إحاطة في سياقات وعقبات الاتفاق السعودي الإيراني

2023.03.18 | 06:05 دمشق

إحاطة في سياقات وعقبات الاتفاق السعودي الإيراني
+A
حجم الخط
-A

توصلت المملكة العربية السعودية وإيران إلى عقد اتفاق لعودة استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وعلى أن يتم إعادة فتح سفارات الدولتين خلال مدة شهرين كحد أقصى لتجهيز اللوجستيات واعتماد السفراء والموظفين الدبلوماسيين، وليس كما يشاع على أنها فترة تقييم لنوايا الدولتين. وجاء الاتفاق بين الدولتين بعد عامين من المفاوضات شملت خمسة مراحل قادتها العراق في عهد الرئيس السابق الكاظمي، كما شاركت سلطنة عمان في عملية الوساطة بين البلدين بشكل متواصل، حتى دخلت الصين كضامن للاتفاق بين البلدين. والاتفاق الموقع بين السعودية وإيران ليس بالجديد بل هو إعادة العمل باتفاقيات وقعتها الدولتين: الاتفاقية الأولى اقتصادية تم توقيعها عام 1998، والثانية أمنية وقعت عام 2001.

وما إن تم توقيع الاتفاق بين الدولتين حتى بدأت تعلو الأصوات بين داعم للاتفاق وأنه سيجلب السلم والأمن للمنطقة، وبين أصوات أكدت على عدم جدية إيران وتاريخها في التملص من الاتفاقيات الدولية. وانطلاقا من حالة التخبط في التحليلات حول جدية وأهمية الاتفاق بين الدولتين سنناقش بشكل عميق بعض الشيء الصعوبات التي قد تواجه تطور العلاقات السعودية الإيرانية في المستقبل على أساس الاتفاق الموقع مع الضامن الصيني.

معوقات تطور العلاقة بين الدولتين على أساس الاتفاق

بحسب نص الاتفاقية الموقعة بين السعودية وإيران تم الاتفاق والنقاش حول قضاياً أمنية تلزم الدولتين في عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، إضافة لقضايا تخص العلاقات الاقتصادية، فيما لم يتم النقاش في قضايا مصيرية شكلت النواة الأساسية للعداء بين الدولتين، ويمكن مناقشتها على الشكل الآتي:

يدير الحرس الثوري فيلق القدس، وهو المخول في إدارة البعثات والعمليات الخارجية وتقديم الاستشارات والتمويل والتوجيه والتدريب والأسلحة لأذرع إيران في المنطقة

التحدي الأول، سياسة الحرس الثوري الإيراني في المنطقة: فقد تم تشكيل فيلق الحرس الثوري في مايو 1979، مع بداية إعادة تأسيس الدولة الإيرانية، ويتبع مباشرة إلى الخميني في الوقت الحالي، ولا يخضع للرئيس المنتخب. وتحول الحرس بعد الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) إلى قوة قتالية تقليدية لها قواتها البرية والجوية والبحرية والقوات الخاصة وأجهزة مخابرات منفصلة تماماً عن مؤسسات الدولة الرسمية، بالإضافة إلى سيطرته على الصواريخ الاستراتيجية والقوات الصاروخية الإيرانية. ويملك الحرس الثوري سلطة كبيرة على مؤسسات الأمن الداخلي والمؤسسات السياسية والاقتصادية للمجتمع الإيراني رغم عدم قانونية ذلك، وكذلك السياسة الخارجية لإيران. ويدير الحرس الثوري فيلق القدس، وهو المخول في إدارة البعثات والعمليات الخارجية وتقديم الاستشارات والتمويل والتوجيه والتدريب والأسلحة لأذرع إيران في المنطقة مثل العراق وسوريا واليمن. وقد مارس الحرس الثوري منذ تأسيسه سياسة تؤدي إلى عدم الاستقرار منطقة الشرق الأوسط وخاصة في دول الخليج العربي، وعدم الاتفاق بين الدولتين على سياسة الحرس الثوري ضمن الاتفاق قد تشكل ثغرة. ويصنف غالبية أفراد الحرس بالمتشددين حيث إنهم يمارسون السياسة الحالية التي تتبعها إيران في المنطقة من نشر التشيع، وتصدير الثورة، ومد النفوذ. وقد يكون للحرس دور كبير في عودة التوتر في العلاقات بين الدولتين في المستقبل من خلال القيام بعمليات استخباراتية ضد مصالح السعودية أو الدول الأخرى في مياه الخليج العربي، كضرب ناقلات النفط عبر طائرات مسيرة.

