icon
التغطية الحية

إيران تستغل غياب روسيا للتغلغل في مدينة دير الزور عبر إعادة تأهيل المساجد

2022.04.12 | 08:12 دمشق

photo_2020-10-07_16-50-18.jpg
غازي عنتاب - محمد حردان
+A
حجم الخط
-A

تكثف إيران من أنشطتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية بالتنسيق مع النظام السوري، في عموم سوريا، في مؤشرات على إعادة التموضع في البلاد، مستخدمة في ذلك مختلف الأدوات الناعمة، وعلى رأسها الجمعيات الخيرية التي تستغل الظروف الاقتصادية المتدهورة، لتقديم المساعدات الإنسانية، لنشر التشيع من خلال التعاون مع مديرية الأوقاف في دير الزور لاستقطاب الشبان في العديد من المناسبات، وإنجاح التغلغل الثقافي داخل سوريا، مستغلة الانشغال الروسي بالحرب على أوكرانيا.

أعلنت مديرية أوقاف مدينة دير الزور التابعة للنظام السوري عن انتهاء أعمال تأهيل عدد من مساجد مدينة دير الزور، وتم افتتاح مسجد تكية الراوي في حي الشيخ "يس" وسط المدينة في يوم الجمعة 25 من شهر آذار الماضي، وذلك بتمويل كامل من المركز الثقافي الإيراني وعدد من الجمعيات والمؤسسات المرتبطة به.

"إعادة تأهيل المساجد بأوامر من الحرس الثوري"

عملية إعادة تأهيل المساجد التي دمرها طيران النظام السوري سابقاَ، جاءت بأوامر مباشرة من قيادة ميليشيا الحرس الثوري الإيراني، وذلك من أجل استعمالها لنشر الفكر الشيعي بين أبناء المدينة، عن طريق افتتاح مدارس لتحفيظ القرآن وإعطاء الدروس الدينية، ودمج أبناء مقاتليها الأجانب مع أبناء المدينة بغرض تغيير ديمغرافيتها بالكامل، وتحويلها إلى ولاية إيرانية على غرار ما فعلت بعدد من مدن العراق واليمن ولبنان، وبمساعدة بعض أئمة المساجد المحليين الذين يدينون بالولاء المطلق لطهران والنظام السوري.

المركز الثقافي الإيراني يخصص مبلغاً لإعادة الإعمار

وفي السياق يقول موظف في مديرية الأوقاف في مدينة دير الزور لموقع تلفزيون سوريا بشرط عدم الكشف عن هويته إن: "المركز الثقافي الإيراني خصص مبلغ 60 مليون ليرة سورية، من أجل إعادة تأهيل عدد من المساجد في أحياء الحميدية والعمال والمطار القديم، والتي تقطنها عائلات عناصر الميليشيات الإيرانية الأجانب من الجنسيات العراقية والأفغانية والإيرانية. في حين قامت مؤسسة البناء والجهاد الإيرانية بتقديم كمية من مواد البناء التي استخدمت في إعادة تأهيل هذه الجوامع، مع إشراف عدد من مهندسيها على عمليات الترميم، بالإضافة إلى تبرع المؤسسة بعدد من المصاحف والكتب الدينية والأثاث الأساسي للجامع وبعض المستلزمات الأخرى".

ويتابع: "يقوم مسؤولو المركز الثقافي الإيراني بإجبار مديرية أوقاف المدينة على تعيين أئمة وموظفي المساجد من الأسماء التي يقترحها المركز، بالإضافة إلى قيامه بتعيين موظفي النظافة والمستخدمين الخاصين بالمسجد من أقارب عناصر ميليشياته، وأيضاً وضع غرفة حراسة صغيرة خلف المساجد لمنع عمليات السرقة التي قد تتعرض لها. كما يشرف المركز على إرسال الخطباء والأئمة لحضور دورات دينية في المستشارية الثقافية الإيرانية في العاصمة دمشق."

ووفق دراسة لمركز جسور للدراسات الاستراتيجية، فإنه منذ مطلع عام 2022 بدأت إيران باتخاذ مجموعة من الأنشطة السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية بالتنسيق مع النظام السوري، لا سيما أنّها تتزامن مع اندلاع الصراع في أوكرانيا وتحقيق تقدُّم في المفاوضات النووية.

وذكرت الدراسة بعض هذه الأنشطة، مثل تبادل الزيارات على مستوى رفيع بين البلدين. وزيادة معدّل نشاط الخلايا الأمنيّة التابعة للميليشيات الإيرانية ضِمن مناطق سيطرة قسد. وتوسيع عمليات نقل الأسلحة ومنظومات الاستطلاع والدفاع الجوي والطيران المسيَّر من العراق إلى سوريا ولبنان خلال شباط 2022. وتكثيف اللقاءات بين الوفود الاقتصادية والتجارية بشكل غير مسبوق منذ تدخُّل إيران في سوريا.

المنظمات الإنسانية كمصدر تمويل للميليشيات الإيرانية 

واعتمدت إيران على المنظمات الإنسانية في دير الزور، منذ عودة سيطرة النظام على أجزاء منها في عام 2017، كمصدر تمويل لوجودها العسكري في المنطقة، مثل منظمتي "الإمام الكاظم للتنمية ومؤسسة الإمام المختار" و"الفرات للسلام والسلم الاجتماعي" العاملتين في المحافظة، وتستفيد إيران من هذا التمويل عبر عدّة طرق منها توجيه الدعم المالي المخصّص لهذه المنظمات لخدمة مشروعها في نشر التشيّع في المنطقة عبر توزيع المساعدات أو إقامة مشاريع خدميّة صغيرة ومتوسطة في مناطق معيّنة.

