icon
التغطية الحية

إجهاض للطموح وتخبط إداري في سوريا: انسحابات جماعية لطلاب البكالوريا من الفيزياء

2024.05.30 | 07:36 دمشق

من امتحانات شهادة الثانوية العامة في العاصمة دمشق - 12 حزيران 2023 (صحيفة تشرين)
إجهاض للطموح وتخبط إداري في سوريا: انسحابات جماعية لطلاب البكالوريا من الفيزياء
دمشق ـ خاص
+A
حجم الخط
-A

اكفهرت وجوه الطلاب بعد خروجهم من مادة الفيزياء، وهي المادة الأولى في امتحانات الثانوية العامة – الفرع العلمي، لهذا العام (2023 – 2024).

ولا يبدو أن وجوه الأهالي الواقفين أمام أبواب المراكز الامتحانية أو الذين ينتظرون أبناءهم في بيوتهم "على أحرّ من الجمر"، تختلف عن وجوه الأبناء العائدين؛ إذ بدت عليها علامات الإحباط والسخط من أسئلة "تعجيزية" بحسب وصفهم قررت وزارة تربية النظام مفاجأتهم بها.

الطلاب ينسحبون من الامتحان بالجُملة

لم تكن أسئلة امتحان الفيزياء الذي تقدم إليه الطلاب الأحد الفائت ضمن توقعات الطلاب أو وعود الوزارة بالتساهل مع الطلاب، بل شكّلت صدمة حقيقية للقسم الأعظم منهم.

وتمحورت شكاوي الطلاب حول تغيير صيغة الأسئلة المعهودة، فسؤال التحريض الكهرطيسي الذي اعتادوا أن عليه أن يكون استنتاجاً نظرياً كما هو الحال في نماذج السنوات الماضية، جاء هذه المرة بصيغة مسألة لم يألفها معظم الطلاب.

إلى جانب تغيير عدد الطلبات في المسألة الواحدة؛ إذ كان من المعتاد أن تتضمن مسألة الكهرباء (المحوّلة- 90 علامة) خمسة طلبات وفق النماذج السابقة، إلا أنّ الطلاب تفاجؤوا بوجود سبعة طلبات ضمن المسألة تحتاج إلى وقت وتفكير إضافي لحلّها، وهو ما جعل الطلاب مُحبطين داخل قاعات الامتحان.

لكن ما لم يكن في حسبان الطلاب ولا توقعات الأساتذة هو جعل مسألة الإلكترونيات سؤالاً إجبارياً لا اختيارياً كما كان في السنوات السابقة. وهي من المسائل التي لا يشرحها الأساتذة لطلابهم سواء في المدارس الحكومية أو في المدارس الخاصة أو حتى في جلسات الدروس الخصوصية، لكونها من ضمن الوحدات الأخيرة في الكتاب التي لا تُعطى أو يمرّ عليها مرور الكرام بسبب ضيق الوقت وكثافة المنهج.

يتحدث الطالب (صالح. ق) لموقع "تلفزيون سوريا"، والذي درس في ثانوية "الأندلس" الخاصة بدمشق، ويقوم حالياً بتقديم امتحاناته في مدرسة (حسن الخراط) بمنطقة ساروجة، عن انسحاب ثلاثة طلاب من قاعته وحدها من امتحان مادة الفيزياء، ما يعني رسوبهم فيها.

ويؤكد الطالب (علاء.م) الذي جاء مركزه الامتحاني في مدرسة (عبد الرحمن السفرجلاني) أن عدداً كبيراً من أصدقائه ومعارفه في المركز نفسه وفي مراكز أخرى اضطروا إلى الانسحاب من المادة لعدم قدرتهم على متابعة الحل ولا سيما بعد تعرض عدد كبير منهم لما يشبه حالة الهلع ما إن قرأوا ورقة الامتحان!

يقول (علاء) في شهادته لموقع "تلفزيون سوريا": "انسحب سبعة طلاب من أصدقائي بعضهم في المركز معي وبعضهم الآخر في مراكز مختلفة، صدمونا بالأسئلة وحتى الأهل انزعجوا من هي المفاجأة! وعدد كبير من الطلاب أجّلوا المادة إلى التكميلي لكونهم أصلاً رسبوا فيها. لكن ذلك سيجعلهم يخسرون فرصة تحسين مواد ثانية، فالراسب في إحدى المواد لا يُسمح له إلا بإعادة هذه المادة الراسبة في التكميلي!".

قرارات مفاجئة ومُحيّرة

كانت وزارة التربية في حكومة النظام السوري قد أوعزت منذ بداية العام الدراسي الحالي للمدارس والطلاب بإلغاء الدورة التكميلية والبدء بنظام الأسئلة المؤتمتة لجميع المواد، ثم لجميع المواد عدا اللغات (العربي- الفرنسي- الإنكليزي) التي تؤتمت جزئياً.

