إسرائيل ومحاولة عكس عقارب الزمن

2023.11.17 | 06:13 دمشق

إسرائيل ومحاولة عكس عقارب الزمن
+A
حجم الخط
-A

نجحت إسرائيل على مدى عقود بتدوير عقارب الزمن وفق بوصلتها الاستراتيجية ومصالحها السياسية ابتداءً من اتفاقية السلام مع مصر (كامب ديفيد 1978) وصولاً لاتفاق (أوسلو 1993) مع حركة فتح الفلسطينية وما تبعها بعد ذلك من اتفاقيات سلام بين عدة دول عربية وإسرائيل، منذ ذاك الوقت وحتى فترة قريبة نجحت من خلالها إسرائيل بإيجاد موطئ قدم لها سياسياً وإعلامياً واقتصادياً من أقصى الغرب العربي (المملكة المغربية) حتى أقصى الشرق (دولة الإمارات العربية المتحدة)

ومما لا شك فيه أن عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركة حماس ومن معها من فصائل في السابع من أكتوبر قد أوقفت عقارب الزمن التي نجحت إسرائيل بتوجيهها نحو مصالحها، بل إن هذه العقارب الزمنية راحت تتحرك عكس المصالح الإسرائيلية بعد أن بدأت إسرائيل عمليتها العسكرية ضد قطاع غزة، فهذه العملية طردية كلما زادت مدة الحرب والقتل ضد هذا القطاع زادت معه الخسائر الإسرائيلية، وهنا لن أتكلم عن الخسائر العسكرية بل خسائرها في كل مجالات التقرب من المجتمعات العربية والإسلامية التي نجحت فيها خلال العقد الماضي، حتى إنها أصبحت جزءاً يؤثر ويتأثر بما يحصل في المنطقة العربية وكان هذا جلياً في الثورة السورية.

في خضم ما يحصل في قطاع غزة يمكن القول إنه لا يمكن لإسرائيل وقف عجلة الزمن أو أن تظل إلى ما لا نهاية تتلاعب بمصير الشعب الفلسطيني

إسرائيل التي نجحت في زرع نفسها في اللاوعي الفكري المجتمعي في المنطقة العربية (ولو بشكل جزئي) على حساب بعض الأنظمة التي شهدت انهياراً مجتمعياً قبل أي انهيار آخر مثل ليبيا وتونس وسوريا والسودان، مما فسح المجال للإعلام الإسرائيلي بالوجود، ومما جعل فكرة ارتباط ساحات المصالح الإسرائيلية مع بعض المصالح العربية أمراً واقيعاً ومقبولاً في التفكير المنطقي عند شريحة كبيرة من بعض المجتمعات العربية، مثل منتدى شرق المتوسط والصراع بين شرق ليبيا وغربها على السلطة، حتى إن إسرائيل أصبحت جزءاً من صراع المحاور وصراع الاستراتيجيات في المنطقة العربية (صراع النفوذ العربي الإيراني) الصراع العربي العربي في قضية الصحراء بين المغرب والجزائر.

القيادة الإسرائيلية تعلم تماماً أن الوقت ليس لصالحها لذلك هي تسعى لثغرة نصر في غزة تبني عليها معادلات جديدة تكون نقطة انطلاق لانتصارات لاحقة لإسرائيل تُقطف ثمارها على المدى البعيد

في خضم ما يحصل في قطاع غزة يمكن القول إنه لا يمكن لإسرائيل وقف عجلة الزمن أو أن تظل إلى ما لا نهاية تتلاعب بمصير الشعب الفلسطيني، منطق كهذا ليس مجرد موعظة من فوق أحكام التاريخ أو طرح مجاف للحقيقة خارج حتمية التدافع الحضاري، فالواقع اليوم يقول إن الخط البياني لعملية طوفان الاقصى يشير بما لا يدع للشك أن هناك تقدماً هائلاً فاق جميع الحسابات في قدرة المقاومة الفلسطنينة على الردع، وأن حدثاً مدوياً أربك الجيش الإسرائيلي وأحبط معنوياته متجاوزاً فلسفة الدفاع إلى الأخذ بزمام المبادرة بالمفهوم الاستراتيجي للمعركة، واللذين يصنعان الحقب الحضارية الموسومة بعنصر المفاجأة بينما توقف تكتيك الجيش الإسرائيلي في ارتكاب مجازر بحق الأطفال والنساء لتحقيق أي نصر ممكن، رغم توغله داخل قطاع غزة لكن القضية اليوم ليست لصالحه كما كانت في السابق، فالعالم الحر لم يعد يقبل بإغفال الضمير والوعي كي يبرر انتهاكات إسرائيل للقوانين والأعراف الدولية وارتكاب جرائم حرب كما أنه سيضيف عليها نمط النهج الإجرامي، وهو العبء الذي لم يعد بمقدور إسرائيل تحمله دون أثمان باهظة لن تقوى على دفعها، فالمظاهرات المؤيدة لأهل غزة والقضية الفلسطينية خرجت من قلب الدول التي دعمت إسرائيل في حربها اليوم بيمنا لم يشاهد مظاهرات بالاتجاه المعاكس.

القيادة الإسرائيلية تعلم تماماً أن الوقت ليس لصالحها لذلك هي تسعى لثغرة نصر في غزة تبني عليها معادلات جديدة تكون نقطة انطلاق لانتصارات لاحقة لإسرائيل تُقطف ثمارها على المدى البعيد، فما خسرته اليوم هو خسارة لعمل عدة عقود من الزمن كانت تنجح في جعل عقارب الزمن تدور لصالحها، بيمنا اليوم نجحت حماس في خطف انتصار زمني يُبنى عليه كثير من استراتيجيات دول المنطقة وفي الوقت نفسه تسعى إسرائيل لاستغلال هذا الأمر لتغيير واقع غزة سواءً بالتهجير أو التدمير، وكل هذا يحتاج لوقت قد لا يُسعف تل أبيب التي تسعى لعكس عقارب الزمن.