إدلب المستباحة وصمت الضامن!

2023.10.27 | 19:33 دمشق

آخر تحديث: 27.10.2023 | 19:33 دمشق

إدلب المستباحة وصمت الضامن!
+A
حجم الخط
-A

منذ أسابيع والشمال السوري يتعرض لهجمة عنيفة وغير مسبوقة، منذ أن هدأت المعارك وتحددت معالم خطوط السيطرة الحالية، هجمة استخدم فيها الروس والنظام والميليشيات الإيرانية مختلف أنواع الأسلحة؛ براً وجواً بما فيها القنابل العنقودية والفسفورية، هذه الهجمات أسفرت عن استشهداء نحو ٧٠ مدنياً أكثر من نصفهم كانوا أطفالاً ونساءً، وأدت إلى  نزوح قرابة مئة ألف مدني من مناطق كانوا قد نزحوا إليها سابقا بعد أن هجرتهم الميليشيات الإيرانية من مدنهم وقراهم، وإذا أخذنا ما حصل لأهل سراقب كمثال نجد أن استهداف مخيم أهل سراقب بهذه الطريقة الوحشية الهدف منه إفراغ المنطقة من سكانها وهذا ما دأبت روسيا وإيران على فعله في معظم المناطق التي احتلوها، أي إفراغ المنطقة من المدنيين عبر استهداف المراكز الحيوية من مشافٍ ومدارس وبنى تحتية لأجل جعل المنطقة غير قابلة للحياة مما يعني موجة نزوح جديدة.

فصائل المعارضة في محافظة إدلب وأرياف حلب واللاذقية وحماة لم تُبدِ حتى اللحظة جدية في التعامل مع هذه التهديدات الوجودية، جرى بعض الاستهدافات هنا وهناك لمواقع النظام والميليشيات الإيرانية لكنه بقي استهدافاً منضبطاً ولم يرقَ لحجم الهجمة الشرسة التي يشنها الروس والنظام ولا لحجم التهديد المحدق بالمنطقة.

تركيا لديها جيش وقواعد في شمالي سوريا ومسيراتها تحلق بكثافة وعلى مدار اليوم فوق تلك المناطق وهي قبل كل هذا ضامن رئيسي في اتفاق خفض التصعيد بينها وبين روسيا وإيران

ما يثير الاستغراب في ظل هذا الوضع الميداني المتصاعد في شمالي سوريا هو الصمت التركي المطبق، تركيا لديها جيش وقواعد في شمالي سوريا ومسيراتها تحلق بكثافة وعلى مدار اليوم فوق تلك المناطق وهي قبل كل هذا ضامن رئيسي في اتفاق خفض التصعيد بينها وبين روسيا وإيران. منذ أن بدأت الحملة قبل أربعة أسابيع ورغم وحشيتها لكن لم يخرج أيُّ تصريح تركي واحد ولا حتى بيان أو تغريدة يتحدث عن الأمر وكأن لا شيء يحدث، رافق هذا الصمت الرسمي صمت إعلامي مريب فالإعلام التركي لم يتحدث عن القصف ولا عن المجازر ولا عن النزوح والذي يفترض أنه أولوية لدى الساسة الأتراك والشارع التركي على حد سواء، فالذي يحدث ينسف الرواية التركية عن المناطق التي قالوا عنها إنها أصبحت آمنة وإن هناك خطة لعودة السوريين لها. ولأن موضوع وجود السوريين في تركيا يبدو أنه سيعود بقوة مع الانتخابات البلدية القادمة نهاية آذار المقبل لأن المعارضة العاجزة عن أن يكون لها مشروع واضح تخاطب به الناخب التركي لن تجد أمامها سوى الخطاب الشعبوي الموجه للأتراك والذي سيكون الوجود السوري عنواناً له؛ فالمعارِضة الشرسة ميرال أكشنار والتي تعتبر من أعمدة المعارَضة حاليا عادت لمهاجمة السوريين في أثناء حديثها عن غزة خلال كلمتها أمام كتلتها النيابية في البرلمان، وقالت إن على السوريين ممن هربوا من الحرب والقتال في بلدهم أن يذهبوا إلى غزة لقتال الإسرائيليين مع أهل فلسطين.

