أنقرة وجناح التكامل التركي العربي

2022.02.19 | 05:29 دمشق

h_57476602.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا شك أن دول المنطقة تشهد تغيرات ملحوظة كل عشر سنوات تقريبا في مجمل السياسة العامة، لكن دون تغير جذري في الثوابت القائمة في المنطقة، وهذا ما يجعل سياسة شبه التحالفات قائمة وتسير على قدم وساق وتتغير مع المعطيات السياسية القائمة، وطبعًا تركيا جزء من هذه المنطقة يتغير تكتيك سياستها الخارجية بتغير الظروف وإن كانت تسير بخطة بعيدة الأفق لنيل مطالبها السياسية ومصالحها في الوقت نفسه.
أنقرة في علاقاتها الخارجية تقوم على عدة مستويات: التعاونية والتكاملية والتنافسية ولكل منها أسلوبها السياسي والاقتصادي الخاص بها، فنظرية رابح رابح تمضي بها معظم الدول الناجحة، ولا أدل على ذلك من زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى أبو ظبي وتوقيعه ١٣ مذكرة تفاهم تخدم مصالح كلا البلدين، فالعلاقة بين البلدين في سوية التكامل، وهذا يعني أن نواقص كل طرف سواء في الأمور السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية سيلقاها عند الطرف الثاني، وباعتقادي فإن هذه السوية في التعامل ربما هي الأنجح والأفضل، وتقريبًا كل الدول الكبيرة تتبع هذا الأسلوب، فتركيا التي تمتلك قدرات تصنيعية وإنتاجية في كل المجالات (سواء العسكرية أو التقنية أو الصناعية) تحتاج إلى شريك يمتلك القدرات المالية لإتمام مسيرتها نحو التقدم والنجاح، ولذلك نجاح العلاقات التركية الإماراتية سيصب لصالح كلا الطرفين وبشكل كبير، وهذا استمرار لسياسة التكامل التي بدأتها تركيا مع قطر ولاقت نجاحات كبيرة في كل الأصعدة حتى الرياضية منها، وأيضاً مع دولة الكويت، والآن مع الإمارات، وغداً مع المملكة العربية السعودية في حال نجحت المساعي في تقريب وجهات النظر التركية السعودية، وفي المنهج نفسه كانت تركيا قد أسست مع الدول ذات العرق التركي ما سمي رابطة الدول التركية لتقوية وتعزيز مساعيها بالتكامل الاقتصادي، فهي تستورد الطاقة من أذربيجان وأوزباكستان وتعزز التعاون مع باقي دول الرابطة على الأصعدة الصناعية والزراعية وغيرها، وبذلك تكون تركيا تتوسع في نظرية التكامل هذه شمالاً مع دول الرابطة التركية وجنوباً مع دول مجلس التعاون الخليجي ليكتمل جناحا أنقرة الاقتصاديان.

في حال بقيت تركيا ماضية في سوية التنافس مع هذه الدول فهذا سيرهقها على الصعيدين الاقتصادي والسياسي


أما العلاقات التركية مع كل من الولايات المتحدة الأميركية أو دول الاتحاد الأوروبي فهي في سوية العلاقات التنافسية، وهذا ما يجعل التشنج والتوتر ملاحظ كل حين وحين (بين تركيا وأحد هذه الدول)، أضف إلى ذلك أن بعض الدول الأوروبية متقدمة على تركيا في مجالي التكنولوجيا والإنتاج العسكري في بعض جزئياته، مما يجعل المنافسة مع هذه الدول صعبة نوعاً ما على الصعيد الاقتصادي، ولكن في الوقت نفسه يزيد من اعتماد تركيا على ذاتها وتطوير منتجاتها وكان هذا جلياً في المسيرات التركية التي أصبحت حديث العالم مع العلم أن تركيا كانت لفترة ليست بالبعيدة تستورد مثل هذه المسيرات، وفي حال بقيت تركيا ماضية في سوية التنافس مع هذه الدول فهذا سيرهقها على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، لأن هذه الدول لها نفوذ كبير على الصعيد العالمي، وخاصة في الدول التي تعتمد على الاستيراد من تلك الدول الأوروبية أو أميركا لما تتمتع به من نفوذ السبق الاقتصادي في تلك الدول.

أما السوية الثالثة وهي السوية التعاونية مثل دول أفريقيا وبعض الدول في أميركا اللاتينية فهي سوق ضخم لتصدير المنتجات والصناعات لتلك الدول، وهنا نجحت أنقرة في الولوج لتلك الدول عبر نظرية التعاون من خلال التصدير، ولكن دون استغلال وفرض شروط كما تفعل بعض دول أوروبا هناك، أيضاً استيراد ما يمكن استيراده من تلك الدول حتى يكون هناك تعاون وربح بين الطرفين وإن كان الميزان التجاري يميل لصالح تركيا بسبب تقدم تركيا صناعياً على تلك الدول، لكن مع مرور الزمن ستتغير هذه المعادلة أو يتم التعديل فيها مع تطور الحركة الصناعية والزراعية في تلك الدول وانخفاض نسبة التوترات السياسية والاقتصادية وغيرها.

إذا أردت النجاح والاستمرار لا بد من أن تعدد مصادرك على جميع الأصعدة، ولا بد من أن تكون لديك مرونة في التعامل وانتهاج تكتيكات وفق متطلبات الظروف القائمة، فلا شيء يبقى على حاله والمحيط الإقليمي لتركيا يعد محيطاً متوتراً لذلك لا بد لها مع شركائها من إيجاد سياسة الهدوء والاستقرار والتكامل الاقتصادي.