ألم يحن الوقت لتستفيق قسد؟

2022.09.30 | 05:04 دمشق

ق
+A
حجم الخط
-A

لعب حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، منذ بداية الثورة ببراغماتية ذكية من جهة، وطفولية من جهة أخرى، تمثل الجانب الذكي من تفاعلات حزب الاتحاد باستناده إلى توافقاتٍ غير معلنة مع دمشق، فتنازلت الأخيرة بموجبها عن إدارة المدن والمناطق ذات غالبية كردية للحزب وأذرعه، مقابل منع تحولها لبؤرة عسكرية ضده كما الحال في أكثر من نصف سوريا آنذاك، من جهة أخرى استفاد حزب الاتحاد في بسط وزيادة سيطرته على المنطقة مستنداً إلى سير عملية السلام في تركيا، التي منحت قادات حزب الاتحاد حرية تحرك وتنظيم زيارات دولية وإقليمية على مستوياتٍ عليا، كما مكنت عملية السلام حزب العمال من العمل بشكلٍ شبه علني على الأقل سياسياً على الساحة التركية، وسارعت المنظومات الفرعية لحزب العمال لتوحيد تمثيلها السياسي والعسكري العابر للحدود، فلا تزال تصريحات رئيسة حزب الشعوب الديمقراطية HDP فيغان يوكسك داغ، تصدح على الإعلام التركي بين فينة وأخرى عندما قالت أواخر أيام عملية السلام في تموز 2015" نحن نشدد ظهرنا بYPG، وPYD"، إلى جانب تصريحات الرئيس المشترك معها صلاح الدين دميرتاش الذي خاطب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائلاً " ستنظر لهم وهم يعبرون الفرات وأنت مقيد اليدين"، في إشارة لعبور  وحدات حماية الشعب لغرب الفرات، ورفض تركيا لهذه الخطوة إبان سيطرة " قسد على منبج".

خطوطٌ عديدة لا يمكن سردها كلها في مقالٍ واحد حول كيفية ربط حزب العمال لعدة عناوين ومساراتٍ استراتيجية في سياقٍ واحد عبر ثلاثة دول: سوريا والعراق، وتركيا، ورابعةٍ لا تظهر إلا من خلال مآلات الأمور التي تتوضح نتائجها إنها تصب في صالحها وهي إيران، فمن جهة تحالفت قوات " YPG"، مع الولايات المتحدة شرق الفرات، ومن جهة أخرى ساندت روسيا في تل رفعت "2016" غرب الفرات سوريا، وفي تركيا دخل حزب الشعوب الديمقراطية للبرلمان التركي بما يقارب 80 برلمانياً على إثر عملية السلام، وفي ضفة العراق كان حزب العمال يكثف وجوده في سنجار/ شنكال، وكركوك، والسليمانية.

توسع حزب العمال إقليمياً خلال سنوات عملية السلام وباعتماد قوات التحالف الدولي على ذراعه في سوريا، أكثر من أي دولةٍ أو قوة أخرى في، وكان هذا التوسع في أراضٍ تعتبر مناطق سيطرة مخاصميه " تركيا، وإقليم كردستان، وشمال سوريا" تاريخياً، إلا أن الحزب لم يكن ولو للحظة واحدة وفق متابعتي اليومية لأخباره وأخبار أذرعه الإقليمية لم يكن على قدر "المسؤولية" التي أوجبتها اللحظة التاريخية التي كانت تمر بها منطقة الشرق الأوسط، ويمكن اختصار هذه اللامسؤولية الطفولية من خلال تصريحات بارزة مشهورة لرئيس حزب الشعوب الديمقراطية المعتقل في تركيا صلاح الدين دميرتاش عندما خاطب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "لا تخف لن نقوم بإعدامك، فقط سنسجنك"، أو عندما اختصر والاختصار هنا بمعناه الحرفي أي فقط في ثلاثة دقائق، خطابه البرلماني المعتاد فقط بالتصريح بجملة واحدة "لن ندعك تصبح رئيساً، لن ندعك تصبح رئيساً، لن ندعك تصبح رئيساً". وفي " جبال قنديل" معقل حزب العمال لم يكن الوضع مختلفاً، فمنذ بداية انتخابات 2015، كان قادة قنديل يوضحون هدفهم بإسقاط أردوغان سواء أمنياً وعسكرياً أو سياسياً، لا يمكن أن يشرح أي مختص بعمليات السلام في الحروب المعقدة كما في الحالة التركية كيفية بناء دميرتاش لسياسة حزبه بشكلٍ معادٍ لحزب العدالة والتنمية، والأخير هو الحزب الوحيد الذي انخرط في أول عملية سلام معلنة، ووصلت لمراحلها النهائية مع الدولة التركية، لا بل تم توقيع اتفاق رسمي في أحد القصور التي تمثل قمة الرسمية التركية في قصر" دولما بهجة سرايي"، وجعل هدف حزبه الانتخابي منحصراً ومحدداً فقط بإسقاط حكومة حزب العدالة بدل التحالف معها للوصول لاتفاق سلامٍ دائم.

