إيران..  والضربة القاضية من المصارع "ترامب"!

"الأولويات الأمريكية تتّجه نحو كسر العمود الفقري للنظام الإيراني" (إنترنت)

2018.08.22 | 10:08 دمشق

يبدو أنّ طبولَ الحربِ بدأت تقرع بشكل علني وبوتيرة سريعة ضدّ إيران، ابتداءً من مطالبة إسرائيل بابتعادها عن حدودها، وخروجها فيما بعد من سورية، بشكل نهائي؛ وهذا ما تُرجمَ منذ أشهر من خلال الضربات العسكرية التي شنّتها إسرائيل بحق التواجد الإيراني في سورية.. فضلاً عن  فرض الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً عقوبات اقتصادية جديدة، وقاسية، تزيد من عزلة طهران الدولية والإقليمية،  بسبب سياساتها الدموية والتوسعية التي تنتهجها في عدّة دول عربية، ودعمها للميليشيات الطائفية الإرهابية بشكل مباشر.

فمعنى أن يتم تشكيل مجموعة عمل خاصة بشأن إيران _ لوضع حدٍّ لسلوكها الخبيث _ كما جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي " مايك بومبيو"، يترأسها مدير التخطيط السياسي لوزارة الخارجية الأمريكية "براين هوك"، هو أنّ أمريكا مُقْدِمة على تشريح إيران بشكل "وجبات"، تطول زمنياً أو تقصر، بحسب ردود الفعل الداخلية الإيرانية المُهمّة لواشنطن؛ أي الشعب الإيراني، وأيضاً، ردود أفعال الحلفاء "المفترضين" لإيران، روسيا والصين، اللذان باتا ضمن لعبة مفاوضات وضغوطات واضحة وعلنيّة مع إدارة ترامب، حول التنازل عن دعم النظام الإيراني المترنّح، مقابل مكاسب سياسية واقتصادية؛ يضاف إلى ذلك، مواقف بعض دول الاتحاد الأوروبي، التي أضحت ترى بالتفرّد الأمريكي عائقاً شائكاً أمام مصالحها في دول الشرق الأوسط. 

الحصار الاقتصادي الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية ضدّ (خصومها) ناجع ولكنه يفتك فقط بالشعوب

النظام الإيراني يعي كل هذا الخطر المحدق به، ويعرف جيداً لعبة الأمريكان وأبعادها التي تهدف إلى تفكيك إيران من الداخل، عبر دفع الشعب الإيراني إلى التمرّد بسبب هذه العقوبات الاقتصادية التي توصله إلى ما تحت خط الفقر واليأس، وكل هذه العوامل، مجرّبة تاريخياً، ضد إيران ذاتها عام 1979، وفي كوبا عام 1960 والعراق وليبيا، والسودان وكوريا الشمالية...؛ أي أنّ الحصار الاقتصادي الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية ضدّ (خصومها)، ناجع، ولكنه يفتك فقط بالشعوب، أما الأنظمة المستهدفة، فهي بمنأى عن هذه العقوبات، لما تتمتّع به من ثروات فاحشة وأرصدة بنكيّة تكاد لا تنفد حتى لو "تمّ حرقها" كما يقال بالمثل الشعبي.

فمهما أرغى النظام الإيراني وأزبدَ ، وتوعّد بالردّ، وعدم الاكتراث لتهديدات واشنطن، مباضع "ترامب" سوف تعمل عملها لاستئصال الورم الخبيث "رجالات الولي الفقيه" والحرس الثوري الإيراني، داخل غرفة عمليات كادرها الرئيس بعض الدول الأوروبية وإسرائيل، مع دكتور التخدير الروسي "بوتين"، الذي يحقن النظام الإيراني منذ مدّة  بجرعات متواترة، كي يتم تحقيق هدف العملية بنجاح، حتى لو أصبح الجسم  الإيراني في خطر، مريضاً، بسبب تداعيات هذه العملية الصعبة.

