إن المتابع لمسيرة السيد بيدرسن المهنية يرى بوضوح تعدد المناصب الدبلوماسية والإدارية التي شغلها منذ انضمامه للعمل في السلك الدبلوماسي النرويجي عام 1985 بعد حصوله على ليسانس فلسفة من جامعة أوسلو. وبحكم انتمائه إلى حزب العمال في (النرويج) انضم إلى فريق تاريه رود لارشن الدبلوماسي النرويجي الرهيب الذي كان أحد الشخصيات الرئيسية التي هندست وقادت مفاوضات اتفاقيات أوسلو في التسعينات بصفته مديراً لمؤسسة فافو.
كان طموح السيد بيدرسن أن يسير على خطى السيد لارشن وفعلا تم له ذلك في ما بعد، حيث أصبح من مشاهير الدبلوماسية الدولية. لكن في فترة التحضير لمفاوضات أوسلو كان دور السيد بيدرسن أكبر من مجرد موظف يسعى إلى تأمين أماكن اللقاءات السرية للفريقين بالاتفاق مع أندية الأثرياء النرويجيين (الروتاري) والتي تم معظمها في مزارع كبيرة أشبه بقصور نبلاء القرون الوسطى خارج حدود مدينة أوسلو، في أماكن مخفية محاطة بالغابات والبحيرات، أماكن منعزلة لكنها محروسة أمنياً بشكل دقيق من قبل قوات الأمن والجيش النرويجي والشرطة السرية. ومكافأة للسيد بيدرسن على نشاطه هذا تم تعينه ما بين ١٩٩٣ - ١٩٩٥ كرئيس لمركز الدراسات الدولية في مؤسسة فافو. هذه المؤسسة البحثية الصغيرة لكنها الفعّالة جدا والتي كانت وراء مفاوضات أوسلو، فهي كمركز دراسات بحثي استطاعت تقديم اقتراحات ودراسات حول عملية سلام على نمط اتفاقيات أوسلو بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية. على حين أن المركز الرسمي النرويجي لدراسات السلام كان يقدم وجهة نظر مختلفة ولا تتفق مع مؤسسة فافو، حيث أعلن أنه لا يمكن لسلام في القضية الفلسطينية أن يتم من دون إشراك الدول المحيطة بفلسطين وحل شامل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وعودتهم إلى ديارهم من بلدان الشتات.
ما بين عام 1998 – 2003 شغل السيد بيدرسن منصب مستشار وزاري في سفارة النرويج في تل أبيب، لينتقل بعدها ما بين 2003-2008 ليعمل في الأمم المتحدة كمبعوث شخصي للأمين العام في جنوب لبنان ثم المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان. خلال هذه السنوات لا بد أن السيد بيدرسن استطاع أن يكوّن تجربة معقولة فيها معرفة كافية بالطريقة التي تدار فيها الأمور السياسية والأمنية في الشرق الأوسط وتحديدا في سوريا ولبنان أي (عند حزب الله والنظام السوري). ولا يمكن تبرير ضعف أدائه الدبلوماسي وغياب الحزم والوضوح في التعاطي مع هذه الأطراف.
إن السيد بيدرسن يجيد الكلام كثيراً وخاصة الجمل الدبلوماسية "المتفائلة" لكنه أولاً وأخيراً هو ابن المؤسسة الدبلوماسية. ابن الأمم المتحدة. إنه الموظف (الأممي) الملتزم والذي لا يحيد عن الدرب المرسوم له
في مقابلة للتلفزيون النرويجي الرسمي بتاريخ 1 نوفمبر 2018 يقول السيد بيدرسن: إنه عند سماعه خبر تعينه في المنصب الصعب للغاية كمبعوث خاص للأمم المتحدة إلى سوريا. يقول إنه لم يستطيع أن يقول لا ويرفض هكذا مهمة وهو يعرف أنها مهمة جديدة ومتطلبة جدا لكنه يأمل أن يساعد في إنهاء الصراع، وسيحاول تسهيل التوصل إلى حل سلمي للحرب الأهلية المستمرة منذ سبع سنوات والتي أودت بحياة مئات الآلاف وأجبرت الملايين على الفرار، "إن هذا تحدٍ لا يمكنني رفضه، ولا سيما إذا كان بإمكاني المساهمة في إنهاء أحد أكثر النزاعات عنفا التي أثرت على العالم في السنوات الأخيرة".
إن السيد بيدرسن يجيد الكلام كثيراً وخاصة الجمل الدبلوماسية "المتفائلة" لكنه أولاً وأخيراً هو ابن المؤسسة الدبلوماسية. ابن الأمم المتحدة. إنه الموظف (الأممي) الملتزم والذي لا يحيد عن الدرب المرسوم له والذي أرسلته النرويج إلى الصين كسفير سنة 2017 ذهب إلى بكين للمساعدة في تطبيع (خفض التصعيد) في العلاقات بين النرويج والصين، حيث جاءها مباشرة بعد خمس سنوات قضاها في نيويورك كسفير للنرويج لدى الأمم المتحدة.
أتمنى أن يزور السيد بيدرسن عندما يكون هنا في النرويج الجنرال مود ويستمع إليه، علّه يتعلّم منه قليلاً
أكثر من أربع سنوات مرت الآن على تعيين السيد بيدرسن مسؤولاً للملف السوري ولم يحرز في الواقع أي تقدم بخطوة واحدة في اتجاه تخفيف معاناة الشعب السوري، لا نسمع إلا كلاماً من صاحب دبلوماسية "الخطوة بخطوة". والأب الروحي لجماعة "اللجنة الدستورية" و"هيئة التفاوض".
في مطلع إبريل 2012 زار الجنرال النرويجي روبرت مود سوريا بصفته (مبعوث الأمم المتحدة مع كوفي عنان) وقال في تعليقه على الدمار "إنني لم أشاهد هكذا دمار منذ الحرب العالمية الثانية". يكاد يكون العميد روبرت مود المراقب الأممي الوحيد الذي انتصرت كرامته على "دبلوماسيته" غادر سوريا واستقال من وظيفته بعد أن أعلن مبكّراً ما قصده "لا يمكن التعامل مع هذا الرئيس الولد، فهو غير جاد في أي شيء إلا في قتل شعبه".
أتمنى أن يزور السيد بيدرسن عندما يكون هنا في النرويج الجنرال مود ويستمع إليه، علّه يتعلّم منه قليلاً.