 

" شرط النظام الرئاسي مقابل تحقيق عملية السلام غير ممكن، لا يمكن أن يقبل هكذا أمر، لو قالوا إننا سنمنح كردستان الحكم الذاتي، ويتم وضع حق التعليم باللغة الكُردية، في الدستور في ظل نظام رئاسي، فنحن لن نقول نعم لهذا الدستور"

 صلاح الدين دميرتاش

 

توسع حزب العمال إقليمياً خلال سنوات عملية السلام وباعتماد قوات التحالف الدولي على ذراعه في سوريا، أكثر من أي دولةٍ أو قوة أخرى، وكان هذا التوسع في أراضٍ تعتبر مناطق سيطرة مخاصميه " تركيا، وإقليم كردستان، وشمال سوريا" تاريخياً،

في سوريا كان المشهد مشابهاً، فتوجهت قوات سوريا الديمقراطية (عمادها YPG وحدات حماية الشعب) بدعم أميركي وسيطرت على مدينة تل أبيض 2015، وهي خطوة أطلقت إنذاراً لدى الجانب التركي في ظل تهاوي عملية السلام، ولاحقاً توجهت لمدينة لمنبج وسيطرت عليها منتصف 2016، وصرحت منابر مقربة منها أو شخصيات قيادية بنيتهم الوصول للبحر المتوسط أو الدخول لإدلب، كما تم رفع خرائط تحمل منطقةً ممتدة من حدود كردستان العراق وصولاً للبحر عند افتتاح ممثليتها في روسيا في أوج الخلاف الروسي التركي على خلفية إسقاط الطائرة الروسية في تركيا، وسياسياً أعلن مجلس سوريا الديمقراطية نيته نقل حالة الإدارة الذاتية  لفدرالية تحكم شمال سوريا، في وقتٍ كان الحزب الموازي له قد أعلن في المناطق الكُردية في تركيا " مناطق الحكم الذاتي"، وفي العراق وكردستان العراق توسع الحزب في سنجار وكركوك والسليمانية وهدد القوى المحلية التاريخية هناك، وتحالف مع الحشد الشيعي وجعل من الجبل مقراً موازياً لقنديل وممراً إلى سوريا. هنا سيتحدث أحدهم عن الدولة التركية وسياساتها العامة في القضية الكُردية، وهو سيكون محقاً إذا قارن بين 80 سنة من عمر الدولة التركية، وبين الدولة التي دخلت مع حزب العمال لأعقد عملية سلام في تاريخنا المعاصر، وتعقيدها وصعوبتها بدرجة أكثر من بقية قضايا السلام العالقة لوقتنا هذا، نتيجة وجود شبه حظر على الخطاب والتصريحات الداعية " لعقد السلام "، فكان محرماً في ذهنية وعقيدة الحكم في تركيا طوال عقودٍ طويلة، ولم تكن هناك أي أدبيات وخطط مكتوبة تتناول عملية السلام وكيفية تحقيقها، وما تستوجب من مهامٍ من الأطراف المنخرطة فيها، إلا التي خرجت للعلن نهاية الأعوام 2012، إلى جانب الطبيعة الشائكة للقضية وللأراضي الكُردية في أربعة دولٍ تحكمها منظومات مختلفة ولها علاقات مع المعسكرين الغربي والشرقي.

