يقول لي الآن: لقد باركت البابا".

الجزء الكبير من تمويل الكنيسة يأتي من دافعي الضرائب الإيطاليين، والذين يتعين عليهم تحويل نسبة من ضرائبهم إلى مبادرة خيرية أو اجتماعية. في العام الماضي، اختار حوالي 560 ألفاً من دافعي الضرائب الإيطاليين تمويل الفالدان، والتي جمعت حوالي 42 مليون يورو، أو 51 مليون دولار. وقالت تروتا: "نحن ندرك المسؤولية التي يلقيها هذا علينا".

هذا التمويل هو ما يدفع للممرات الإنسانية

ولفتت تروتا إلى أن الممرات كانت "نموذجًا رابحًا"، أظهر "إمكانية القيام بشيء ما" كبديل للهجرة غير المنظمة وغير القانونية التي استغلتها الأحزاب السياسية اليمينية المتشددة كهدف لها.

وأضافت: "كلما أبقيت الأبواب مغلقة، سهلت الطرق غير المنتظمة التي تجلب معها عدم الاستقرار الاجتماعي. قالت "إنها حلقة مفرغة يمكن كسرها"، فبعد عملية الفحص في نقطة انطلاقهم، يتم إعطاء اللاجئين دورات توجيهية، حتى يعرفوا ما يمكن توقعه عند وصولهم إلى المدينة التي تعتبر الأنسب لاحتياجاتهم الخاصة.

المطاف انتهى بالسيدة ضاحين وابنيها حنا وأنطوان، في "بينيرولو"، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها نحو 36 ألف نسمة، جنوب غرب مدينة تورين، في بيدمونت شمالي إيطاليا.

 

حصل أنطوان خوري على تدريب مدفوع الأجر في تطوير الويب.

 

بمجرد وصول اللاجئين إلى إيطاليا، يتم تزويدهم بالسكن، ورواتب للطعام، والتدريب اللغوي، والدعم النفسي والمساعدة القانونية، بينما يساعد المتطوعون المحليون وأعضاء الكنيسة في مواجهة التحديات العاجلة، مثل التعامل مع البيروقراطية، وتسجيل الأطفال في المدارس، وتقديم المشورة الوظيفية.

ثم يبدأ مستوى المساعدة في التناقص بعد ستة أشهر، اعتمادًا على الموقف، والذي غالبًا ما يكون أكثر صعوبة بسبب المشكلات الصحية.

 

بعد عامين، يتحدث كل من حنا وأنطوان الإيطالية بطلاقة، أما والدتهما فليست كذلك بعد. يدرس حنا التنمية الدولية في جامعة تورينو، بينما حصل أنطوان على تدريب مدفوع الأجر في تطوير الويب.

 

وقال أنطوان خلال مقابلة جرت معه في مطبخ شقتهم: "إذا شعرت كما لو أنني أحسّن حياتي، وأنني أتعلم شيئًا جديدًا وأبني مهنة، وإذا كانت عائلتي على ما يرام؛ فهذا يكفي بالنسبة لي".

واعتبرت تروتا أن الكنيسة يكفيها كـ"علامة الشرف" عدم التبشير بمذهبها للمهاجرين الوافدين حديثًا.

بالرغم من وجود عدد من البروتستانت من بين مئات الآلاف من المهاجرين الآخرين الذين وصلوا إلى إيطاليا في العقود الثلاثة الماضية (من أفريقيا والفلبين وكوريا الجنوبية وأميركا الجنوبية) وانضم بعضهم إلى الكنيسة الفالدانية، ما أدى إلى تغيير عميق، بحسب تروتا.

 

معبد للفالدان في توري بيليس.