أوكرانيا بين قبضة الضم والفرز

2022.10.06 | 06:35 دمشق

أوكرانيا بين قبضة الضم والفرز
+A
حجم الخط
-A

شكلت الحرب الروسية الأوكرانية منعطفات خطيرة على مستوى التنظيم الدولي، وأفرزت اصطفافات جديدة. ولعل أبرزها هو الاستفتاء في بعض الأقاليم الأوكرانية والذي رشح عنه توقيع معاهدات انضمام أربع مناطق أوكرانية (لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا) إلى روسيا الاتحادية في حفل ضخم أقيم في الكرملين، وصرح خلاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالآتي: "أريد أن أقول لنظام كييف وأسياده في الغرب، سكان لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا سيصبحون مواطنينا إلى الأبد".

فما هي الأهمية الجيوسياسية والجيوستراتيجية لهذه المناطق بالنسبة إلى روسيا؟

أهمية المناطق الأربع التي ضمتها روسيا:

تشكل المناطق الخمسة من منطقة دونباس الصناعية (شمال شرق) إلى شبه جزيرة القرم (جنوب)، التي ضمتها روسيا إليها أهمية جيوستراتيجية وجيوسياسية كونها تشكل الخط الطولي الفاصل بين الأراضي الروسية والأراضي الأوكرانية، والتي تطل على البحر الأسود وبحر أزوف.

لوغانسك ودونيتسك: تشكل هاتان المنطقتان اللتان ينطق معظم سكانهما باللغة الروسية، حوض دونباس الصناعي في أوكرانيا.

زاباروجيا: تضم زاباريجيا التي يحدّها البحر الأسود أكبر محطة للطاقة النووية في البلاد، وتطل على نهر دنيبرو.

خيرسون: وتُعد المنطقة التي تمتاز بأهمية كبرى للقطاع الزراعي الأوكراني استراتيجية لموسكو لأنها تقع على حدود شبه جزيرة القرم التي ضمتها عام 2014.

ومن شأن السيطرة الكاملة على خيرسون، وهو أمر مرتبط بالسيطرة على سواحل زاباروجيا ودونيتسك، أن تسمح لروسيا بإحداث شريط موصول بين كل المناطق التي تسيطر عليها في أوكرانيا، بما في ذلك القرم، حتى الأراضي الروسية.

بالإضافة إلى منطقة القرم التي سبق أن ضمتها روسيا لها عام 2014، استعادت روسيا ميناء سيباستوبول الكبير، الذي يوجد فيه أسطول عسكري روسي منذ القرن 18، يوفر لها باب خروج إلى البحر الأسود، ومنه إلى البحر المتوسط والشرق الأوسط. ومنذ مايو/أيار 2018، تم ربط شبه الجزيرة بالبر الرئيسي لروسيا من خلال جسر كيرتش. وتستخدم روسيا القرم كقاعدة خلفية لوجستية.

المواقف الدولية والإقليمية:

دانت تركيا واليابان وكوريا الجنوبية، السبت، قرار ضم أربع مناطق أوكرانية لروسيا، معتبرة أن ذلك يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي، ووصفته بأنه انتهاك لسيادة أوكرانيا.

كما أوضح مكتب الخارجية البريطانية لشؤون الكومنولث والتنمية، بأن لندن فرضت عقوبات جديدة على موسكو تشمل "منع روسيا من إمكانية الوصول إلى الخدمات الغربية الرئيسية التي تعتمد عليها، بما في ذلك استشارات تكنولوجيا المعلومات، والخدمات المعمارية والهندسية، وخدمات الاستشارات القانونية لأنشطة تجارية معينة". كما شملت العقوبات أيضاً حظر المملكة المتحدة تصدير نحو 700 سلعة ضرورية للقدرات الصناعية والتكنولوجية لروسيا.

وفي سياق متصل، أعربت الدول الأعضاء الـ 27 في الاتحاد الأوروبي في بيان مشترك: "أن التكتل لن يعترف بالاستفتاءات غير القانونية التي دبرتها روسيا ذريعة لهذا الانتهاك الإضافي لاستقلال أوكرانيا وسيادتها ووحدة أراضيها، ولا بعملية الضم غير القانوني لتلك المناطق".

بينما علق الرئيس الأميركي جو بايدن على القرار الروسي: "بأن بلاده وحلفاءها لن يخافوا من بوتين وتهديداته، وأن الروس سيواصلون المسيرة، إلا أننا سنواصل أيضا توفير المعدات العسكرية حتى تتمكن أوكرانيا من الدفاع عن نفسها وعن أراضيها". كما فرضت الإدارة الأميركية، عقوبات على مئات الأفراد والمؤسسات الروسية، بينهم رئيسة البنك المركزي، على خلفية قرار موسكو الأخير.

وفي السياق نفسه، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وبعد دقائق من توقيع معاهدة الضم، تقديم بلاده طلبا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "ناتو" بموجب إجراءات معجلة.

فكان رد مستشار الأمن القومي الأميركي "جيك سوليفان" بأن الولايات المتحدة الأميركية تعتقد أن عملية انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) يجب أن "تتم في وقت مختلف".

فمن الواضح بأن أميركا زجت روسيا في حرب مع أوكرانيا لاستنزافها، ودعمت أوكرانيا شكلياً، فمن خلال تصريح مستشار الأمن القومي الأميركي يمكننا أن نستشف بأن لا رغبة لدى أحد بضم أوكرانيا لحلف الناتو، فقط هي تتبع معها سياسة العصا والجزرة.

ومن ناحية أخرى، موسكو ماضية في حربها للوصول لتحقيق جميع أهدافها وضمان آمن حدودها، وتثبيت نفوذها على خارطة ميزان القوى الدولي، في ظل نظام متعدد الأقطاب.

فهل تحاول روسيا تحصين نفسها بضم المناطق الحدودية، وجعلها درعاً واقياً من أي هجمات متوقعة؟ وفي حال توسيع الوحدات الروسية مسرح العمليات، هل سنشهد على قضم مناطق جديدة من أوكرانيا وضمها لروسيا الاتحادية؟

يتضح مما تقدم، بأننا أمام مشهد يعيد ترتيب الوضع الجيوسياسي من خلال انضمام مناطق جديدة إلى روسيا التي عليها إعادة التفكير بترتيب استراتيجياتها السياسية والاقتصادية وفقاً للوضع الديموغرافي الجديد مع دخول مجموعات سكانية ومناطق مختلفة إلى الجغرافيا الروسية.

وبالتالي، سنشهد على دخول روسيا والمنطقة بأسرها في مرحلة جيوسياسية حديثة، ستنعكس تغييراً جذرياً في الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، والسؤال الذي يطرح نفسه هل ستكون روسيا قادرة على تحمل هذه التوسعة في ظل مساحتها الجغرافية الكبيرة، وهل سيشكل ذلك نقطة قوة ترتكز عليها لفرض قبضتها على مناطق أخرى من العالم، أم أنها ستشكل نقطة ضعف يسمح من خلالها باختراقها؟ كل تلك السيناريوهات والتوقعات رهن الأيام المقبلة.