إسرائيل وإعادة الإعمار في سوريا

2023.05.20 | 06:10 دمشق

رويترز ـ دوما
+A
حجم الخط
-A

هل ستشارك إسرائيل في إعادة إعمار سوريا، وهل تتطلع من خلال إعادة الإعمار إلى أن تكون شريكا استراتيجيا؟ "بل إلى أبعد من ذلك" أن تكون أكبر الشركاء المتحكمين بإعادة إنتاج الاقتصاد السوري والبنية التحتية المدمرة، على نحو تكون فيه الرابح الأكبر، سبق أن صرح السفير الإسرائيلي السابق في موسكو "تسفي ماغن" أن إسرائيل تعد نفسها للمشاركة في إعادة إعمار سوريا هذا في حال نجاح روسيا في جمع الأجزاء السورية، في جزء موحد تحت حكم نظام بشار الأسد، بالطبع لن يكون الأمر سهلا حتى مع توفر الداعمين الكبار لهذا التطلع، فالأمريكان قبل الروس متحمسون لهذا المشروع، كذلك دول أوربية وعربية أخرى، يوحي مروجو المشروع أنه سيكون من دعائم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وسيتكفل بخلق فرص استثمارية لشركاء ثانويين عدة يدورون في فلك الشريك الرئيسي وهو الرأسمال الأمريكي الإسرائيلي.

العقبة الأهم أمام هذا المشروع الروسي الإسرائيلي الأميركي هو الجشع الإيراني الذي ظهر في الآونة الأخيرة وكأنه يعيد ترتيب أوراقه بالتلويح بحجم المديونية التي يدين بها نظام الأسد لإيران، التي حالت عبر ميليشياتها ولسنوات عشر دون سقوط نظام الأسد المتهالك، كما عملت وبشكل منظم منذ العام الأول للثورة السورية وحتى اليوم، على التغلغل في نسيج المجتمع السوري المهشم بفعل سنوات الحرب، من خلال التغير في الخريطة المذهبية وتجنيس الآلاف من الإيرانيين والموالين لها، وشراء الآلاف من العقارات السورية، وربط العديد من الشركات والقطاعات الحيوية في سوريا بشركات إيرانية، الأمر الذي يجعل إخراجها من المشهد السوري أشبه باستئصال سرطان منتشر في الجسد السوري، ولن تقبل الخروج من المشهد خالية الوفاض دون أن يكون لها حصة موفورة من الكعكة، وهذا ما يفسر الضربات الإسرائيلية المتكررة على مواقع ميليشياتها في سوريا، وبالرغم من الضغوط المباشرة التي تخضع لها إيران لتقليص دورها في سوريا، إلا أنه من الجلي أنها لن تتنازل عن هذا الدور الذي عملت عليه طويلا دون صفقة مرضية لها، أو تحت وطأة ضربات عسكرية طالما لوحت بها إسرائيل، وما الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" إلى دمشق، إلا محاولة جادة على أعلى المستويات، للتأكيد على حق إيران وربما أولويتها في لعب دور رئيسي في مستقبل سوريا.

العقبة الأهم أمام هذا المشروع الروسي الإسرائيلي الأميركي هو الجشع الإيراني الذي ظهر في الآونة الأخيرة وكأنه يعيد ترتيب أوراقه بالتلويح بحجم المديونية التي يدين بها نظام الأسد لإيران

ربما لن يكون هذا عاجلاً لأنه يستوجب قبل البدء به خلق مناخ مستقر لن يأمن رأس المال الإسرائيلي أو الأوروبي الدخول بمغامرة إعادة الإعمار، بغياب هذا الاستقرار، وقد شهدنا عبر سنوات عدة، وربما كان هذا منذ عام 2006 كم كان القرار الإسرائيلي مؤثرا على القرار الأميركي بعدم السماح لنظام الأسد بالانهيار، فبقاؤه هشاً متصدرا للمشهد خير سبيل لتحكم خارجي لن يقوى على التفكير بمناقشته طالما يكفل استمراره وعدم محاسبته، وهذا سيعزز المشروع الأميركي بخلق شرق أوسط جديد، نجحت أميركا في الشطر الأول فيه وهو خلق الفوضى الخلاقة وإدارتها على نحو كارثي، وجاء الآن أوان الشطر الثاني وهو إعادة إعماره وتقطيعه على نحو ينسجم مع المصالح الأميركية والدور الإسرائيلي المرسوم.

لم يكن هذا الحلم الإسرائيلي وليد اللحظة أو ارتجالا عشوائياً، فكلنا يذكر اتفاقية الكويز للمناطق الصناعية المؤهلة ((QIZ، وهي اختصار للكلمات "Qualified Industrial Zones". التي أبرمتها إسرائيل مع مصر والأردن ومناطق الحكم الذاتي في فلسطين، والتي قضت بإنشاء مناطق صناعية مؤهلة مشتركة، وقد كانت البداية مع توقيع إسرائيل والولايات المتحدة لاتفاقية التجارة الحرة عام 1985. حينذاك منح الكونغرس الأميركي للرئيس بيل كلينتون صلاحيات كبيرة، تخوله إصدار جملة من القرارات التي تمنح إسرائيل بموجبها إعفاءات جمركية للمنتجات التي تصدرها إسرائيل إلى الولايات المتحدة، عبر مناطق اتفاقية الكويز. ويتم بموجبها إنشاء مناطق صناعية حرة، تحظى بذات الامتيازات. وبقيت هذه الاتفاقية تتبلور، إلى أن صدر البيان الأول عام (1996) والذي يقضي بإحداث مناطق كويز صناعية في كل من إسرائيل ومصر والأردن ومناطق الحكم الذاتي في فلسطين.

وفي عام 1997 تم توسيع تلك المناطق، حيث لم تعد محصورة بإسرائيل وجيرانها، بل بات من الممكن إنشاء مناطق كويز في أي منطقة، بشررط أن يتم ذلك باتفاق إسرائيلي أردني، وبإشراف مستشارية التجارة الخارجية الأميركية.

وتتمتع المنتجات الصادرة عن مناطق الكويز والمصدرة إلى الولايات المتحدة الأميركية بإعفاء جمركي، وإعفاء من الكوتا (نظام الحصص المقيدة).

كما أنها معفاة من ضرائب الدخل والتأمينات الاجتماعية، وغير محددة بقيود للتعامل مع النقد الأجنبي، وتتمتع بحرية واسعة لنقل رأس المال والأرباح، وغير مقيدة بنظام الأجور.

 بعبارة موجزة، هي غير محددة بشروط أو قيود سوى أن تكون إسرائيل شريكة بنسبة 35% من مكونات المنتج. وأن يتم تصدير المنتجات من إسرائيل، أو من مناطق الكويز تلك.

كان هذا على المدى القريب والمنظور، لكنه رسم لمستقبل يعِد بتداعيات خطيرة في المدى الاستراتيجي، حيث سيكون للاقتصاد الإسرائيلي هيمنة كبيرة على تلك المناطق، والمناطق المتاخمة لها.

بموجب كل ما سبق ستكون لإسرائيل ولشريكتها الولايات المتحدة الأميركية القدرة بشكل أكبر على التدخل في قرارات تلك البلدان الموقعة على هذه الاتفاقية، كل هذا كان قبل اشتعال الربيع العربي وما أعقبه من ثورات مضادة حرفته عن أهدافه وخلقت دويلات هشة هي الأنسب للعب الدور الإسرائيلي الذي طالما حلمت به.