icon
التغطية الحية

إدلب اليد المؤلمة لتركيا فهل تضغط روسيا لتتنازل أنقرة في ليبيا؟

2020.06.01 | 20:01 دمشق

thumbs_b_c_61dbd399bafb80a102a023173e8cbe04.jpg
تعزيزات عسكرية تركية إلى قواتها في إدلب (الأناضول)
تلفزيون سوريا - سامر القطريب
+A
حجم الخط
-A

مرة جديدة يعود تعارض المصالح بين تركيا وروسيا في المنطقة ليصبح أكثر توترا، من إدلب في سوريا وحتى ليبيا، حيث تدعم تركيا حكومة الوفاق الوطنية مقابل دعم روسي لقوات خليفة حفتر، وفي حين تكثر الملفات المشتركة بين البلدين تتعدد كذلك أوراق الضغط بيد موسكو وأنقرة.

وعلى الرغم من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين يدعمان حالياً طرفين متحاربين في ليبيا، فإن سجل عملياتهما في سوريا يكشف كثيرا عن قدرتهما على التوصل إلى تفاهم في ليبيا.

إدلب.. تحركات عسكرية

تشهد إدلب تحركات عسكرية لقوات النظام والميليشيات الموالية لها، تزامنا مع تكثيف روسيا طلعاتها الجوية في سماء المنطقة، في حين تواصل تركيا تعزيز قواتها القتالية مع استمرار تسيير الدوريات المشتركة مع روسيا ضمن اتفاق هش لوقف إطلاق النار يخرقه النظام بشكل متواصل، ويرجح مراقبون أن تضغط روسيا على تركيا في إدلب، بسبب تراجعها على الأرض في ليبيا، حيث تقدمت قوات حكومة الوفاق على حساب قوات حفتر المدعومة من موسكو، ويلفت مراقبون إلى أن نجاح روسيا في ملف إدلب يعطيها القوة للعب دور أكبر في منطقة الشرق الأوسط.

ويقول خالد العزي دكتور العلاقات الدولية والسياسة الخارجية في حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا، إن روسيا نجحت في استمالة تركيا إلى مؤتمرات أستانا وسوتشي للتفرد في الحل وتوظيف نجاحها العسكري على الأرض لإنتاج حل سياسي يرضي النظام ويجعل روسيا لاعبا أساسيا، كما أن روسيا ترى أن نجاحها في سوريا سيترجم في مناطق أخرى من الشرق الأوسط وخاصة في ليبيا. و"بالتالي تكون روسيا استطاعت الالتفاف على المؤتمرات الدولية وأولها مؤتمر جنيف لذلك أدخلت العنصر التركي واستغلال الخلافات بين أنقرة وواشنطن، مستغلة مشاكل تركيا مع حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية".

ويشدد العزي على أن "الروس تعاملوا بطريقة استغلالية حيث أبعدوا الفصائل المعارضة إلى إدلب، وبالتالي اضطرت تركيا للدفاع عن إدلب ولكن ضمن الاتفاقات مع موسكو،  إدلب هي أمن قومي تركي فعلي لقربها من الحدود كما أنها تشكل القوة السنية ولايمكن أن تترك أنقرة هذه القوة  للروس ما يعني تحولها إلى خاصرة ضعيفة تخسر تركيا من خلالها للعب في الملف السوري ومن هنا جاء الاتفاق التركي الروسي في إدلب".

هل تشهد إدلب مواجهة تركية-روسية؟

يضيف العزي أن" الروس يعلمون جيدا أنهم لا يستطيعون القتال على الأرض ولا يريدون أن يتكبدوا خسائر بشرية لأنهم لا يتحملونها على هذا الخط الحدودي الكبير بين سوريا وتركيا، كما أنهم لا يستطيعون المواجهة مع الأتراك، الغضب التركي كان واضحا بعد مقتل جنودها وذلك عندما حوصرت عناصر ميليشيا حزب الله وتلقت ضربة عسكرية بإدلب، تركيا وجهت رسالة مباشرة إلى روسيا تقول أن أي تغيير في قواعد الاشتباك سيؤدي إلى مواجهة تركية روسية. الروس فهموا الرسالة لأن المواجهة العسكرية غير مجدية لهم، روسيا لديها 40 ألف عسكري في سوريا وعليها تغطية مناطق واسعة لذلك لم تشارك حتى دخلت تركيا للرد على مقتل جنودها، ووقعت الميليشيات الإيرانية وقوات النظام في الفخ".

