icon
التغطية الحية

أين كان بشار الأسد لحظة اغتيال رفيق الحريري؟

2021.02.17 | 04:46 دمشق

rafik-hariri-explosion1.jpg
برلين - سامي جمعة
+A
حجم الخط
-A

صادف يوم الأحد 14 شباط، الذكرى الـ16 لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005، عبر تفجير استهدف موكبه وسط العاصمة بيروت.

واغتيل الحريري، في انفجار نجم عن تفجير 1800 كلغ من مادة "تي إن تي"، مع 21 شخصا آخر، بينهم وزير الاقتصاد باسل فليحان، الذي كان برفقة الحريري في سيارته.

ولا تزال حادثة اغتيال الحريري تشغل حيزا واسعا في المشهد الداخلي اللبناني والعربي، وخلق اغتيال الحريري، أزمة سياسية في لبنان بين مختلف الأحزاب، لاسيما أن الحادثة وقعت في فترة كانت سوريا، حليف "حزب الله"، تمارس فيها الوصاية على لبنان.

وبعد قرابة شهرين من الاغتيال، أُجبرت القوات السورية على الانسحاب من لبنان بعد نحو 30 عاماً من الانتشار على كامل أراضيه.
عقب وقوع التفجير اتجهت أنظار العالم إلى شارع ميناء الحصن في منطقة "فندق سان جورج"، قبالة الواجهة البحرية في بيروت، حيث مسرح الجريمة، لكن أحداً لم ينتبه أو يلتفت إلى ماذا كان يفعل رأس النظام السوري آنذلك، ولا سيما أن كل أصابع الاتهام اتجهت إليه لأن خلافات النظام مع رفيق الحريري طفت على السطح ولم تكن خفية عن مسؤولي البلدين.
في كتابه "مذكرات صحفي استقصائي" الصادر عام 2019، تناول فيه الصحفي الدولي المخضرم سيمور هيرش، الحاصل على جوائز بولِتزر، علاقة رفيق الحريري مع نظام الأسد، ولعل توقيت المقابلة التي رتبها النظام السوري للصحفي هيرش للقاء الأسد في دمشق كان مقصودا وغائياًّ، الساعة 11 من صباح يوم 14 شباط 2005، أي قبل ساعتين فقط من وقوع التفجير.
يقول هيرش في كتابه "برز إلى السطح مباشرة موضوع خلاف الأسد مع رفيق الحريري، كانت سوريا حينها تلعب دورا مسيطرا على لبنان وتقود جوانب من الناحية السياسية والعسكرية، كان الحريري، شأنه كشأن بقية السياسيين في حينه، يستجيب لطلبات سوريا، لكن الشائعات تسري في دمشق حول المقابلة. بدأت حديثي موجها الكلام له، وكان يبدو مرتاحا وواثقا من نفسه. سألته عن موضوع الخلاف مع الحريري فرد الأسد أن الأمر يتعلق بالأموال والأرباح. كانت سوريا ماضية في بدء استخدام خدمات الهاتف المحمول، وهو مشروع سيدر أرباحا عالية وأن الجميع يريد حصة من ذلك المشروع، بما فيهم أفراد عائلته".
ويضيف هيرش، على لسان الأسد: "كان اقتراح الحريري أنانيا للغاية، لأنه أصر أن تكون حصته من الأرباح 70% الحقيقة أن البعض من أقاربه كانوا يطالبون بنسبة أعلى، حسب قول الأسد، تمكنوا أخيرا من الاتفاق على صيغة مرضية، ورجع الحريري إلى بيروت. من الطبيعي القول إن الفساد كان ضاربا أطنابه في المنطقة. ثم تحول حديثنا إلى القضايا الجيوسياسية المهمة في ذلك الوقت".
"بعد مرور ساعة أو بعضها" يضيف هيرش: "ونحن منغمسان في الحديث، فتح أحد مساعدي الأسد باب المكتب، فأومأ الرئيس له بإصبعه، فأغلق الباب دون أن ينبس بكلمة. وبعد لحظات فتح ضابط كبير باب المكتب ثانية، فقال الأسد إنه سيكون معه بعد وقت قليل. تحدثنا لنصف ساعة أخرى، وكانت لغة طليقة، حين غادرت المكتب، وجدت عددا كبيرا من الضباط الكبار والمسؤولين واقفين بانتظار انتهاء المقابلة. علمت بعد ساعة، أنه خلال حديثي مع الرئيس، تعرض الحريري لمحاولة اغتيال بتفجير قرب مبنى البرلمان اللبناني تسبب في مقتله، ومقتل 21 شخصا آخر، وبطبيعة الحال حامت الشكوك مباشرة حول الأسد، بسبب خصومته العلنية مع الحريري".