التحدي الثاني، البرنامج النووي الإيراني: بدأت إيران في صناعة الطاقة النووية في خمسينيات القرن الماضي للاستخدام السلمي وبمساندة الولايات المتحدة الأميركية، وبعد الثورة الإسلامية عام 1979 أصبح هدف البرنامج امتلاك السلاح النووي، وهو هدف إيران لامتلاك عناصر القوة الشاملة. ووصول طهران للسلاح النووي سيحقق لها في المستقبل الهيمنة والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط، ووسط آسيا، ويعطيها تفوقاً على حساب توازن القوى الإقليمية وخاصة على دول الخليج العربي. وقد وصلت إيران إلى معدلات عالية من نسبة تخصيب اليورانيوم، بنسبة أعلى من التي كانت عليها وقت توقيع الاتفاق عام 2015، ففي تقرير لمنظمة الطاقة النووية الأخير ذُكر فيه أن إيران ضاعفت إنتاج اليورانيوم المخصب أكثر بـ 18 مرة من النسبة المخصبة في عام 2015، ومن المحتمل أنها تجاوزت نسبة التخصيب لـ 80 في المئة، بمعنى أصبحت إيران قريبة جدا من امتلاك السلاح النووي، والذي يشكل عقبة كبيرة في إخلال أمن السعودية ودول الخليج الأخرى، وأي اتفاق مجد بين الدولتين من الناحية الأمنية لابد أن يضمن الاتفاق النقاش حول السلاح النووي.

التحدي الثالث، امتلاك إيران ترسانة الصواريخ الباليستية متوسطة وبعيدة المدى، استطاعت إيران صناعة أسلحة بالستية طويلة المدى، بمساندة خبراء من كوريا الشمالية وروسيا، وتتمكن هذه الصواريخ من الوصول إلى نقاط بعيدة قد تصل إلى 2500 كم، وبحسب العديد من التقارير تمتلك إيران آلاف الصواريخ. وتشكل هذه الصواريخ -والتي تصنف كهجومية- تهديدا ليس لدولة السعودية فحسب بل لكل دول المنطقة. ولضمان السعودية أمنها لابد من التفاوض حول هذا النوع من الصواريخ من حيث إبعاده عن المناطق القريبة من مياه الخليج العربي وما شابه.

التحدي الرابع، سيطرة الجناح المتشدد على السلطة في إيران: يوجد في إيران جناحان، إصلاحي يحاول تحقيق سلام نسبي مع دول المنطقة لتحقيق المنفعة المتبادلة ولكن بدون التنازل عن ملفات قومية مثل الملف النووي، ويمثل هذه الجناح الرئيس الإيراني السابق رفسنجاني الذي وقع الاتفاقية الأممية والاقتصادية مع السعودية في عامي 1998 - 2001، والجناح الآخر متشدد يمثله الخميني وأتباعه والحرس الثوري والذين يسيطرون على كل أجهزة الدولة، وهم أصحاب استراتيجية التوسع في السيطرة على عدد من الدول العربية في سوريا ولبنان والعراق واليمن، نقض الاتفاق متوقف على مواقف هذين الجناحين وسياساتهم المستقبلية في المنطقة.

الصين لا تبحث إلا عن منفعتها الاقتصادية وهي غير مستعدة للتخلي عن تبادلها التجاري مع إيران في سبيل عدم توافقها مع السعودية

التحدي الخامس، الضامن الصيني: في الحقيقة لا يوجد دافع قوي يجبر الصين على إلزام السعودية وإيران على العمل بالاتفاقية الموقعة بينهما، فالصين لا تمتلك قوة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، وكل ما تمتلكه  عبارة عن علاقات اقتصادية قوية مع الدولتين، وإذا ما وضعنا سيناريو إخلال إيران بالاتفاق مع السعودية ماذا سيكون الرد الصيني؟ هل ستقطع الأخيرة علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع إيران؟ الجواب لا، فهذا أمر مستبعد لأن الصين لا تبحث إلا عن منفعتها الاقتصادية وهي غير مستعدة للتخلي عن تبادلها التجاري مع إيران في سبيل عدم توافقها مع السعودية. 

وبعد الخوض في كل هذه التحديات نخرج بنتيجتين رئيسيتين: الأولى، هذا الاتفاق لن يؤخذ بجدية وسيبقى محدودا على العلاقات الدبلوماسية وبعض التبادلات التجارية بمعنى العودة للعلاقات إلى ما قبل عام 2016، أي قبل إغلاق سفارات البلدين. الثانية، هذا الاتفاق قد يكون مرحلي لتبريد الجبهات وتهدئة المنطقة في مرحلة يشهد فيها العالم حراكاً كبيراً، ولا أستبعد أن يكون هناك شراكة وتعاون أميركي مع المملكة العربية السعودية لاحتواء إيران خلال الفترة الحالية، لأن طهران وأذرعها في اليمن وسوريا واليمن والعراق تشكل أدوات في نشر عدم الاستقرار في المنطقة، وتحقيق تهدئة معينة في المنطقة يكسب السعودية الوقت لتحقيق التنمية الشاملة المتمثلة برؤية 2030 التي طرحها ويقودها  "ولي العهد السعودي محمد بن سلمان" والتي تستهدف النهوض بالدولة لتوطين كل القطاعات الصناعية والعسكرية، والتكنولوجية، وتحقيق تنويع في اقتصاد البلاد مما يعطي الرياض دوراً مستقبلياً أكبر في قيادة المنطقة، فيما تحقق أميركا من تبريد الملف الإيراني الالتفات بشكل أكبر لمواجهة الروس في أوكرانيا.