روسيا تضغط في إدلب للحصول على تنازلات في ليبيا

في 27 من تشرين الثاني الماضي، وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مذكرتي تفاهم مع رئيس الحكومة الليبية فائز السراج، الأولى تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري، والثانية بتحديد مناطق الصلاحية البحرية، بهدف حماية حقوق البلدين المنبثقة عن القانون الدولي. وأعلنت تركيا مؤخرا عن استعدادها للتنقيب عن النفط والغاز شرق المتوسط في غضون ثلاثة أشهر.

يشير ذلك إلى أن الظروف اليوم اختلفت كليا في ليبيا خاصة على الصعيد العسكري، كما أصبحت المصالح الروسية مختلفة بشكل كامل، وبرأي العزي؛ يسعى بوتين للضغط على تركيا في ملف إدلب تحديدا لأن الضغط الروسي لا يمكن أن يكون في مناطق سيطرة "قسد" أو في ليبيا أو مناطق أخرى، بل في إدلب التي يعتبرها الروس قميص عثمان، وذلك نتيجة تعثر العلاقات الروسية التركية في ليبيا، وتتمثل مصالح روسيا في ليبيا بملفي النفط والغاز وفتح قواعد جديدة والمحافظة على علاقتها السابقة أيام نظام القذافي لذلك تحاول الضغط على تركيا لكي لا تتحرك بحرية في ليبيا.

ويوضح أن "اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب أصبح ميتا ولا بد من اتفاق جديد، و لكي تتنفس تركيا في إدلب يجب أن تقدم تنازلات في ليبيا".

ستواجه تركيا قريبا ضغوطا دولية بسبب الرغبة بإنهاء ملف "هيئة تحرير الشام" الذي تستغله روسيا بشكل جيد، بغية تقديم أرواق اعتماد جديدة إلى الغرب، ويتابع العزي "نحن اليوم أمام مسألة خطيرة وهي تطبيق قانون قيصر وهو وضع لـ لتغيير قواعد اللعبة والاشتباك في سوريا وتفكيك المنظمات الإرهابية ومن يدعمها وأولهم النظام الإيراني وروسيا، وهذا ما تخافه موسكو".

ما هي الأوراق بيد الروس والأتراك؟

برأي العزي فإن التصعيد التركي الروسي سيكون واضحا ومباشرا في إدلب، روسيا لن تقبل بأن تسلم أروراقها كاملة وهي غير مقبولة دوليا في ليبيا، الصراع سيكون مفتوحا على مصراعيه في إدلب لإنجاز اتفاق جديد يضمن مصالح تركيا وروسيا.

كما أن تركيا تملك أوراقا كثيرة على الصعيد الدولي  بعد أن أصبحت ورقة اللجوء ميتة في ظل كورونا والانهيار الاقتصادي، "الأتراك يملكون علاقات جيدة مع أوكرانيا وزودوها بطائرات بيرقدار المسيرّة، وهي قادرة على استهداف القوات الروسية وهذا أزعج موسكو، كما أن لتركيا علاقة مميزة وواسعة في آسيا الوسطى، من أذربيجان حتى كزاخستان صحيح أنها تحكم من قبل روسيا لكنها قوميات إسلامية تتكلم التركية وولاؤها لأنقرة وهو ملف خطير جدا في آسيا، دون نسيان العلاقة المتوترة بين أذربيجان وأرمينيا القريبة من روسيا".

ويتابع العزي قائلا "بشار الأسد لن يستطيع الصمود إذا أطلقت تركيا يد المعارضة وسلحتهم بطريقة جيدة تركيا تريد انتزاع اعتراف بأنها لاعب قوي في المنطقة، وهي ما تزال حليفا قويا لواشنطن رغم الخلافات بينهما، في المقابل أصبحت العلاقات الموتورة بين تركيا وروسيا أكبر من مشكلة إدلب، بوتين يضغط على أردوغان بكل قواه اقتصاديا من خلال ملف تصدير القمح لتركيا، التي ارتبطت بروسيا ببعض الصادرات في حين يحاول أردوغان استغلال الوقت ريثما تنحل الأزمة مع أميركا والدول الأخرى".