وعودةً إلى مجموعة العمل الخاصة بشأن إيران، فإن الطوق الخانق الذي سوف يوضع حول عنق الفاعلين في النظام الإيراني، يتمثّل بعد العقوبات الاقتصادية، بشيطنتهم، وكشف ملفات جنائية وانتهاكات في الداخل والخارج الإيراني، لملاحقتهم قانونياً، منها عمليات الاغتيال التي نُفِّذت بحق معارضين ونشطاء إيرانيين طيلة أربعين عاماً، منذ "ثورة الخميني" حتى الآن، وعمليات  تفجير داخل أوروبا، آخرها محاولة تفجير مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس ؛ علاوة على ذلك، تسعى هذه المجموعة إلى تنسيق إجراءات أمريكا ضدّ طهران، ومراقبة أي دولة، واحتمال فرض عقوبات عليها في حال اختراقها للعقوبات المفروضة على إيران بشكل مباشر أو غير مباشر.

إذن، تعويل إيران على حلفائها وشركائها التجاريين في أوروبا، لن يحصد سوى الوهم، فالجميع يدرك جيداً، أنّ الأولويات الأمريكية الآن، كلّها تتّجه نحو كسر العمود الفقري للنظام الإيراني، حتى لو أنّ الخارجية الأمريكية لم تصرّح بإسقاط النظام في إيران، نجد أنّ كل هذه التحركات، تشي إلى ذلك؛ وأقرب مثال ينطبق على هذا الأسلوب، هو إسقاط النظام العراقي عسكرياً، بعد حصار طويل الأمد، وتركه منذ عام 1990 إثر غزوه للكويت دون اجتثاثه بشكل مباشر حتى عام 2003.

وقد أيقنَ الأوروبيون، أنّ "ترامب" عازم إلى ضرب النظام الإيراني ضربةً لا يستفيق بعدها، لذلك، من المسلّمات أن يرضخوا بأقل الخسائر لرغبة الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة هذا المجنون، الذي سوف يعمل على تغيير النظام العالمي، ابتداءً بإيران، وتفكيك قدراتها العسكرية وشلّها بشكل كامل في الدول العربية وبعض دول أفريقيا، وصولاً إلى تهديد تركيا اقتصادياً وسياسيّاً بذريعة احتجاز القسّ الأمريكي " آندرو برانسون" لديها. 

كل هذه الأحداث والمتغيرات الجذرية في العالم تقود إلى ولادة نظام عالمي جديد بقيادةٍ أمريكية

وقد يقول البعض، إنّ مصطلح تغيير النظام العالمي مبالغٌ فيه، وهذا استنكار مشروع، لكن إذا نظرنا إلى تواتر الأحداث في الوطن العربي، منذ عام 2011 " الثورات العربية".. إلى عودة الــ"دبّ الروسي" الساحقة للساحة العالمية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والسياسات الجديدة في دول الخليج، وأهمّها السعودية، نرى أنّ كل هذه الأحداث والمتغيرات الجذرية في العالم، تقود إلى ولادة نظام عالمي جديد، بقيادةٍ أمريكية (الدينامو الرئيس لأغلب الأحداث)، نظام القطب الواحد، المتفرّد، الذي يتحكّم بالسياسات الدولية الخارجية، وخاصةً الاقتصادية منها.

ورغم تخوّف روسيا، ودول أوروبا مع بعض دول شرق آسيا كالـ"الصين واليابان وكوريا الشمالية "من الهيمنة المُطلقة للولايات المتحدة الأمريكية على قراراتها، لابدّ من قبولهم بالواقع والمخطّط الأمريكي الحالي؛ وقد تتعارض المصالح بينهم، حول توجيه ضربات عسكرية مباشرة ضد إيران، إن كانت أمريكية أو إسرائيلية، لكن في النهاية، إن لم ترضخ إيران لمطالب واشنطن، ستكون الوجبة القادمة ضدها عسكرية، تزامناً مع الحصار الاقتصادي، حتى لو عارض العالم بأجمعه، ولن تستطيع إيران فعل أي شيء، حتى تهديداتها بإغلاق مضيق "هرمز"، لم تكن سوى للاستهلاك الإعلامي، وهي على يقين أنّ هذه الخطوة الرعناء، سوف تفتح عليها باب الجحيم، الذي يفضي لتدميرها، واصطفافها إلى جانب سورية وأفغانستان والعراق.