الموت الرخيص والموت الثمين.. ثنائية التراجيديا السورية!

2021.09.21 | 06:48 دمشق

thumbs_b_c_25c26d596c0142b20ffccb47feba9f9a.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ عقود خلت، أي ما يقرب من خمسين عاماً، والسوريون يعيشون مأساة مشتركة، تحت حُكم "عائلة الأسد" الاستبدادي؛ بين التفقير والتجهيل، والتهميش، وإقصاء الكفاءات، علاوة على تكميم الأفواه، وعدم السماح لأي سوري كان، أن ينتقد حتى لو بإيماءة، سياسات نظام الأسدين!

لكن، عقب عام 2011، آنذاك، عندما تحوّلت الثورة السورية السلمية إلى حرب أرادها نظام الأسد الوريث، وحلفاؤه، تفاقمت أوجاع السوريين، بل أصبح الشعب السوري مثار شفقة، وتعاطف لدى أغلب شعوب العالم، وتصدّرت مأساة السوريين لفترة طويلة شاشات الإعلام، وأيضاً، اهتمامات بعض دول الغرب، وخاصةً القوى الكبرى، من الناحية الإنسانية. أما عن الشأن السياسي، في سوريا، لم ترقَ قرارات الأمم المتحدة، ولا حتى اجتماعات مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية، إلى حجم الكارثة الإنسانية والدمار، والدماء المهرقة على أيدي قوات نظام الأسد، والميليشيات الإيرانية الطائفية، والقوات الروسية لاحقاً!

كان الموتُ في سوريا، "أرخص السلع"، ومعروضاً في الشوارع، والأقبية.. يتجرّعه كثير من السوريين، بشكل يومي، ولا يترتّب على أي سوري، أن يدفع ثمناً – سوى حياته، لتكون حياة المواطن السوري زهيدة الثمن، بنظر ساسة القوى الكبرى، التي لم تنفك تطالب برحيل بشار الأسد وزمرته، فقط عن طريق المؤتمرات، والتصريحات الإعلامية، دون أن يعملوا بجدّية لإيقاف شلال الدماء المتدفق، والآلة العسكرية التي تدكّ المدن والقرى، فوق رؤوس الأطفال والنساء، والأبرياء!

خلال عشر سنوات تقريباً، مرّت على السوريين، كانت قاسية جداً وكارثيّة، شاهد الجميع مجازر كثيرة، وكبيرة، إحصاء ضحاياها قد يكون صعباً، لما هناك من مجازر جماعية ارتكبت، وهي مخفية، لم تكتشف حتى الآن؛ أما عن المجازر الشهيرة، التي لم تحرّك دول حقوق الإنسان والديمقراطية، كانت دليلاً على القوانين الجوفاء التي تتغنّى بها الأمم المتحدة! مثال: مجزرة مدينة داريا في آب 2012، والتي قتل فيها أكثر من 500 مدني، بعد حصار وقصف لستة أيام، ومن ثم شنّت قوات نظام الأسد هجوماً واسعاً على المدينة. إضافةً إلى مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية عام 2013 التي تسببت بمقتل أكثر من 1400 مدني اختناقاً أغلبهم من الأطفال والنساء، ومجزرة جديدة الفضل في نيسان 2013 وقتل خلال أربعة أيام 483 مدنياً، أغلبهم نساء وأطفال وشيوخ، على أيدي قوات الحرس الجمهوري والشبيحة". وأيضاً، بمجزرتي الجورة والقصور في دير الزور، حيث قتل آنذاك أكثر من 158 مدنياً. وثمة مجازر عديدة، لا تقلّ بشاعةً ودموية عن سابقاتها؛ كل هذه الانتهاكات ضد الإنسانية وجرائم الحرب، لم تثنِ المجتمع الدولي وتدفعه إلى العدول عن قراره الصامت تجاه أفاعيل نظام الأسد... هذا الأخير، الذي وجدَ أن الجميع يتفرج، ويكتفي بالتنديد والشجب، والتوصيات عبر مندوبي الأمم المتحدة، والمبعوثين إلى سوريا، "استذأب" أكثر، وعمد إلى رفع وتيرة القمع والقتل، وخاصةً في السجون والأقبية الأمنية!

سوريون يموتون غرقاً بحثاً عن الأمان، وآخرون برصاصة لا يتجاوز ثمنها دولاراً واحداً، ومنهم من يموت من جرّاء انفجار صاروخ ذكي، ومتطوّر، تبلغ كلفته مئات ألوف الدولارات!

طبعاً، الجانب الآخر من المأساة، الذي يوازي عمليات القتل والقمع، يتمثل في التهجير القسري، والتغيير الديمغرافي، وطمس الهوية السورية، عبر مخططات أغلبها إيرانية محضة، للتخلّص من الحاضن الأساسي للثورة، وتقليص أو محو الدوافع والأهداف الأساسية التي كانت عماد الانتفاضة ضد الأسد ونظامه. فضلاً عن ذلك، تم استهداف الجيش الحرّ، الذي كان نواةً لجيش وطني يحلم فيه جميع السوريين، حيث إن دولاً عظمى، وأخرى إقليمية، أرادت جرّ قضية الشعب السوري السامية إلى حرب "مؤدلجة"، وهذا ما كان حقاً؛ طبعاً، لنظام الأسد وحلفائه دور كبير في ذلك، فشاهدنا "تنظيم الدولة الإسلامية-داعش"، و"جبهة النصرة"-هيئة تحرير الشام حالياً، و"جيش الإسلام"، وغيرهم من فصائل وألوية عسكرية تحمل طابعاً جهادياً، أثّرَ بشكل غير مسبوق على مسار الثورة ومصائر السوريين!

أما المصير المحتوم، للسوريين، حتى الآن لم يتضح، فهو عالق بين مفاوضات الدول الكبرى، والمصالح التي تتقدّم على كل شيء إنساني، وهذا خبرناه نحن السوريين طيلة عقد من الزمن تقريباً! فأصبح الموت كما ذكرنا، مجانيّاً، مقابل الحياة المعيشية المكلفة والاقتصاد المنهار، وغلاء كل شيء، باستثناء الدم السوري! فهنالك سوريون يتعرضون لميتة رخيصة، وغيرهم يتعرض لميتة مُكلفة وباهظة الثمن، وهنا ليس استهتاراً بأرواح السوريين، إنما من باب الإشارة إلى التراجيديا، أو الكوميديا السوداء: سوريون يموتون غرقاً بحثاً عن الأمان، وآخرون برصاصة لا يتجاوز ثمنها دولاراً واحداً، ومنهم من يموت من جرّاء انفجار صاروخ ذكي، ومتطوّر، تبلغ كلفته مئات ألوف الدولارات! وسوريون فقدوا حيواتهم بسكاكين الطائفية، وتحت التعذيب، والحصار!

إنها فعلاً، من مؤثرات و"خدع" سينما الحرب الحقيقية، والممثلون هم السوريون-الضحايا، والمخرج كانت أميركا، صاحبة القرار، التي لم تضف إلى السيناريو السوري مشهداً مُفرحاً، يفضي إلى الخلاص. هذا السيناريو الذي كتبت أغلب مشاهده القوى الفاعلة بالملف السوري، أصبح أكثر دموية وشراسة، ورغم ذلك، آثر الجميع أن تكون القصة قاتمة، ولم ينتهِ مشهد حقوق الإنسان المعهود، والمطالبة بالمساعدات الإنسانية، بالتزامن مع استمرار القتل والقصف، وحصار المدن، وتهجير ما تبقى من السوريين إلى المجهول!