أمواج تتحرك في الصحراء.. أزلام الأسد يستثمرون الأموال السورية المسروقة

2024.05.25 | 06:53 دمشق

آخر تحديث: 25.05.2024 | 06:53 دمشق

النظزام
+A
حجم الخط
-A

لاشك بأن الشعب السوري قد خسر أمواله وممتلكاته واستثماراته عقب الثورة التي اندلعت في العام 2011، بعد المطالبة بالتغيير والحرية، ولكن في المقابل تزداد حاشية الأسد وأعوانه غنى وثراء فاحشا على حساب ملايين المهجرين والقتلى والمشردين الذين هجرهم النظام، وصادر أملاكهم وأموالهم، مستبيحا ثروات وخيرات البلاد التي احتكرها أناس معينون أصبح يطلق عليهم اسم "السوريون الجدد".

أموال الشعب السوري تجول وتصول مع أعوان بشار الأسد في العالم بحرية وتتحرك في الإمارات العربية وروسيا، هذه الأموال التي تم تجميعها من قوت وتعب الشعب السوري باتت تستخدم لمصالح أشخاص مقربين من العائلة الحاكمة، بالرغم من العقوبات الغربية والأميركية على نظام الأسد، من خلال قانون قيصر وقانون الكبتاغون، لكن تلك الطغمة لا تهتم أبدًا بالعقوبات وتخترق القوانين التي تسمح لهم تحريك هذه الأموال كالأمواج المتحركة في الصحراء.

بعد الثورة، باتت أموال الدولة السورية تخرج نحو دول تتجول فيها بأمان وتتمكن من إعادة هيكلتها واستثمارها لمصالح خاصة على حساب الشعب المقهور، فكانت الوجهة بيروت وموسكو  ودبي ودول أوروبية وآسيوية كثيرة ضمن نظام مالي معقد تستخدم فيه شركات التهريب والشركات الوهمية "الإفشور  Offshore Company".

لكن المفاجأة بأن آل الأسد وحاشيته يلجؤون إلى الإمارات مستغلين القانون الإماراتي الذي يسمح بالاستثمار الأجنبي فيها من دون البحث عن أصول الأموال التي تم إدخالها إلى مصارفها. ولاحقًا عمل هؤلاء على تبييض أموالهم من خلال استثمارات في قطاع العقارات والبناء تجنبًا  للعقوبات الأميركية والأوروبية، ولاعتبار أن التملك في العقار يبقى مضمونا ومحافظا على سعره، وغير مربوط بالعقوبات كما حال وضع الأموال في البنوك وهذا التوجه ساعد رجال مال وتجاراً مقربين من النظام لكي يتملكوا عقارات في أبو ظبي، وتوظيف  أموالهم المنقولة من سوريا بهذه التجارة المربحة وغير الخطرة.

والجدير ذكره أن رجال الأعمال السوريين باتوا يرون  في الإمارات المكان الآمن لأموالهم بعد العقوبات التي فرضت على موسكو، حيث سحبت الأموال من روسيا وتوجهت نحو الإمارات، وكذلك بعد خروج قانون قيصر للنور ومنع الشركات في لبنان من تقديم نفسها على أنها وسيط تجاري مع نظام الأسد بالإضافة إلى هجرة الأموال السورية من لبنان إبان العام 2019 أي فترة الانهيار الاقتصادي اللبناني وكذلك في العام 2020 بعد تفجير مرفأ بيروت.

وفي إطار تحقيق اقتصادي تمت تسميته مفاتيح دبي، يكشف التحقيق الذي أجرته مؤسسات إعلامية مرئية ومكتوبة وإلكترونية دولية استخدمت فيه 74 وسيلة إعلامية مختلفة من 58 دولة برعاية موقع الأخبار المالية النرويجي (occrp) للعمل على إخراج مشروع استقصائي دولي مهم جدًا وناجح كدليل مادي من خلال الأدلة والبيانات والوثائق لكشف تبييض الأموال بالإضافة إلى موقع سراج السوري ودرج اللبناني للوصول إلى نتائج وحقائق من خلال الوثائق التي عمل عليها الصحفيون الدوليون والعرب لمكافحة تبييض الأموال المهربة من سوريا حيث باتت الإمارات مركزها.