طال الحديث حول بعض مؤشرات الوضع الكردي في تركيا، والأمر كذلك لإن سياسة حزب العمال العابرة للحدود والواضعة لكل البيض في سلة لا يمكن تلمس معالمها أبداً، سياسة ربطت مصير كُرد سوريا بمصير حزب العمال وعلاقاته وتحالفاته الإقليمية في مواجهة تركيا، ومواجهة إقليم كُردستان العراق، والمعارضة السورية، ولم يضع الحزب أو فرعه السوري خبراته في خدمة هدف تحسين ظروف سواء السوريين عموماً أو كُردهم خصوصاً، وفضلوا مواجهة " الناتو " وفق تصريحات قياداته عندما يذكرون تركيا، وهذا التفضيل المتمثل بمواجهة تركيا مقابل منح الدول الأخرى تنازلاتٍ عدة مثلما حدث بداية " عملية غصن الزيتون" والسماح لروسيا وإيران والنظام بدخول عفرين واللعب على هذه التوازنات، في مواجهة مقترحاتٍ أخرى كانت تطالبه بسحب عناصره القيادية من المنطقة "، كما صرح نائب القائد العام لجيش الثوار “أحمد محمود السلطان” الملقب بـ”أبو عراج” آنذاك حول مطالب تركية بانسحاب كوادر حزب العمال، وتسليم أمن المنطقة لشرطة محلية، وتثبيت نقاط مراقبة، وكما حدثت في حالة " عملية نبع السلام" حيث تم رفض مقترحاتٍ عملت عليها شخصيات سورية تتمحور حول انسحاب " قسد " مقابل انتشار قوات من العشائر العربية وبيشمركة روج في المنطقة.

منح الواقع الدولي بين عامي 2014 و2018، فرصة قوية لحزب العمال الكُردستاني ومنظماته الإقليمية للمناورة بين الدول المحورية (إيران، تركيا) وحتى القوى العالمية ( روسيا وأميركا)، إلا إن هذه الفرصة بدأت بالتراجع مع حدوث تغيراتٍ في السياسة الأميركية في ظل سياسة الرئيس الأميركي السابق "دونالد ترامب" المركزة على الانسحاب من بعض النقاط الساخنة في الشرق الأوسط، وهو ما أدى لحدوث تفاهماتٍ بين فواعل إقليمية (روسيا وتركيا وإيران) لملء الفراغ الأمني الناشئ، وبالنتيجة دخلت منظومات حزب العمال الكُردستاني لمرحلة الانسحاب أمام تمدد أذرع الدول المذكورة وبالأخص تركيا وروسيا، مع استثناء استمرار تخادم العلاقة بين الحزب وإيران وهي علاقة تستخدم فيها إيران الحزب كحال بقية القوى العنفية في المنطقة امتداداً من لبنان إلى بغداد وسنجار، بحيث تخلق توترات محلية تؤمن عبرها استمرار المصالح الإيرانية في مواجهة أميركا وتركيا، ولا تهدف إيران من علاقتها مع أي من الأطراف المتعاونة معها بناء نموذج حكم محلي مستقر شفاف (ولو بأدنى درجات الشفافية)، فالاستقرار أو نجاة بعض الأطراف المحلية المؤثرة، يؤدي لزيادة الرغبة لدى هذه الأطراف باستعادة هامشٍ أوسع في القرار الوطني حتى مع المتفقين في أجزاءٍ مهمة فكرياً مع إيران كحالة الصدر في العراق، وبعض الشخصيات الشيعية المهمة في لبنان.

