أسعار النفط دون الصفر... كيف حصل ذلك؟

بعد أن حجر فيروس كورونا العمال في منازلهم والطائرات في المطارات، انخفض الطلب على النفط بشكل قياسي وانخفضت قيمته.

وزاد الطين بلّه حرب أسعار بين السعودية وروسيا اللتين ضخّتا كميات ضخمة من النفط خلال شهر آذار الماضي قبل أن يعلنا عن اتفاق لخفض الإنتاج.

دون الصفر

سجل أقل سعر يوم 20 نيسان في العقود الآجلة، والتي يتسلّم فيها المشتري النفط في تاريخ محدد وبسعر محدد، وتعتبر -العقود الآجلة- وسيلة يستخدمها منتجو النفط لحماية أنفسهم ضد تقلبات الأسعار، ولكنها أيضًا وسيلة للمضاربة.

يبرم التجار المضاربون العقود الآجلة دون أن يكون لديهم نية استلام براميل النفط التي اشتروها.

 كان يوم 21 نيسان موعد انتهاء تداول عقود تسليم النفط في شهر أيار، فبقي أمام المضاربين ساعات للاختيار بين بيع النفط الذي اشتروه بصفقات جديدة، أو استلامه.

وفي ظل الانخفاض الحاد في الطلب كان البيع بسعر دون الصفر أفضل من استلام النفط بالنسبة للمضاربين، لأن كلفة تخزينه أصبحت باهظة مع ارتفاع الطلب على خزانات النفط حول العالم.

الأسعار السالبة في 20 نيسان اقتصرت على العقود الآجلة لنفط "غرب تكساس الوسيط"، والذي يعتبر معيارا لتحديد سعر النفط في أميركا الشمالية، ولم يخسر في ذلك اليوم "البرنت" كثيرا وهو الأكثر تداول عالمياً، ويستخدم كمعيار للتسعير في أوروبا وآسيا وأفريقيا.

حركة ناقلات النفط حول العالم (مارين ترافيك)

ماذا سيحصل؟

بينما لا يستطيع المنتجون التحكم بالطلب الذي انخفض بسبب فيروس كورونا، بقي أمامهم خياران للحفاظ على الأسعار، وهما تخفيض الإنتاج، والتخزين.

بعد اجتماع استمر نحو 6 ساعات أعلنت منظمة الدول المصدرة للنفط(أوبك) مع وروسيا في 10 نيسان تخفيض الإنتاج بمقدار 9.7 مليون برميل يوميا اعتبارا من أيار حتى نهاية حزيران، وهو رقم تاريخي كما تم وصفه في ذلك اليوم.

لكن "الصفقة التاريخية" لم توقف تراجع أسعار النفط بسبب الانخفاض الحاد في الطلب والذي يقدر بنحو 29 مليون برميل في نيسان الجاري، أي ثلاثة أضعاف التخفيضات التي وعدت بها أوبك.

بالنسبة لمعظم المنتجين يسبب إغلاق الآبار تلفها، ما يجعلها غير منتجة في المستقبل، وبهذا يكون البيع بسعر متدني أو التخزين أقل ضرراً على المدى الطويل من وقف النفط المتدفق من باطن الأرض.

صهاريج تخزين النفط الخام في أوكلاهوما، الولايات المتحدة (رويترز)

التخزين

قد يكون العامل الرئيسي الذي حافظ على أسعار "برنت" فوق الصفر، هو التخزين، فبعد ساعات من الهبوط الحاد، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب "ندرس الاستفادة بملء الاحتياطي الاستراتيجي من النفط ونتطلع إلى وضع 75 مليون برميل فيه، وبذلك نكون قد ملأنا بأسعار ممتازة".

تتوجه ملايين براميل النفط الآن إلى الخزانات حول العالم، التي من الممكن أن تمتلئ خلال أسابيع أو أيام، في ظاهرة يطلق عليها تجار النفط اسم (Tanks Tops).

وترصد الأقمار الصناعية وضع خزانات النفط، وتعتمد شركات التحليل على صورها لتقدير مخزونات النفط العالمية. ويمكن بشكل بسيط حساب الظل وقطر الخزان لمعرفة طاقته الاستيعابية.

وإذا ما انحسر الظل داخل خزانات النفط في جميع أنحاء العالم، ستكون النتيجة أسعار نفط قريبة من الصفر، وفي بعض الحالات يمكن أن تصبح سلبية.

منتصف نيسان الجاري وصل مخزون العالم من النفط إلى نحو 3.2 مليارات برميل، وفق شركة (Orbital Insight)، التي تستخدم تحليل صول الأقمار الصناعية، لرصد حركة النفط.

حجم النفط المخزن حول العالم خلال العام 2020 والأعوام السابقة.

وتقدر شركة "تانكرز تريكر" التي تستخدم نفس التقنية في تتبع شحنات النفط، امتلاء الخزانات حول العالم بنسبة تتراوح 76 – 100 بالمئة، ومنها خزانات السعودية والإمارات.

مع هذه الندرة توجه بعض المنتجين والتجار إلى تخزين النفط في السفن (Floating storage)، أو سلوك خيارات إبداعية أخرى مثل تخزين النفط في عربات النقل على سكك الحديد.

امتلاء خزانات النفط في الجعيمة بالسعودية.

بسبب الأسعار المتدنية أفلس في العام الماضي نحو 50 بالمئة من منتجي النفط الأميركيين الذين يعتمدون على النفط الصخري ذي الكلفة المرتفعة وفق مجلة إيكونيميست.

مع أزمة فيروس كورونا يتوقع أن يستمر انحدار أسعار النفط، حتى تخرج الأسعار المتدنية منتجين كبارا من المنافسة، أو تظهر أزمة عسكرية، في منطقة حيوية تؤثر على إمدادات النفط، كما حصل في اليومين الماضي، عندما ارتفعت العقود الآجلة للنفط في أعقاب أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب للبحرية بتدمير أي زوارق إيرانية تضايق السفن الأميركية في الخليج العربي.