عندما استهدف الجيش الأميركي ماهر العقال، زعيم تنظيم "الدولة"، بضربة جوية بطائرة مُسيرة شمالي سوريا في شهر تموز "كانت هناك فرصة ضئيلة لعدم إصابة الهدف. والسبب هو الثأر".
وقالت وكالة رويترز، في تقرير نشرته اليوم، إنه مع تحصن بقايا "داعش" في مناطق نائية، لجأت الولايات المتحدة إلى مساعدة رجال العشائر "التواقين للثأر من الفظائع التي ارتكبها التنظيم المتشدد عندما سيطر على مساحات شاسعة من سوريا والعراق".
ونقلت الوكالة عن أحد الأشخاص الذين تعقبوا العقال قوله إنه "مع استمرار تعطش عشيرة الشعيطات للثأر بعد ثماني سنوات من قيام التنظيم المتشدد بذبح المئات من أبنائها، قام رجال من العشيرة في سوريا بزرع جهاز تتبع على الدراجة النارية التي كان يركبها العقال عندما قُتل".
وأشارت الوكالة، نقلاً عن "ضابط مخابرات غربي" في المنطقة، إلى إن "أقارب من العشيرة كانوا على اتصال بأسرة زعيم داعش ويراقبونه سراً منذ شهور في شمال سوريا.
وقال الشخص، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية: "انتقمت بالدم لأبناء عشيرتي الذين صلبهم (تنظيم) داعش وأعدمهم وقطع رؤوسهم بلا رحمة. هدأت النار في قلوبنا".
وبحسب رويترز، فإن ثلاثة مصادر استخبارية غربية وستة مصادر عشائرية قالت إن رجال العشائر العربية في سوريا الذين يسعون للثأر أصبحوا الآن جزءا من شبكة متنامية من الجواسيس العشائرية والتي تلعب دوراً مهما في حملة الجيش الأميركي لزيادة إضعاف التنظيم.
وقال ياسر الكسّاب، أحد زعماء العشائر من بلدة غرانيج في منطقة دير الزور، إن "شبكات المخبرين هذه تعمل مع الأميركيين الذين يزرعونها في كل مكان"، مضيفاً: "مخبرون من نفس العشيرة يرشدون عن أبناء عمومتهم في الدولة الإسلامية".
ورداً على سؤال حول دور المخبرين العشائريين في سوريا، قال مسؤول عسكري أميركي لرويترز إن الاستهداف استند بالكامل تقريباً إلى معلومات استخبارية بشرية في العملية التي استهدفت العقال.
وأضاف: "هذا أمر يتطلب شبكة عميقة في المنطقة".
شبكة عميقة
أطلع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضابط المخابرات الغربية، الذي أكد رواية اغتيال العقال والفترة الطويلة لتعقب رجال العشائر قبل الضربة، على الدعم العشائري لأنشطة مكافحة التمرد.
وقال الجيش الأميركي، الذي ينشر نحو 900 جندي في شمال شرقي سوريا، إن العقال كان أحد خمسة من كبار قادة الجماعة وكان مسؤولاً عن تطوير شبكات "داعش" خارج العراق وسوريا.
وقالت القيادة المركزية الأميركية في ذلك الوقت إن الضربة ضد العقال جاءت بعد تخطيط مكثف.
وذكرت مصادر مخابرات غربية وإقليمية وثلاث شخصيات عشائرية بارزة إنه مع مقتل أو اعتقال العديد من قادة "داعش" الأجانب، أصبح السوريون أكثر أهمية في قيادته مما جعل المتشددين أكثر عرضة للاختراق من جانب أقاربهم السوريين الراغبين في تصفية الحسابات.
وبينما تقول أربعة مصادر مطلعة على عملية جمع المعلومات الاستخباراتية إن الأموال تُدفع في بعض الأحيان مقابل المعلومات، فإن العديد من المخبرين مدفوعون بالثأر من الفظائع التي ارتكبتها الجماعة في ذروة قوتها، بحسب الوكالة.