يتضمن المشروع مكافحة غسل الأموال الوثائق المسربة، وتكشف معلوماتٍ حول مئات الآلاف من العقارات في دبي وعن ملكيتها تحديدا في عامي"2020 -2022"وقد تم الحصول على مركز البيانات من مركز الدراسات المتقدمة (adsc4) وهي منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة في"واشنطن"، مهمة المركز البحث في الجرائم الدولية والنزاعات الدولية.

وبحسب الوثيقة المنشورة على موقع درج الإلكتروني اللبناني بتاريخ 15من مايو/أيار من العام 2024، بالتعاون مع منصات كثيرة ومنها منصة سراج السورية للبحث والاستقصاء المالي تشير البيانات المسربة من سلسلة بيانات وعدة أماكن تزيد على 100 مشروع معظمها من دائرة الأراضي في دبي. بالإضافة إلى الشركات العقارية التي تملكها الدولة الإماراتية وتشمل البيانات أسماء المالكين الحقيقيين كما هو مسجل في جوازات السفر والهوية ومعلومات الاتصال, وهي معلومات رئيسية وأساسية عن العقارات.

هذه الأملاك والعقارات تعود بالأصل إلى حاشية النظام وأعوانه، لكن الأموال لم تخرج خلال عامي 2020 ـ 2022 وإنما قد  تعود لقبل هذه الأعوام حتى قبل اندلاع الثورة، فتهريبها لم يتم بواسطة التحويلات البنكية والمصرفية وإنما عبر شبكات تهريب الأموال والتحويلات الخاصة أو عن طريق الشركات الوهمية مما ساعد هؤلاء على استخدامها سريعا.

هذه الحاشية تعرف جيدا التعاملات المالية ولها باع طويل وتجربة كبيرة في التعامل مع الأصول والتهريب. لذلك استغلت قوانين الإمارات التي ترحب بقدوم الأموال والاستثمارات ووجدت هامشا لأن القطاع العقاري لا يمر عبر المصارف الدولية مما ساعدهم بالوصول إلى هذه الاستثمارات التي بلغت مجموعها بما كشف نحو 50 مليون دولار في قطاع العقارات في الوقت الذي يعاني فيه النظام السوري من العقوبات ومن عدم استطاعة الآخرين إخراج العملة الصعبة من سوريا، حيث كان يعول الأسد على بقاء هذه الأموال تحت تصرفه.

وبظل العقوبات الأميركية والأوروبية يطرح السؤال المهم. كيف يتملك رجال الأسد في العالم وهنا لابد من الإشارة إلى أن هؤلاء:

-استغلوا هامشا في القانون الإماراتي يسمح لهم بذلك ولأن العقوبات غير ملزمة لأي دولة في الإمارات غير معنية بها لأنها عقوبات أممية.

-الإمارات تشجع دخول الأموال بغض النظر عن مكان قدومها ولا تتدخل في القطاع المصرفي إلا إذا بات يشكل خطرا على الأمن المالي للإمارات.

-الأموال تتحرك بمعرفة الأميركي والأوروبي ويسمحون أن تستثمر في الإمارات وتركيا على أن لا تذهب إلى الصين أو إيران.

فالإمارات ترى أن رأس المال السوري يحتل مرتبة مهمة في الاستثمارات والتجارة وتشكل التجارة السورية 14% من التبادل التجاري بين البلدين. الإمارات منذ بداية الثورة السورية كانت تحاول أن تبقي قناة الاتصال مفتوحة مع النظام، ظنًا منها أن الابتعاد عنه سيسمح له بالتوجه أكثر نحو إيران، لذلك فتحت أبوابها أمام السوريين بشكل عام من الناحية الإنسانية وقدمت مبادرات عديدة لعودة الأسد إلى الحاضنة العربية. لكنها أقفلت هذا الملف لعدم تجاوب الأسد مع الشروط العربية وعدم الوفاء بتعهداته.