بإسقاط سلسلة الأحداث الممتدة منذ قرابة عقد على تموضع حزب العمال ومنظومته الإقليمية أو المنظمات التي يستحوذ ضمنها على الأغلبية في صنع القرار، كما حالة المؤسسات الموجودة في منطقة شمال شرقي سوريا، نصل لخلاصة بأن الحزب، لم يتعلم من الدروس التي مر بها، وبالأخص حقيقة أنه لا يمكن أن تستغل الأحزاب المستخدمة للسلاح الهوامش الأمنية في المنطقة باتجاه فرض واقع عابر للحدود، فرغم ما شهدته دول مثل العراق وسوريا من انهيار جزءٍ مهم للمنظومة الحاكمة، وتحولها لدول شبه فاشلة، إلا أنه سواء دوائر صنع القرار المحلية في العراق وسوريا والعالمية لن تسمح -للمنظمات ما دون دولة-  بالتحول لدول أمرٍ واقع تهدد مصالح تحالفاتها المحلية والعالمية. (حالة العراق في أثناء استفتاء إقليم كردستان العراق، وسوريا ومحاولة تقاربها من تركيا عبر اتفاقية جديدة إثر عملية نبع السلام)،

أفضت محاولات حزب العمال بالتمدد الواسع في جلب مآسٍ كبيرة للشعب الكُردي على معظم الجغرافيا الكُردية، ونقف اليوم أمام مفترق طرقٍ جديد وفرصة مؤقتة لمن تبقى من الكُرد في سوريا للوصول لتسوية حقيقية مع الفواعل المحلية والإٌقليمية، عبر خروج كوادر حزب العمال الكُردستاني، وعودة " مجلس سوريا الديمقراطية وأحزاب التحالف الوطني للحوارات الكُردية " وإطلاق رسائل حقيقية تبدي استعدادهم لتغيير هذه الطبيعة الإشكالية في التنظيم، مقابل إمكانية إنقاذ من تبقى من أهالي المنطقة، أو من الجبهة المعارضة للنظام السوري وإعادة تفعيل "معارضة النظام كحالة" بخطواتٍ تدفع الأخير لقبول الحل السياسي وإحداث التغييرات المطالب بها بناءً على القرار 2254، فالنظام أثبت بأنه لا يقبل القسمة على اثنين سواء كان مع المعارضة أو " قسد ومسد" خلال كل  مفاوضاتهم سواء مع المعارضة في جنيف، أو " قسد / مسد/ YPG" في دمشق.

ختاماً

نتجت محاولات حزب العمال بالتمدد الواسع في الهوامش الأمنية سواء مباشرةً أو عبر أذرعه الإقليمية، في جلب مآسٍ  كبيرة للشعب الكُردي على معظم الجغرافية الكُردية، ابتداءً من التوسع العسكري بأهداف التحالف الدولي في سوريا في مناطق لا يمتلك فيها أي قواعد شعبية، وجعله المناطق الكُردية في سوريا منصةً لمواجهة تركيا، أو سيطرته على مناطق متنازعٍ عليها بين حكومة إقليم كُردستان العراق والحكومة المركزية، أو زجه بآلافٍ من الشباب الكُرد في معارك المدن داخل المدن الكُردية 2015 -2016، كما أدخلت مفاهيمه الهلامية حول الأمة الديمقراطية، والخط الثالث (لا معارضة، ولا نظام) الشعب الكُردي في تيهٍ استراتيجي حول مطالبه من الدول الوطنية التي يعيش فيها، كما إن محاولاته في تغيير الهوية المجتمعية للكُرد خلقت خلافاً من نوعٍ جديد ضمن المجتمعات الكُردية فيما يتعلق بمفاهيم " اللاسلطوية/ الأناركية.

نقف اليوم أمام مفترق طرقٍ جديد وفرصة مؤقتة لمن تبقى من الكُرد في سوريا للوصول لتسوية حقيقية مع الفواعل المحلية والإٌقليمية، مع حدوث هدوءٍ نسبي في العمليات العسكرية والتهديدات السياسية، عبر خروج عناصر حزب العمال الكُردستاني، وعودة " مجلس سوريا الديمقراطية وأحزاب التحالف الوطني للحوارات الكُردية " وإطلاق رسائل حقيقية تبدي استعدادهم لتغيير هذه الطبيعة الإشكالية في التنظيم، مقابل إمكانية إنقاذ من تبقى من أهالي المنطقة والجبهة المعارضة للنظام السوري وإعادة تفعيل "معارضة النظام" بخطواتٍ تدفع الأخير لقبول الحل السياسي وإحداث التغييرات المطالب بها بناءً على القرار 2254.