لا يعقل أن تلتزم فصائل المعارضة حرفياً ببنود اتفاق خفض التصعيد بطلب من الأتراك في وقت تستباح فيه المنطقة من قبل بقية شركاء أستانا، الضامن يكون ضامناً لكل شيء وليس فقط ضامناً لضبط المعارضة!

مل السوريون من تكرار هذه الافتراءات فلو أرادت أكشنار أن تقول الحقيقة لن تحتاج للكثير من البحث والاستقصاء لأنها تعلم جيدا هي وبقية المحرضين على السوريين أن هناك آلاف المقاتلين ممن يقاتلون النظام منذ أكثر من عشر سنوات وحتى الآن، وأن هناك معارك خاضها الجيش التركي مع المقاتلين السوريين في أكثر من معركة كبرى في سوريا. لكن توضيح هذا الأمر هو مسؤولية الحكومة التركية أيضاً، فحين يخرج معارض/ة ما ليقول إن كل من يحمل علم الثورة هو إرهابي، وإن هذا العلم رمز للميليشيات الإرهابية يجب على الحكومة محاسبته فورا، لأن حملة هذا العلم يقاتلون جنبا إلى جنب مع الجيش التركي، لكن تراخي الحكومة التركية مع كل هذا الخطاب التحريضي المليء بالافتراءات هو من أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه. وبعيداً عن أسباب هذا الصمت الرسمي التركي هناك واجب على المعارضة أن تقوم به سواء كانت السياسية أم العسكرية، على الائتلاف والذي انتخب مؤخراً هيئة رئاسية جديدة ستستمر في عملها لعامين قادمين أن يضغط على الجانب التركي لأجل أن يقوم بدوره كضامن للمنطقة، وأن يطلب من الروس والإيرانيين شركائه في أستانا وقْفَ هذه المذبحة المفتوحة، وعلى الفصائل المتعددة والمنتشرة من أرياف اللاذقية وحماة وصولا إلى جرابلس مرورا بأرياف إدلب وحلب أن تقوم بدورها أيضا وأن تظهر للجانب التركي أن هذا القصف لا يمكن أن يبقى من دون رد عسكري حقيقي، لا يعقل أن تلتزم فصائل المعارضة حرفياً ببنود اتفاق خفض التصعيد بطلب من الأتراك في وقت تستباح فيه المنطقة من قبل بقية شركاء أستانا، الضامن يكون ضامناً لكل شيء وليس فقط ضامناً لضبط المعارضة!

كل ما يحدث ميدانيا وسياسيا ينبئنا بأن هناك مواجهات ومعارك قادمة وأن لا أفق لحدوث أي خرق في العملية السياسية بعد اعتذار عُمان عن استضافة مباحثات اللجنة الدستورية وبعد إصرار المعارضة على أن تكون الجولات في جنيف، وهذا يعني أن لا جولات قادمة في المدى المنظور. وبعد العدوان الإسرائيلي على غزة وضجيج ترسانات الأسلحة في المنطقة الذي يقول إن ما يحدث في غزة لن يبقى في غزة يجب على قوى المعارضة بكل أطيافها وكياناتها السياسية والعسكرية والمجتمعية أن تطالب وتضغط على الجانب التركي والذي هو حليف لها أن يتدخل بكل ثقله لوقف استباحة الشمال، ووقف هذه المذبحة بحق الأطفال والنساء ولا يجب القبول بهذا الصمت الرسمي والإعلامي التركي كأن الأرواح التي تزهق لا قيمة لها، والبيوت التي تهدم لا أهل لها وكأن ما يحدث في شمالي سوريا لا يحدث!