نيويوركر تمتنع عن نشر المعلومات

ربما لو علمت أي وسلة إعلامية بخبر مقابلة هيرش مع الأسد وتوقيتها المريب لتهافت عليه العروض الخيالية لشراء هذه المقابلة ونشرها ولا سيما أنها تحمل معلومات عن حدث تصدر وسائل الإعلام لأشهر طويلة تلته.
لكن المعلومة الأغرب أن المجلة التي أجريت المقابلة لصالحها "نيويوركر" الأميركية امتنعت عن نشر المقابلة دون ذكر الأسباب وربما ذكرتها ولم ينشرها هيرش نفسه. على المقلب الآخر ينظر إلى امتناع المجلة حجب المقابلة عدم التأثير على مجريات التحقيق، لكن هذا مبرر غير كاف ولا سيما أن "الملاحظة" كأداة من أدوات الصحافة الاستقصائية تعتمد على قيام الصحفي بالانتباه والتدقيق تجاه ظاهرة أو حادثة معينة، والهدف التقصي والتحري وسبر الأغوار، ومنْ ثمَّ التوصل للعلاقات بين المعطيات، وتحديد نتائج، وصحفي مخضرم كهيرش أمضى نحو 50 عاماً في المهنة تعتبر الملاحظة من أدوات تدعيم التوثيق المقترن بالحديث المسجل (صوتي أو فيديو)، وربما يكون لغز امتناع المجلة عن النشر لا يقل غموضا عن لغز التفجير نفسه.
وحول عدم نشر تلك المعلومات بوقتها، لتبقى طي الكتمان حتى نشر الكتاب يقول هيرش: "بسبب بعض الضغوط من نيو يوركر قررت ألا أنشر شيئا عن لقائنا. ما كان ذلك بالأمر السهل، ولدهشتي أن ذلك لم يوقفني من إجراء مقابلات أخرى مع الرئيس، لم يفتح موضوع اغتيال الحريري إطلاقا، وما زال ذلك الاغتيال لغزا لم يتوصل أحد إلى حلّه".
ولعل أهمية شهادة صحفي صاحب باع طويل في مجال التحقيقات والتقصي، تأتي من قدرته على رصد أبسط الملاحظات ورود الأفعال التي تقع في المكان المقصود بالبحث، خلال مسيرته المهنية فضح هيرش السياسات والأكاذيب التي اقترفتها الحكومات المتعاقبة في بلاده، فبدأ من حرب فيتنام ومذبحة ماي لاي وجرائم الإطاحة بالحكومات الشرعية في أميركا الوسطى ودور الرئيس كيسينجر فيها، كما غطى حرب أفغانستان، وفضح القصص الواهية والمبررات لغزو العراق واحتلاله، وكشف عن جرائم العسكر الأميركيين التي تتعلق بالاغتيالات والتعذيب الوحشي في سجن أبوغريب، ونشر كتاباً عن قتل بن لادن.

وبالعودة إلى رفيق الحريري الذي بدأ ظهوره على ساحة الأحداث عام 1982 من النافذة الاقتصادية، حيث يتذكره جلّ اللبنانيين "كفاعل خير"، ويقال إنه وضع إمكاناته تحت تصرف الدولة، وساهم في إزالة الآثار الناجمة عن الاجتياح الإسرائيلي للبنان خلال العام نفسه، وعام 1989، أسهم رفيق الحريري، في عقد مؤتمر الطائف بالسعودية، الذي وضع حدا للحرب الأهلية اللبنانية.

ترأس رفيق الحريري حكومات لبنان لخمس دورات خلال فترتين 1992-1998، ثم 2000-2004، مقدما استقالته بتاريخ 20 تشرين أول 2004.

وهذا العام تمرّ ذكرى الاغتيال والحكم قد صدر، وتمت إدانة المتهم في 18 آب 2020، حيث أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان حكمها بالإجماع، وقررت أن المتهم سليم جميل عياش هو مذنب على نحو لا يشوبه أي شك معقول، وحكمت في 11 كانون الأول 2020، عليه بالسجن المؤبد، لكن سليم عياش لا يزال طليقا حتى اليوم.

 

سبلسيبل.jpg