وُجنّد بعض المخبرين من جانب وسطاء عشائريين كانوا بالفعل جزءاً من الشبكة. وقال الكسَاب زعيم عشيرة الشعيطات إن آخرين كانوا يساهمون بشكل مباشر عبر خط هاتفي أنشأه التحالف لتلقي المعلومات.
من جانبه أكّد الضابط العسكري الأميركي أن المبلغين تلقوا أموالاً، لكنه لم يخض في تفاصيل.
وقالت خمسة مصادر عشائرية إن الشبكات القبلية التي تمولها الولايات المتحدة اخترقت الخلايا النائمة"لداعش" وجمعت بيانات عن مجندين جدد من بينهم رجال عشائر في بعض الحالات. وأكد ضباط المخابرات الغربيون الثلاثة ومسؤول أمني إقليمي رواياتهم.
وينتمي العديد من الجواسيس إلى عشيرة الشعيطات، وهي فرع من أكبر قبيلة في سوريا، العكيدات (العقيدات)، التي قاتلت مع القوات المدعومة من الولايات المتحدة لطرد تنظيم "داعش" من أجزاء بشمال شرقي سوريا وسيطرت معها على مدينة الرقة بعد معركة طويلة في عام 2017.
وقال سامر الأحمد، وهو خبير في شؤون الجماعات الجهادية والعلاقات العشائرية: "يريدون الثأر، لذا يلجؤون إلى التعاون مع أقاربهم لتسريب المعلومات وإعطاء مواقع زعماء داعش. يستخدمون العلاقات القبلية في ملاحقة عناصر التنظيم الذين تورطوا في قتل أقاربهم".
مخابرات بشرية
بدوره ذكر أحد ضباط المخابرات الغربية أن معلومات المخابرات البشرية، على عكس المعلومات التي يتم جمعها من أجهزة مثل الهواتف المحمولة، أصبحت الآن حاسمة لأن المتشددين يتجنبون بشكل متزايد وسائل الاتصال المعرضة للمراقبة.
وأضاف الضابط المطلع على بعض الجهود السرية: "معظم العناصر الجديدة لا تستخدم الهواتف المحمولة أو الأجهزة التي كانت وراء الضربات السابقة للجهاديين الأجانب".
وقال المسؤول العسكري الأميركي إن مثل معلومات المخابرات البشرية هذه كانت "حاسمة" في حملة قتل واعتقال كبار المتشددين في سوريا منذ بداية العام ولعبت دوراً رئيسياً في قضية العقال.
وأضاف: "في كثير من الأحيان، تكمل معلومات المخابرات البشرية الأشكال الأخرى من المعلومات، المعلومات التي تلتقطها من هناك أو من الإشارات الصوتية ويمكن استكمالها. في هذه الحالة، تقود المخابرات البشرية بالفعل عملية جمع المعلومات".
هجمات الكر والفر
شجعت الضربات الأميركية الناجحة أحمد أسعد الحسوني، وهو شخصية بارزة في عشيرة الشعيطات لا يزال يبحث عن رفات اثنين من أبنائه الأربعة الذين قتلوا على يد "داعش" في 2014 للثأر: "ذبحوا أبنائي وأحرقوا قلوبنا. والله لن أنام حتى يموت آخر مجرم".
وقال سكان إنه على الرغم من افتقار "داعش" بشكل متزايد إلى القدرة على شن هجمات كبيرة فإن وجوده يتزايد في المناطق النائية بدير الزور حيث تتداعى سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).
ونقلت رويترز عن مصادر عشائرية قولهم إن رجالاً ملثمين أقاموا نقاط تفتيش ليلاً مما زرع الخوف في القرى القريبة من مدينة البصيرة على نهر الفرات.
وقال الزعيم العشائري الشيخ بشير دندل إن هجمات الكر والفر على نقاط التفتيش التابعة "لقسد" زادت في الأشهر الأخيرة، كما تسبب في خسائر فادحة في صفوف الميليشيات الموالية لإيران حول تدمر.