إدلب اليد المؤلمة

برأي الباحث والكاتب ماجد علوش فإن إدلب هي اليد المؤلمة لـ تركيا ويضيف أن روسيا تنظر إلى قضايا المنطقة بـ منظار استراتيجي وعالمي في الحين ذاته في إطار صراعها مع الغرب الأوروبي والأميركي لانتزاع الاعتراف بها كقطب مواز وبالتالي الدخول في المفاوضات والمساومات أمر وارد بل وطبيعي، وعلى هذا الأساس قبلت بالردع الأميركي عندما جربت حظها شرق الفرات شباط 2017 وصمتت عن الاعتراض العسكري الأميركي لها كلما حاولت تحقيق اختراق في المنطقة فيما بعد ولمرات عدة متبعة سياسة سبات الدب بانتظار لحظت مواتية ( تحقق شيء بسيط منها خلال عملية نبع السلام التركية أواخر العام الفائت وايضا في اطار اتفاقها مع أسد على استئجار مطار القامشلي مؤخرا ).

ويضيف قائلا "في حين تعرف روسيا أن إدلب هي اليد التركية المؤلمة لأسباب اقتصادية وأمنية وحتى أخلاقية لذلك نراها بين الحين والآخر تذكر تركيا بتلك اليد من خلال غض النظر عن خروقات عصابات الأسد في الشمال وحتى المشاركة في العمليات بذريعة عدم إيفاء تركيا بالتزاماتها في إطار اتفاق سوتشي بتفكيك التنظيمات الإرهابية في الشمال ( جبهة النصرة تحديدا ) وإذا كانت إدلب اليد المؤلمة لتركيا فإن ليبيا الضرورة لتحقيق وجود إقليمي فاعل. سواء من خلال المساعدة على الحفاظ على الحكومات الإقليمية الصديقة أو لأهمية اتفاقها مع حكومة الوفاق ( 27 تشرين الثاني 2019 ) على ترسيم الحدود البحرية الذي أضاف إلى المياه الاقتصادية التركية أكثر من مئة ألف ميل مربع واعدة بالنفط والغاز اللذان تحتاجهما تركيا بقوة لتجاوز الصعوبات الاقتصادية.  وهو الاتفاق الذي قد يحدد في لحظة ما سياسة أوروبا تجاه تركيا ولكن بانتظار الضوء الأخضر الأميركي الذي يرى أن الوقت لا زال مبكرا للتدخل الفاعل في ليبيا ".

ويشير "علوش" إلى أن التصعيد المتبادل في ليبيا ( نيسان العام الماضي ) جاء في محاولة لتحقيق وضع أفضل من خلال دعم خليفة حفتر وتشجيعه على رفض اتفاق وقف إطلاق النار في مباحثات موسكو ( بداية العام الحالي ) أو في مؤتمر برلين في وقت مقارب لاجتماع موسكو على خلفية التقدم العسكري التي حققه في حينها قبل أن تنقلب الموازين وتحقق قوات الوفاق انتصارات عسكرية كبيرة تهدد وجود قوات حفتر نفسه. ليبرز سؤال : لماذا لم تتخذ موسكو أية إجراءات عملية حيال تقدم قوات الوفاق تاركة الأمر للداعم الإقليمي الرئيسي لـ حفتر (الإمارات) وبقاء مصر هادئة إزاء الانقلاب الأخير في الوضع العسكري الليبي؟ هل هذا السكوت رسالة لتركيا الحائرة بين تاريخها الأطلسي ورغبتها المستجدة بالتحول إلى قوة إقليمية مستقلة ومقررة أو في الحد الأدنى فاعلية مضمونها ( الرسالة ) أن روسيا وحدها من يقرر القوة الحقيقة لحفتر والمواقف السياسية له أيضا ويمكن التفاهم معها بشأنه أم رسالة إلى الداعمين الإقليميين لـ حفتر للحصول على مكاسب في سوريا أو غيرها. كلا الرسالتين وارد لكن تسرب أنباء عن نشر طائرات روسية في قواعد ليبية مؤخرا يشي بأن لانهيار حفتر حدود من وجهة النظر الروسية.

ويستطرد "ستبقى روسيا تناور وتربط القضايا وتعيد تفكيكها إلى حين تحقيق السيطرة على المواقع المتنازع عليها أو التفاهم مع الغرب الذي لا يظهر اهتماما جديا بالقضايا المتفجرة في المنطقة، وعليه فهي ستبقى تفاوض تركيا سياسيا وميدانيا على السواء لإجبارها من خلال إبقاء الأوضاع في إدلب وليبيا معلقة ومتفجرة في آن وتجنب الحسم النهائي".