وبناءً على القرار الذي انتشر لاحقاً رسمياً بعد تصريحات "وزير التربية" محمد عامر مارديني، والذي قرر فيه أتمتة جميع المواد عدا اللغة العربية، بدأ الأساتذة بإعطاء المناهج وفق النمط المؤتمت وصياغة الأسئلة الامتحانية لجميع المواد، أيضاً وفق ذلك.

وبين الشائعات حول ما هي المواد التي ستؤتمت وما هي المواد التي ستبقى على النظام القديم (التقليدي)، عاش الطلاب على أعصابهم حتى نهاية الشهر الأول أي مع بداية الفصل الدراسي الثاني، عندما أعلنت تربية النظام بتاريخ 28 من كانون الثاني 2024، تراجعها عن أتمتة المواد واعتماد النمط التقليدي في هذا العام.

(حسان. ع) وهو طالب بكالوريا علمي في مدرسة سامي دروبي، تقدم إلى امتحانات الفصل الأول في مدرسته، التي جاءت بنظام الأسئلة المؤتمتة لجميع المواد، وقد وضعت "وزارة التربية" نموذج أسئلة الرياضيات لجميع المدارس آنذاك –بحسب قوله-  بينما قام الأساتذة بأتمتة بقية المواد التي لم تفرض فيها الوزارة نموذجاً موحداً لجميع المدارس.

يشرح (حسّان) لموقع تلفزيون سوريا، أنهم تعلّموا طريقة جديدة لدراسة المنهاج وفق النمط الجديد "المؤتمت"؛ إذ ابتكروا طريقة لمعرفة حتى الإجابات المربكة أو التي قد يعجزون عنها؛ وذلك وفق آلية "الاستنتاج" من صيغة السؤال، وآلية "الاستبعاد" للأجوبة غير الصحيحة.

وبعد أن بدأ الفصل الدراسي الثاني وصدرت نتائج امتحانات الفصل الأول، تفاجأ الطلاب بإلغاء قرار الأتمتة بشكل مفاجئ، دون الأخذ بالاعتبار أن المجال التعليمي لا يحتمل الاعتباطية في القرارات التنفيذية، ولا يتحمّل المزاج الشخصي للقائمين عليه وتجاربهم الفاشلة.

يقول (حسان): "طريقة الدراسة تختلف كلياً عندما تكون الأسئلة مؤتمتة؛ لأننا نعتمد على الفهم والإحاطة بالأفكار بالدرجة الأولى دون التركيز على الحفظ الحَرفي للكلام المكتوب وبَصم المعلومات وتكرارها عشرات المرات، وقد وصلنا لنهاية الفصل الثاني ونحن الآن نشعر بأننا لم ندرس طوال العام!".

لا فرصة ثانية!

تهيأ الطلاب منذ بداية عامهم الدراسي، لعدم وجود دورة تكميلية لهذا العام بالترافق مع قرار أتمتة المواد.

ولا يعد إلغاء الدورة التكميلية خبراً خفيف الوقع على الطلاب؛ إذ يعني ذلك عدم وجود "فرصة ثانية" للنجاح أو زيادة معدلهم الأخير لتحصيل فرع جامعي أفضل.

وقد واسى طلاب البكلوريا بفرعيها العلمي والأدبي أنفسهم بكون الأسئلة أصبحت مؤتمتة وبالتالي طريقة الدراسة ستكون أقل إجهاداً لعدم حاجتهم إلى حفظ المناهج حرفياً.

 إلا أنَّ غياب القدرة على تصحيح المسار في العام نفسه فاقم من توتر الطلاب ولا سيما أولئك الذين لا يستطيعون الحصول على دروس خصوصية وجلسات امتحانية، بسبب الوضع المادي المتردي لعائلاتهم.

خلال السنوات الماضية، أعطت الدورة التكميلية أملاً للطلاب؛ فإذا تقدم الطالب لامتحان مادة وشعر بأن علامته لن تكون جيدة، فسيكمل بقية امتحاناته مواسياً نفسه ومُصبِّراً لها بأنه "سيعيدها في التكميلي".

يتابع (حسان) حديثه لموقع "تلفزيون سوريا": "جميع الطلاب شعروا بالخطر بعد قرار إلغاء التكميلي في بداية العام، وبدأنا نضع احتمالية الاضطرار إلى إعادة العام بأكمله إذا كانت علاماتنا متدنية، ما يعني أننا سنخسر سنة كاملة من حياتنا!".

