icon
التغطية الحية

إدلب على أبواب معركة... ماهي إمكانات واستعدادات المعارضة؟

2020.06.10 | 14:31 دمشق

taw_adlb.jpg
تلفزيون سوريا - خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

تواصل التحليق المكثف لطائرات الاستطلاع الروسية في أجواء إدلب شمال غربي سوريا، ليل الثلاثاء/الأربعاء، وبدا الرصد والاستطلاع الجوي أكثر تركيزاً على منطقة العمليات القريبة من جبهات القتال في عمق مناطق سيطرة المعارضة السورية وذلك بعد أقل من 24 ساعة من القصف الجوي والبري الأعنف الذي تعرضت له مناطق جبل الزاوية جنوبي إدلب وسهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي.

وبالرغم من فشل العملية الهجومية التي نفذتها مؤخراً التنظيمات الجهادية في "غرفة عمليات وحرض المؤمنين" ضد قوات النظام في محاور سهل الغاب إلا أنها كشفت عن جدية استعدادات النظام لجولة جديدة من المعارك، وقد بدأت قوات النظام بعمليات إزالة الألغام من خط التماس في منطقة جبل الزاوية، ومنيت فرقها الهندسية بخسائر كبيرة في صفوفها خلال العمليات، وهو ما دفع الفصائل المعارضة إلى الاستنفار ورفع جاهزيتها بعد أن دفعت بمزيد من التعزيزات العسكرية إلى المنطقة.

الإغارة التي نفذتها "وحرض المؤمنين" التي يتزعمها تنظيم "حراس الدين" في محاور سهل الغاب والقصف المقابل، جواً وبراً، سرعا فعلياً التسلسل الزمني للأحداث التي تسبق عادة انطلاق العمليات العسكرية، حيث دفعت الآلاف إلى النزوح عن مناطقهم في وقت مبكر نسبياً، وعجلت في استنفار طرفي القتال واستعراضهما القوة في منطقة العمليات، قوات النظام وحلفاؤها من الميليشيات الروسية والإيرانية دفعت بمزيد من التعزيزات إلى جبهات إدلب وفي الغالب لن يتغير تكتيكها في الهجوم المفترض والذي يعتمد على النيران الهائلة، وهنا يبرز السؤال المهم، ماهي استعدادات الفصائل وهل هي قادرة فعلاً على خوض الجولة القادمة من المعارك بتكتيك مختلف وأداء أفضل من المعارك الأخيرة؟

الجيش الوطني

احتفظت فصائل "الجيش الوطني" بالقسم الأكبر من مواقع انتشارها وتمركزها في إدلب وريف حلب الشمالي الغربي منذ توقف المعارك بداية آذار/مارس الماضي ودخول اتفاق وقف إطلاق النار التركي-الروسي حيز التنفيذ في السادس من الشهر ذاته، وكانت الفصائل قد استقدمت بداية العام 2020 تعزيزات لا بأس بها من مناطق تمركزها الأصلية في ريف حلب الشمالي إلى إدلب وجبهات ريف حلب الغربي للمشاركة في العمليات الدفاعية مع باقي الفصائل في "الجبهة الوطنية للتحرير" و"هيئة تحرير الشام"، ولم يكن لمشاركتها الأثر الواضح حينها، ولم تؤثر على مجرى المعارك.

وأنشأت عدة فصائل في "الجيش الوطني" معسكرات تدريب ومقار في مناطق انتشارها الجديدة، ومن بينها "لواء الشمال" الذي أقام معسكراً في ريف حلب الشمالي الغربي بالقرب من الأتارب أوائل نيسان/أبريل الماضي، وشهدت المنطقة ذاتها نشوء عدة تشكيلات مسلحة محلية ينحدر غالبية مقاتلوها من المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام بداية العام 2020 في ريفي حلب الشمالي والغربي. ولفصائل "الجيش الوطني" نقاط قليلة في منطقة جبل الزاوية وجبهات شرقي إدلب ومن المفترض أن تلتحق بالقطاعات التي يشرف عليها الجيش التركي حال طلب منها ذلك.

وفي الغالب ستنخرط فصائل "الجيش الوطني" في العمليات العسكرية القادمة بشكل جدي، وخلال فترة الهدوء النسبي الممتدة من بداية آذار/مارس وحتى حزيران/يونيو الحالي أجرت فصائل "الجيش الوطني" تدريبات مكثفة لمقاتليها، ولم تكن بحاجة لضم المزيد من المقاتلين إلى صفوفها لأنها لم تتعرض للاستنزاف كما باقي الفصائل، أو يمكن القول بأنها لم تكن قادرة فعلياً على ضم مقاتلين جدد بسبب محدودية التمويل والدعم التركي المحدد والذي لا يتيح لها زيادة أعدادها، وفي المقابل حصلت الفصائل على عتاد حربي لا بأس به من مدرعات ومركبات عسكرية مزودة بأسلحة مختلفة.