يذكر التحقيق الاستقصائي بأن مدير مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية السورية يقول إن سبب التوجه السوري نحو الاستثمارات بالعقارات لأنه استثمار مضمون ومربح جدًا. وهو أفضل من الاستثمار بالأوراق المالية التي قد تتعرض لخطورة المراقبة الغربية والملاحقة وصولا حتى احتجاز الأصول.

ففي الفترة الأخيرة بدأت الإمارات تنظر بعين الريبة لهذه الاستثمارات التي باتت موضع شك لدى الدولة ولدى المراقبين الدوليين وخاصة لجهة الأسماء المستثمرة وطبيعة الأموال وتدفقها  إلى الإمارات. بالرغم من أن القانون الإماراتي لا يعتبر شراء أي عقار أو استثمار في مجال العقارات والتملك جريمة يلاحق عليها القانون وهذه هي الثغرة التي استطاعت حاشية الأسد من استخدامها، ويمكن الإشارة إلى 10 من كبار المالكين السوريين للعقارات والجدير ذكره هؤلاء موجودون على لوائح العقوبات الأميركية والغربية ولكنهم نقلوا أموالهم وثرواتهم إلى الإمارات حيث يحصي التقرير بحسب البيانات بأن هذه الشخصيات السورية تستحوذ على 25 عقارا يبلغ ثمنها بحسب المرصد الضريبي للإتحاد الأوروبي والمركز النرويجي للأبحاث  الضريبة 50 مليون دولار أميركي.

ويمكن اعتبار الأخوان فوز "سامر وعامر" من أصحاب الإمبراطورية الاقتصادية الموزعة ما بين لبنان والإمارات وروسيا وكذلك الأخوان مخلوف (رامي وإيهاب) أولاد خال بشار الأسد وأصحاب الثروة الضخمة التي كانت تدار بواسطة رامي شريك أسماء الأسد.

وظهرت عقارات بشبكات عائلية حيث بات يبرز اسم رانيا الدباس سيدة الأعمال  السورية زوجة رجل الأعمال محمد حمشو صديق ماهر الأسد، وكذلك بروز اسم أحمد صابر حمشو شقيق  محمد حمشو.

كذلك لا يمكن تجاهل الأخوين خوري مدلل وعماد وتجارتهم الواسعة بين سوريا ولبنان وسوريا وبريطانيا وعلاقتهما بملف نيترات الأمونيوم وفضح تخزينها في مرفأ بيروت.

ويمكن القول إن وزارة الخزينة الأميركية تعرف جيدا هؤلاء الموضوعين على لوائح عقوباتها وتحديد اهتماماتهم المختلفة بكل أنواع الاقتصاد السوري.

وهنا لابد من القول إن السلطات الإماراتية شددت التشريعات القانونية المتعلقة بغسيل الأموال وبخاصة بعد إضافة مجموعة العمل الدولية إلى قائمتها الرمادية بعد فشلها في العام 2022 في مكافحة تدفق الأموال غير المشروعة، حيث تقوم الإمارات بفعالية وجهد جبار شطب اسمها من القائمة الرمادية كي تبقى في قائمة الدول التي تعمل على جذب الأموال الشرعية وتأمين الحوافز اللازمة لها للعمل.

وعقب هذا العمل الاستقصائي الذي أنجزته مجموعة كبيرة من الإعلاميين لمكافحة تبييض الأموال، بات على الحقوقيين السوريين والعرب والعالميين السير لتشكيل قوة ضغط دولية تفضح هؤلاء المهربين في نظام الأسد وليكن التقرير دليلا دامغا من أجل رفعه إلى الهيئة العليا وتحقيق تضامن عالمي يساعد السوريين ويعاقب أزلام النظام كما فعلت المجموعة السورية في أميركا التي استصدرت قانون قيصر ولاحقا قانون الكبتاغون.

وليكن هذا الطريق بداية لإقفال كل الممرات غير القانونية التي يستخدمها أزلام النظام في الالتفاف على العقوبات كما حصل في المشاريع العقارية الإماراتية، ولتكن مكافحة فساد النظام وتبييض أمواله قضية مهمة أمام الحقوقيين والناشطين السوريين للوصول إلى إقرار قانون يجرم هؤلاء.

 

كلمات مفتاحية