وسيكون إلغاء الدورة التكميلية، سبباً مباشراً لإجبار بعض الطلاب على القبول بأي فرع جامعي حتى وإن كان لا يحقق رغبتهم، ذلك حتى لا يضطروا إلى إعادة البكالوريا في السنة التالية وخسارة عام إضافي.

وبالمقارنة مع الدراسة الجامعية، فإن الطالب الجامعي يعيد فقط المواد التي رسب فيها في الفصل التالي، أما عند إلغاء الدورة التكميلية لطلاب البكلوريا، فإن الرسوب يعني الاضطرار إلى إعادة السنة كاملةً أو انخفاض المعدل بسبب علامة المادة التي رسب بها وبالتالي انخفاض سقف توقعاته بالحصول على فرع جيد.

وكان رئيس النظام السوري قد أصدر المرسوم رقم 1 للعام 2024 القاضي بتغيير شروط النجاح في امتحانات الشهادة الثانوية، والذي يعد نافذاً منذ بداية العام القادم بالتزامن مع تطبيق قرار الأتمتة، وينص المرسوم على الآتي:

يعد الطالب المتقدم لامتحان الشهادة الثانوية العامة بفروعها ناجحاً إذا توفر أحد الشروط:

  •  أن يكون ناجحاً في جميع المواد، أي حصول الطالب على درجة النهاية الصغرى في كل مادة.
  • أن يكون ناجحاً في مادة اللغة العربية وفي بقية المواد، ماعدا مادة واحدة منها فقط.
  • أن يكون ناجحاً في مادة اللغة العربية وفي بقية المواد، ماعدا مادتين منها بشرط حصوله في مجموع درجتيهما على معدل (25%) على الأقل من مجموع نهايتيهما العظميين.

إلى جانب منع إعادة تصحيح الأوراق في حال صدور النتائج –وفق المادة رقم 4- ما يعني أن أخطاء التصحيح إن وجدت سيتحملها الطالب ظلماً، دون وجود فرصة لمراجعة هذه الأخطاء التي ارتكبها المصحح.

إجهاض الطموحات

لم تأخذ وزارة تربية النظام في حسبانها الظروف القاسية لمعظم الطلاب السوريين، وتَعامَت عن معاناتهم وتحوّل التحصيل الدراسي لفئة كبيرة منهم إلى رفاهية لا يقوى عليها الطالب ولا الأهل؛ ولا سيما مع اضطرار فئة كبيرة من الطلاب إلى الالتحاق بالعمل إلى جانب الدراسة لسدّ مصروفهم الشخصي أو تأمين لقمة العيش، فقد تحول عدد كبير منهم خلال سنوات الحرب إلى "مُعيل" يحمل على عاتقه مسؤولية عائلة كاملة رغم صغر سنه.

ولم تتوفر لبعض الطلاب أدنى احتياجاتهم الدراسية، كالحصول على تعليم جيد في مدارس تحترم طلابها، أو وجود الوقت الكافي للدراسة أو الغذاء اللازم للذاكرة والتركيز، ولا سيما مع الغلاء المعيشي وسوء التغذية في مناطق النظام، فضلاً عن الأرقام الخيالية لأقساط المدارس الخاصة أو الجلسات الخصوصية.

بشيء من الغصّة والكثير من القهر، تتحدث (روان.م) التي كانت تعمل في صالون للحلاقة في منطقة المزة شيخ سعد خلال العام الدراسي، عن تجربتها المريرة للسنة الثانية بالتقدم إلى امتحانات البكالوريا العلمي.

تقول (روان.م) لموقع تلفزيون سوريا: "كنت أعمل في صالون للحلاقة من الساعة الخامسة وحتى الساعة الحادية عشرة ليلاً، حتى أستطيع تأمين قسط المعهد الدراسي الذي أدرس فيه البكالوريا الحُرة خلال الفترة الصباحية. وهذه السنة الثانية التي أتقدم فيها إلى الامتحانات، لكنني لم أوفَّق السنة الماضية، وهذه السنة انسحبت من مادة الفيزياء وأُعتبر بذلك راسبة فيها، لا يستطيع أهلي تحمل تكاليف دراستي.. وأنا بدأت أفقد الأمل بأن أنجح وأدخل فرع الكيمياء الذي أحبُّه رغم إصراري على النجاح، أحاول الاستمرار في التقدم إلى الامتحانات رغم الانكسار والإحباط لذي سببته المادة الأولى. المهم ما يضرّونا بمادة ثانية!".

يُشار إلى أن منظمة (اليونيسيف) نشرت تقريراً بمناسبة اليوم العالمي للطفل في الشهر الأول من العام الجاري، أوضحت فيه أن نسبة المتسربين من المدارس في عموم مناطق سوريا وصلت إلى 2.4 مليون، وهو ما يمثل نصف عدد الذين في سن الدراسة والبالغ عددهم 5.5 ملايين.