عضو المكتب السياسي في "لواء السلام" التابع لـ"الجيش الوطني"، هشام سكيف، قال لموقع "تلفزيون سوريا"، إن "وحدات الجيش الوطني بدأت منذ بداية شهر آذار/مارس بتكثيف تحضيراتها واستعداداتها العسكرية والتي شملت، التدريب والتأهيل، وتعويض النقص الحاصل في الاختصاصات والعتاد الحربي" وأوضح سكيف أن " المهمة لم تكن سهلة، لأنها تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين بالإضافة إلى دعم لوجستي كبير ليس متوفراً دائماً، وقد أنشأت بالفعل معسكرات تدريب وتم تخريج عدد من الدورات، وما تزال هناك حاجة لمزيد من الوقت للوصول إلى الحالة المرضية من ناحية الاستعداد والجاهزية القتالية" وحول العتاد الحربي النوعي الذي تمتلكه فصائل "الجيش الوطني" قال سكيف أن "عتاد الفصائل جيد ونوعي وقد تم تعويض النقص".

الجبهة الوطنية

بدت فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" التابعة لـ"الجيش الوطني" أكثر نشاطاً خلال فترة الهدنة، وافتتحت خلال الأشهر الثلاثة الماضية المزيد من معسكرات التدريب في المنطقة القريبة من الحدود السورية-التركية شمالي إدلب، وتجلى نجاح بعضها في نواحي التدريب والتأهيل وتجنيد متطوعين جدد، الفصائل الأكثر نشاطاً، "جيش النصر" و"أحرار الشام" و"صقور الشام" و"جيش الأحرار" و"تجمع دمشق". وساهمت حملة "ارمي معهم بسهم" التي تم إطلاقها في الربع الأول من العام 2019 في تنشيط معسكرات الفصائل من خلال تقديم الدعم المتنوع، ألبسة وطعام وغيرها من مستلزمات المقاتلين.

وكانت فصائل "الجبهة الوطنية" قد تعرضت لاستنزاف كبير خلال المعارك ضد قوات النظام في الفترة الممتدة من أيار/مايو 2019 وحتى بداية آذار/مارس 2020، المواجهات البرية والقصف الجوي والبري المركز خلال الفترة ذاتها أنهك الفصائل، وكبدها خسائر لم يعلن إلا عن جزء يسير منها، بعض الفصائل لم يعد لديها آليات ومركبات عسكرية، وخسرت القسم الأكبر من عتادها، وخسرت كذلك أكثر من 50 بالمئة من أعدادها، بين قتيل وجريح، وكانت بالفعل بحاجة لوقت مستقطع لتعيد تنظيم صفوفها من جديد.

تبدو فصائل "الجبهة الوطنية" أكثر تنظيماً، وأكثر حظاً من حيث الإمكانات المتوفرة، وهي على اطلاع مباشر على التكتيكات التي يجب اتباعها في المواجهة الأولى من الجولة الجديدة من المعارك مع قوات النظام وذلك بحكم انخراطها في غرف العمليات التي أنشأها الجيش التركي في إدلب بالاشتراك مع فصائلها، بعد أن قسمت إدلب ومحيطها في أرياف حلب الغربي وسهل الغاب واللاذقية الشمالي لأربعة قطاعات عسكرية يندمج فيها أكثر من 6000 مقاتل من فصائل الوطنية مع الجنود الأتراك في مواقعهم المتقدمة ونقاطهم العسكرية.

ما تزال "الجبهة الوطنية" تهيمن على الجزء الأكبر من خطوط التماس مع قوات النظام، ويرابط مقاتلوها في 60 بالمئة من مجموع نقاط الرباط إلى جانب "هيئة تحرير الشام" وباقي الفصائل والتشكيلات، وحصلت "الجبهة الوطنية" مؤخراً على كميات لا بأس بها من العتاد الحربي المتنوع والذي يضم أسلحة رشاشة، ومضادات دروع وأفراد، وراجمات صواريخ ومدفعية من مختلف العيارات، ومركبات عسكرية مدرعة، جرى تجميع معظمها في معسكراتها في إدلب، ويزيد عن 200 عدد المركبات والآليات التي دخلت الخدمة مؤخراً.

