إيران "نووية" هذا الصيف!

2022.08.01 | 06:38 دمشق

إيران "نووية" هذا الصيف!
+A
حجم الخط
-A

في خريف العام 2013، وبينما كانت المفاوضات حول الاتفاق النووي الإيراني تدخل مراحل متقدمة، أطلق مرشد الجمهورية الإيرانية، علي خامنئي، تصريحاً لافتاً، قال فيه: "حين يكون المصارع في حالة صراع مع خصم، ويُبدي أحياناً مرونة لأسباب تقنية، عليه ألا ينسى حقيقة خصمه". قُرِئ التصريح حينئذ، على أنه للاستهلاك المحلي. لكن هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق، كان له رأي آخر، أشار إليه في كتابه "النظام العالمي، تأملات حول طلائع الأمم ومسار التاريخ"، متحدثاً عن خبرة الإيرانيين الدبلوماسية الموروثة، والقائمة على الصبر، واللعب "السيكولوجي" على الخصوم، بمخادعتهم.

قراءة كيسنجر تلك كانت قبل ولادة اتفاق العام 2015، بنحو سنتين. ورغم أن التفاصيل الأخيرة للاتفاق، لم تكن قد ظهرت بعد، فإن كيسنجر تحدث عن أن التأثير العملي للاتفاق سيبقى متوقفاً على الفترة الزمنية التي ستستغرقها إيران حتى تتمكن من إنتاج "سلاح نووي"، بعد إلغائه أو انتهاكه. وكانت إشارة كيسنجر إلى المراوغة الإيرانية، وتشكيكه في جدّية الإيرانيين بعدم امتلاك سلاح نووي، منذ ذلك التاريخ، تبصّراً يستحق التقدير. إذ هذا ما تذهب إليه قراءات خبراء وأجهزة استخبارات غربية، اليوم.

لكن كيف نثق بأن إيران باتت قريبة من العتبة النووية، هذه الأيام، رغم أن إسرائيل قالت ذلك أكثر من مرة، على مدار عقدٍ ونصف، ولم يكن ذلك دقيقاً؟ الجواب يظهر في تعنت الإيرانيين أنفسهم في القبول بالعودة إلى الاتفاق النووي. فقوة الردع النووية، السحرية، تلك التي جعلت الاتحاد السوفييتي، يصبح ندّاً للولايات المتحدة الأميركية، منذ أن كسر احتكارها النووي عام 1949، باتت قريبة من قبضة طهران. وترى "القيادة" الإيرانية، بأم عينيها، كيف تحمي القوة النووية، روسيا، من ردّ فعل غربي فعّال، في أثناء غزوها لأوكرانيا، بصورة تجعل واشنطن عاجزة عن تمويل الأوكرانيين بأسلحة نوعية قادرة على قلب موازين القوى، خشية الانجرار إلى حرب عالمية ثالثة. فموسكو، لوّحت بالنووي، منذ الأيام الأولى للحرب. وواشنطن تلقت الرسالة، وقرأتها بجدّية.

يقول كيسنجر، إنه أمام هذا السجل من التنازلات الغربية، لم يكن لدى طهران حافز جدّي للتعامل مع أي اقتراح على أنه نهائي

كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ أجاب كيسنجر عن هذا السؤال منذ نحو 9 سنوات، في كتابه المشار إليه أعلاه، حينما تحدث عن معادلة حكمت المفاوضات حول النووي الإيراني، منذ العام 2003. فالقدرات النووية الإيرانية كانت تتقدم بإطراد، في حين كانت مواقف الدول الغربية تصبح أكثر مرونة، تدريجياً. ففي عام 2004، كان الغرب يصرّ على أن توقف إيران برنامجها الخاص بتخصيب اليورانيوم، وقفاً دائماً. لكن في عام 2006، قَبِل الغرب بالسماح لإيران ببعض التخصيب على مستويات متدنية أقل من 20%. أما في عام 2009، فاقترح الغرب قيام إيران بترحيل معظم كميات اليورانيوم المخصّب لديها إلى فرنسا وروسيا، كي يتم تحويله إلى قضبان وقود مشحونة بيورانيوم مخصّب بدرجة 20%. وصولاً إلى العام 2013، الذي أتاح فيه الغرب لإيران فرصة الاحتفاظ بما يكفي من اليورانيوم المخصّب بدرجة 20%، لتشغيل مفاعل بحثي مع تعليق عمليات الطرد المركزي عن إنتاج المزيد في مرفق فوردو. والمرفق الأخير، كان موقعاً سرّياً ذات يوم، وبعد كشفه، صار هدفاً لمطالبات غربية بإغلاقه كلياً.

وهكذا، يقول كيسنجر، إنه أمام هذا السجل من التنازلات الغربية، لم يكن لدى طهران حافز جدّي للتعامل مع أي اقتراح على أنه نهائي. وهنا نتساءل: كيف ستتعامل طهران مع مسوّدة النص الجديد المقترحة من مسؤول السياسة الخارجية الأوروبي، جوزيف بوريل، الذي أعلن أن لا مزيد من التنازلات الكبيرة؟  

إذ يُجمع كثير من المراقبين في الغرب، هذه الأيام، أن الاتفاق النووي مع إيران أمام فرصته الأخيرة للإنعاش. وهو ما أكده بوريل في مقاله المنشور في فاينانشال تايمز، قبل أيام، حينما قال: "إذا تم رفض الاتفاق، فإننا نخاطر بمواجهة أزمة نووية خطيرة مع احتمال زيادة عزلة إيران وشعبها". ويُنظر على نطاق واسع إلى انتخابات منتصف المدة للكونغرس الأميركي، في تشرين الثاني/نوفمبر، بوصفها نقطة النهاية في مسار التفاوض المتاح حول النووي الإيراني. فإن تم الوصول إلى تلك "العتبة" الزمنية، دون الوصول إلى اتفاق، فهذا يعني أن لا اتفاق قادم.

ماذا يعني إيران "نووية"، في الشرق الأوسط؟ يعني، سباق تسلح نووي، قد تدخل فيه مصر وتركيا والسعودية، ودول أخرى، مما سيجعل المنطقة عُرضة لمخاطر نزاع غير مسبوقة

هذا السيناريو مرجح في نظر دبلوماسيين وساسة في الغرب وبعض دول المنطقة. فإيران قامت بتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وبقي لديها 30% إضافية كي تصل إلى "العتبة النووية"، التي ستتيح لها تصنيع قنبلة في غضون أسابيع. ووفق رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأسبق، إيهود بارك، في مقال له، في مجلة "تايم" الأميركية، فإن الوقت ربما تأخر لمنع إيران من الوصول إلى تلك "العتبة". متوقعاً أن تصل إيران إلى "العتبة النووية"، في هذا الصيف، وبعدها يصبح الأمر مجرد وقت فقط، كي تشذب مهاراتها في معالجة اليورانيوم، وتعبئته في رؤوس صاروخية، وهي خطوات يمكن إنجازها في وِرَش عمل صغيرة، ليس من السهل متابعتها أو الوصول إليها.

لكن، ماذا يعني إيران "نووية"، في الشرق الأوسط؟ يعني، سباق تسلح نووي، قد تدخل فيه مصر وتركيا والسعودية، ودول أخرى، مما سيجعل المنطقة عُرضة لمخاطر نزاع غير مسبوقة. وقد لا تفيد معادلات التوازن التقليدية، حتى مع وجود "إسرائيل نووية"، تراهن عليها واشنطن لردع إيران. فالمشهد سينفتح على كل الاحتمالات، مع سيلان شهية طهران في تحقيق أحلامها الامبراطورية المتوارثة في محيطها الجغرافي.