وتقوم إيران بذلك بهدف كسب ولاء السكّان في هذه المناطق أو الاستفادة من هذا الدعم في تمويل عناصر الميليشيات التابعة لها وتقديم المساعدات الغذائيّة والطبيّة لهم ولعوائلهم، فهناك عدد من الجمعيات الخيرية منها "جميعة التآخي الخيرية" و"مركز الرائد الطبي" تقدم الخدمات الطبية والمعونات لعناصر قوات النظام وميليشيات الدفاع الوطني وكتائب البعث. وتُدار جميع تلك المؤسسات والجمعيات المحلية من خلال "المستشارية الثقافية الإيرانية" في دمشق.

من جهته أحد سكان مدينة دير الزور أخبر موقع تلفزيون سوريا بشرط عدم الكشف عن هويته أن: "دير الزور تحولت إلى محافظة إيرانية، حتى إن بعض المناطق تكاد تخلو من السوريين، في سياسة تغيير ديمغرافي يتبعها النظام السوري في المنطقة. وتعمل على ترميم المساجد وإقامة حلقات تعليمية لنشر الفكر الشيعي في المنطقة، ويقوم أئمة المساجد المقربون من إيران بمحاولة إقناع السكان باعتناق المذهب الشيعي مقابل تقديم مساعدات غذائية أو مبالغ مالية معينة، ويقوم عدد من السكان بالرضوخ لمطالبهم من أجل الحصول على قوت يومه."

وأردف: "تركز الميليشيات على فئة الأطفال ما تحت الـ 15 عاماً، وتحاول  تقديم المنح الدراسية والمكافآت لمن يعتنق المذهب الشيعي، ويخضع هؤلاء الطلاب لدورات يتلقون فيها جميع القواعد التي عليهم الالتزام بها، وانضم عدد من هؤلاء الأطفال لصفوف الميليشيات الإيرانية بعد إنهائهم تلك الدورات. كما توجد دورات تخص النساء أيضاً، وغالباً ما يتم استهداف النساء ممن ليس لهن معيل وفقدت زوجها أو أهلها سواء كان ممن قام النظام باعتقاله أو قتله بالقصف، أو التي لديها أطفال بحاجة إلى من يعيلهم".

 

 

واستخدمت إيران شخصيات من المجتمع السوري أو شخصيات عربية معروفة بولائها لنظام الملالي، لتغطية نشاطها في دير الزور، والتي تموّل عن طريق منظمات دولية عرّفت بأنها "إنسانية لمساعدة السوريين المتضررين من أثر الحرب"، بينما هي في المقابل تستحوذ على عقود لترميم المساجد والمدارس والطرقات والجسور، بتواطؤ مع مسؤولي النظام السوري بدير الزور.

وأوضح الناطق باسم مجلس القبائل والعشائر السورية مضر الأسعد لموقع تلفزيون سوريا أن: "النفوذ الإيراني في سوريا لم يعد محصوراً بالتوغل العسكري والسيطرة على مكونات المجتمع، ولم تعد الهيمنة السياسية على مواقع القرار كافية لأطماع إيران، التي بدأت ترسم استراتيجيات جديدة للهيمنة على اقتصاد ومجتمع سوريا".

وأضاف: "رغبة إيران في الهيمنة على مدينة دير الزور الغنية بالنفط نابعة من كون واشنطن تسيطر عليها. وتحاول إيران التوجه لحصد ما يمكن حصاده من جوانب اقتصادية، استكمالاً لفكرة أن تكون سوريا محمية عسكرية واقتصادية تابعة لإيران، وذلك بعد الهيمنة الروسية على مفاصل الثروات الباطنية والطاقة في سوريا."

ويبدو أن إيران لا تسعى لتعويض خسائرها فقط، بل تسعى لبقاء طويل الأمد في سوريا، والاهتمام بدير الزور لكون موقعها على الحدود العراقية، ما يجعل عملية إمدادها سهلا، ويُعد إنشاؤها العشرات من المنظّمات الخيرية والمنظّمات غير الحكومية في أجزاء عدّة من سوريا، جزءاً من حملة واسعة لبناء النفوذ، واحتكار تقديم الخدمات والمساعدات الإنسانية في المناطق التي تعتبر ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لطهران. ولن يستطيع أحد فصل النظام الإيراني عن النظام السوري، بسبب التغلغل الكبير في مفاصل الدولة والمجتمع.

وفي الوقت الذي تم فيه دفع مئات الملايين من أجل إعادة تأهيل المساجد في أحياء لا تقطنها سوى عائلات عناصر الميليشيات الإيرانية والعراقية، ما تزال منازل المدنيين المدمرة في هذه الأحياء تنتظر منح أصحابها التراخيص اللازمة لإعادة إعمار وتأهيلها من أجل عودتهم إليها، بعد فرض حكومة النظام في المدينة عدة قوانين تحد من عمليات إعادة الإعمار أو تحصرها في المؤسسات التابعة لها أو لطهران.