تحرير الشام

دفعت "تحرير الشام" بتعزيزات عسكرية متنوعة إلى جبهات جنوبي إدلب خلال 48 ساعة الماضية، وحولت جزءا من التعزيزات إلى خطوط التماس في سهل الغاب وجبلي التركمان والأكراد في ريف اللاذقية الشمالي، وبدت أرتال "تحرير الشام" استعراضية، وأول رد عملي على حشود النظام في جبهات المنطقة، وكشفت تعزيزاتها عن استخدامها المدرعات (تجميع محلي) لأول مرة، ويزيد عددها عن 400 آلية، وهي مركبات رباعية الدفع تشبه إلى حد كبير "الشاص" لكنها أكثر تحصيناً ومزودة برشاشات من مختلف العيارات.

وفي إطار استعراض القوة أعلنت "تحرير الشام" عن تخريج دورة رفع مستوى لمقاتليها، وقالت إن "عناصر النخبة خضعوا لدورة رفع المستوى وتدربوا على استخدام مختلف أنواع الأسلحة والتكتيكات المختلفة في عمليات الاقتحام والصد، وخضع المتدربون خلال الدورة العسكرية لتدريبات قاسية ضمن برنامج عسكري محدد"، وسبق أن أعلنت "تحرير الشام" عن تخريج عدد من الدورات العسكرية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وفتحت باب الانتساب لتجنيد مقاتلين جدد في مختلف تشكيلاتها، ونجحت نسبياً في تعويض خسائرها من ناحية الأعداد مستفيدة من الوضع الاقتصادي المتردي والبطالة وهي عوامل دفعت كثيراً من الشبان للانضمام إلى صفوفها.

خسائر "تحرير الشام" في المعارك مع قوات النظام وبشكل خاص خلال النصف الثاني من العام 2019، هي الأكبر، خسرت خلالها أكثر من 3000 مقاتل بين جريح وقتيل إلى جانب خسائر كبيرة في عتادها الحربي الذي كان هدفاً للغارات الروسية (استطلاع مذخر وحربي)، ولذلك كان حضورها في المعارك أواخر العام 2019 وبداية العام 2020 شبه معدوم، وذلك في الفترة التي تلت انهيار جبهات ريف معرة النعمان الشرقي، الاستنزاف المفترض الذي تعرضت له "تحرير الشام" لم يقضِ على كامل قوتها لكنها فضلت الحفاظ على ما تبقى متفادية خوض معارك دفاع جدية مع القوات المتقدمة.

وفي منتصف نيسان/أبريل أعلنت "تحرير الشام" عن تأسيس ثلاثة ألوية جديدة تضاف للجيوش والكتائب التابعة لها، وهي خطوة متعددة الأهداف، ومن بينها، استيعاب أعداد إضافية من المجندين الجدد، وتوزيع القوة على قيادات أكثر قرباً من قيادتها، والدفع بقيادات محلية يمكن إشراكها بسهولة في غرف عمليات مشتركة مع الفصائل. الاستعدادات والجاهزية القتالية المفترضة لدى الفصائل المعارضة و"تحرير الشام" تمنحها فرصة الدخول القوي في الأيام الأولى من المعركة القادمة مع النظام، أي قد تحتفظ لمدة قصيرة بتكافؤ القوة في أرض المعركة لكنها سرعان ما ستخسره لصالح النيران الروسية الهائلة التي سوف تستهدفها، جواً وبراً، إلا إذا تدخل الجيش التركي بشكل جدي إلى جانب الفصائل، وقلب موازين المعركة مرة أخرى، لا من خلال إشراك أسلحة نوعية فحسب كما جرى أواخر شباط/فبراير الماضي بعد أن تدخلت الطائرات التركية المسيرة، إنما بانخراط مباشر في المعارك والدعم غير المحدود للفصائل من ناحية النيران المدفعية والصاروخية بالإضافة إلى زيادة كميات الصواريخ المضادة للدروع ومن نوعي الاستخدام الليلي والنهاري.

مكاسب تركيا في ليبيا قد تدفعها إلى التمسك أكثر في إدلب، والدفاع عن المنطقة جنوبي الطريق إم4 في حال شنت قوات النظام والميليشيات الروسية والإيرانية هجوماً برياً مباغتاً، ولا يغيب الدور الأميركي عن مستقبل الميدان في إدلب وهو الأهم وقد يحدد شكل الدعم المقدم للمعارضة، ويدعم أيضاَ خيارات تركيا في منع تقدم قوات النظام وإفشال خططها بالسيطرة على ما تبقى من إدلب.