"أندش تيغنيل" قاتل أم بطل قومي؟

2020.09.27 | 00:22 دمشق

as-comp-swede_7.jpg
+A
حجم الخط
-A

وصل الأمر بمعارضي استراتيجيته إلى تهديده بالقتل مع عائلته، ووصفه آخرون بالقاتل، وشبهه آخرون بهتلر وستالين، ولم ترهبه موجة الهلع التي اجتاحت العالم، وظل مصراً على استراتيجيته التي وضعها لمواجهة "انتشار فيروس كورونا"، رغم وصف علماء وجهات دولية كثيرة لخطته بأنها الجنون بعينه.

 إنه "أندش تيغنيل" عالم الأوبئة السويدي، المولود في مدينة "أوبسالا" القريبة من "ستوكهولم" في 17 من نيسان 1956م.

عندما كان العالم مذعوراً من انتشار فيروس كورونا، وكانت أعداد الإصابات والوفيات المرعبة تتصدر نشرات الأخبار، والصفحات الأولى للصحف، وكانت الحكومات تستنفر كل طاقاتها في اجتماعات وقرارات يومية، وتفرض الحظر ومنع التجول، وتقرر إغلاقاً كاملاً للمجتمع والاقتصاد، كان "تيغنيل" يرفض الحظر، ويرفض إغلاق المجتمع والاقتصاد.

ارتكزت خطة تيغنيل وفريقه على فكرة أساسية، يُمكن تلخيصها على النحو التالي:

طالما أن الفيروس انتشر، وليس لدى البشرية حتى الآن اللقاح المضاد له، فإن الحظر لن يكون مجدياً، ولن يكون بإمكان أي مجتمع أن يظل محظوراً حتى اكتشاف اللقاح المضاد، لذلك فإن على الدولة أن تعزل فقط من تكون أجسادهم ضعيفة في دفاعاتها المناعية، وهم كبار السن، والمصابون بأمراض صعبة أخرى، وأن تكون بنية مؤسساتها الطبية قادرة على مساعدة من يصابون، وتصبح حالتهم حرجة.

هكذا استمرت السويد في حياة شبه طبيعية، وحين أنزلت بعض الدول الجيش إلى الشوارع لمراقبة منع التجول، وكانت الغرامات تفرض على مواطني الدول بمئات الدولارات إذا خرقوا حظر

لم يحشر السياسيون في السويد أنفسهم في وضع خطة مواجهة "كورونا"، تركوا الأمر للمختصين، ونفذوا وأصدروا القرارات التي تتطلبها خطة "تيغنيل" وفريقه

التجول، أو شوهدوا وهم لا يرتدون الأقنعة الواقية، كان السويديون يعيشون حياتهم شبه الطبيعية مع تقييدات أقل بكثير مما فرضته الدول الأخرى، وكانت شوارع المدن السويدية تذهلك بغياب الأقنعة عن وجوه السويديين وبعدد الموجودين فيها، وبمطاعمها المفتوحة وإن تكن بتدابير جديدة.

لم يكن قرار "تيغنيل" وفريقه هو السبب في إنجاح استراتيجية التصدي للفيروس فقط، ثمة عوامل أخرى بالغة الأهمية لابدّ من الإشارة إليها، لفهم أشمل للحالة السويدية:

