من إدلب إلى ليبيا: هذه أمنيات السوريين

مقاتلون مِن الجيش الوطني السوري (إنترنت)

2019.12.31 | 17:12 دمشق

أثار البيان الذي وقعه العشرات من المعارضين والثوار رفضاً للمعلومات التي تحدثت عن إمكانية إرسال تركيا مقاتلين سوريين إلى ليبيا، أثار حفيظة بعض قادة الجيش الوطني ووجوه من المعارضة الأكثر التصاقاً بأنقرة.

ادعى الغاضبون أن البيان يتحدث عن أمر غير موجود، وأصروا على أن المعلومات التي تم تداولها خلال الأسبوع الماضي حول هذه المسألة ليست سوى شائعات "مغرضة"، ولذا فهم لم يترددوا في اتهام كل من عبر عن رفض هذا الطرح بأنه يساهم في تشويه صورة الجيش الوطني، والإساءة لتركيا والوقوف بصف خصومها..الخ، وهي التهم التي باتت سلاحاً يرفع بوجه كل من يوجه انتقاداً أو ملاحظة لمؤسسات المعارضة أو يطالب باصلاحها.

بمرور الوقت بدا أن هذا التوجه لدى أنقرة حقيقي وإن لم يكن قد أقر بعد، وتقرير وكالة رويترز الذي نشر يوم الإثنين الفائت نقلاً عن أربعة مصادر تركية، وما تلاه من مصادر أخرى يؤكد المعلومات التي تداولها إعلام المعارضة السورية بهذا الخصوص، مع الإشارة طبعاً إلى حجم التزوير والتلفيق الذي بني على هذا الخبر، كنشر فيديوهات عن مقاتلين أو أسرى للجيش الحر في ليبيا ليست حقيقية.

لقد اعتبر أحد المسؤولين في الجيش الوطني أن البيان والموقف العام تجاه هذه القضية "صادم"، بذريعة أن لا أساس لها من الصحة. والواقع إن رفض البيان واعتباره صادماً هو الأمر الصادم، وبينما كان على هذا المسؤول وكل قيادات المعارضة أن تشعر بالسعادة والارتياح تجاه الرفض الشعبي العام لتجنيد مقاتلين سوريين كمرتزقة في الحرب الأهلية الليبية، حتى وإن كان الأمر مجرد طرح، بل حتى وإن كان مجرد شائعة، فإنهم هاجموا المعترضين على الفكرة ووجهوا لهم الاتهامات!

لقد عبرت الغالبية الساحقة من السوريين عن موقف مبدئي سام برفضهم حتى القبول بمناقشة هذه القضية، وكان حري بقادة المعارضة، أن يروا في هذا الموقف الشعبي سنداً صلباً يعفيهم من الحرج في نقاش هذه المسألة مع حليفتهم تركيا، سواء أكانت قد طُرحت بالفعل أم لم تطرح من قبل أنقرة بعد، إلا إذا كان هناك بين هؤلاء القادة من يوافق فعلاً عليها!

أكبر إساءة لحقت بالقضية الفلسطينية تسببت بها الفصائل التي قبل كثير منها بالقتال لصالح دول وأنظمة أخرى

إن أكبر إساءة لحقت بالقضية الفلسطينية تسببت بها الفصائل التي قبل كثير منها بالقتال لصالح دول وأنظمة أخرى، ابتداء من المشاركة في الحرب الليبية التشادية، مروراً بالقتال إلى جانب صدام حسين في غزو الكويت، وقبل ذلك المشاركة في الحرب الأهلية اللبنانية، وبعد ذلك استخدام بعض هذه الفصائل من قبل حافظ الأسد بمواجهات بينية، وليس انتهاء بتجنيد مئات الشبان الفلسطينيين للقتال إلى جانب النظام في حربه على الشعب السوري، وكلنا يعرف مدى الأثر السلبي الذي خلفه ذلك على الفلسطينين وقضيتهم.

إن أقسى ما يواجهه السوريون اليوم في كل الدول التي لجؤوا إليها، وخاصة دول الجوار والبلدان العربية، هو اتهامهم بالهرب من المعركة وترك بلدهم نهباً للآخرين، فكيف سيكون الأمر إن حصل وقبل بعضهم بالفعل القتال خارج الحدود ومن أجل قضية ليست قضيتهم؟!

الطامة الكبرى أن هذا الطرح يأتي في الوقت الذي تتعرض فيه إدلب لهجوم ساحق من قوات النظام وحلفائها الروس والإيرانيين من أجل القضاء على آخر معاقل الثورة أو ما تبقى منها، ناهيك طبعاً عما تسببت به هذه الحملة من أرقام مفزعة على صعيد الضحايا والمهجرين، الأمر الذي كان يجب معه أن يكون رفض هذا الطرح وإدانته والتبرؤ منه موقف لا يقبل التردد أو التأخير حتى وإن كان مجرد فكرة، بل حتى وإن كان عبارة عن إشاعة بالفعل، لا أن يصبح الرفض خطيئة!

تستطيع تركيا كدولة مستقرة وقوية أن تجد بدائل كثيرة لخيار تجنيد مقاتلين سوريين في صفوف القوات التي تنوي إرسالها إلى ليبيا من أجل حقيق مصالحها القومية أو الحفاظ على هذه المصالح هناك، لكن السوري، وخاصة ذلك الذي يفترض أنه حمل السلاح دفاعاً عن قضيته العادلة بوجه الظلم والديكتاتورية، يفترض أنه بأمس الحاجة للدعم والمساندة لا العكس، فعندما يتعرض منزلك للحريق، أولى بك أن تكافح لإطفائه وإنقاذ أطفالك وأسرتك بدل أن تتوجه للمساعدة بإطفاء حرائق الآخرين. 

إن أقصى ما يمكننا فعله للأشقاء الليبيين اليوم هو أن نتمنى لهم تجاوز محنتهم والتمكن من إنقاذ بلدهم والالتقاء على مصلحتهم الوطنية وأن يجدوا نقاط التقاء تضع حداً للحرب المستعرة هناك، والانتقال الحقيقي إلى دولة عصرية تحقق الازدهار والحياة الكريمة لكل أفراد الشعب، فكل شعب عربي ينتصر ويحقق طموحاته في الحرية والديمقراطية يعني انتصاراً آخر لمعركة الربيع العربي التي يخوض السوريون الجزأ الأهم والأخطر منها.