  1. لم يحشر السياسيون في السويد أنفسهم في وضع خطة مواجهة "كورونا"، تركوا الأمر للمختصين، ونفذوا وأصدروا القرارات التي تتطلبها خطة "تيغنيل" وفريقه، ورغم أنهم تعرضوا لانتقادات شديدة من داخل السويد وخارجها، إلا أنهم تركوا تقرير سياسة التصدي لـ "كورونا" بيد الفريق العلمي المختص، ووضعوا إمكانات الدولة تحت تصرفهم.
  2.  ساعدت الكثافة السكانية المنخفضة في معظم مناطق السويد على خلق تباعد موضوعي لا علاقة للقرارات به، فالسويد التي تقارب مساحتها 450 ألف كيلومتر مربع، لا يسكنها إلا ما يزيد قليلاً عن عشرة ملايين إنسان، يتركز ثلثهم في ثلاث مدن رئيسية هي "ستوكهولم" و"غوتنبرغ" و"مالمو"، وهذا ما ساعد الجهات الطبية في التركيز على المدن الرئيسية في تصديها للفيروس.
  3. على الرغم من أن الكثافة السكانية المنخفضة ساعدت في الحد من انتشار واسع للفيروس، إلا أن طبيعة علاقات المجتمع السويدي الاجتماعية زادت من العزل بشكل طبيعي، فالسويديون لا يميلون إلى العلاقات الاجتماعية المفتوحة، وليس لديهم عائلات كبيرة، وبالتالي فإن بيوتهم ليست مزدحمة، على العكس من بعض الجاليات الأخرى في السويد، والتي تختلف بعلاقاتها وعدد أفراد أسرها واتساع بيوتها، والتي كان انتشار الفيروس فيها هو الأعلى، وهو الذي رفع من عدد الإصابات ومن عدد الوفيات.
  4. علاقة السويديين بحكومتهم وبدولتهم تحتاج لحديث طويل، وهي باختصار علاقة التزام غير مشروط، فالسويديون حتى وإن اختلفوا مع قرارات حكومتهم إلا أنهم يلتزمون بها بإخلاص وبدقة وبمسؤولية، وهذا ما ساعد على زيادة القدرة على التحكم بمسار انتشار الفيروس، ونجاح خطة التصدي له، يُضاف إلى هذا انتشار ثقافة العمل التطوعي لدى السويديين، فما إن أعلن عن عزل كبار السن ودور العجزة، حتى تشكلت في السويد عشرات الفرق المتطوعة، والتي تبرعت بتأمين كل احتياجاتهم، وتعامل المتطوعون بمسؤولية عالية فيما يخص القواعد الصحية الواجب اتباعها عند التعامل مع كبار السن.

خلال الأسابيع القليلة الماضية كان تراجع مؤشرات الإصابة بالفيروس واضحاً، الأمر الذي دفع هيئة الصحة السويدية للقول: (إن السويد تمكنت من احتواء فيروس كورونا)، لكنه خلال الأيام الماضية عاد هذا المؤشر للارتفاع قليلاً في ستوكهولم، الأمر الذي استدعى تصريحاً محذراً، إذ أعلن "تيغنيل" أن فكرة العزل العائلي في ستوكهولم قد تتخذ قريباً، والعزل العائلي يعني عزل كامل العائلة بكل أفرادها في حال أصيب أي منهم، لكن فكرة العزل التام غير واردة أبداً.

في الوقت الذي كانت فيه هيئة الصحة السويدية تواصل خطتها لمواجهة الفيروس، كانت مراكز الأبحاث السويدية تعمل على اكتشاف لقاح له، ومنذ أيام أعلنت الهيئة عن توصلها لهذا اللقاح، وأنها ستقوم بتسليمه في مطلع شهر نوفمبر إلى شركات مختصة لإنتاجه، والبدء بإجراء التجارب عليه، ووفق الهيئة الصحية فإن بدء استعماله التجريبي على البشر سيتم في ربيع العام القادم، وإذا تقرر اعتماده فإنه سيكون قيد التداول مطلع عام 2022م.

صحيفة "الواشنطن بوست"، وصحيفة "ذا صن" البريطانية كتبتا:

إذا نظرنا للسويديين حالياً، أو بعد سنوات من الآن، ربما تكون التجربة السويدية في مواجهة كورونا مذهلة للعالم كله، إن "أندش تيغنيل" بطل قومي.

لكن السويديين لا يزالون يترقبون الموجة الثانية من كورونا، فهل يتمكن "تيغنيل" فعلا من إقناعهم أنه بطل قومي؟

كلمات مفتاحية