دولة فاشلة أم تدويل هل هي خيارات السوريين القادمة؟

2019.12.21 | 16:24 دمشق

لم تمض أيام على تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب حول سيطرته على النفط السوري والتصرف به كما يشاء، حتى أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عن أن بلاده ستصر على استعادة السلطات السورية سيطرتها على أراضي البلاد كاملة، وبأسرع وقت ممكن، بما في ذلك مناطق حقول النفط التي استولى عليها الأمريكيون. ولم يتأخر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، كثيراً عن أن يطلق تصريحاً آخر حول النفط السوري، اقترح فيه: أن يخصص مردود إنتاج سوريا من النفط لإعمار المناطق الحدودية وتجهيزها، حتى يمكنها أن تستقبل ما يزيد عن مليون من اللاجئين العائدين. ومرة أخرى لم تتأخر أمريكا عن إعادة تأكيد وزير دفاعها: إن النفط السوري تحت السيطرة الأمريكية، وإن هناك قوات أمريكية إضافية في طريقها لتعزيز حمايته.

إذاً: ما قصة النفط السوري؟ ولماذا بدأت الروايات والأحاديث والتحليلات تتسابق في تناوله كأنه مغارة علي بابا؟ وكيف انتقل- ومن أين- من إنتاج لا يتجاوز 300 ألف برميل يومياً- حسب دراسات ومعلومات لجهات اقتصادية متخصصة، منها ما يتبع للدولة السورية- إلى أربعة أضعاف هذا الرقم؛ أي إلى مليون ومئتي ألف برميل يومياً؟ هذا، مع أن جميع المعنيين يعلنون: أن توثيق هذا الرقم غير ممكن في ظل

إنتاج النفط في سوريا، قد تزايد بين عامي 1995 و2004 إلى أن بلغ 600 ألف برميل يومياً

التعتيم المتعمد على هذا الأمر سابقاً، ولا سيما أن من يفرض هذا التعتيم، هي الجهة نفسها التي كانت تسيطر فعلاً على النفط، وهي عائلتا الأسد ومخلوف، هذه الجهة التي لم تسمح لأحد- بما في ذلك الحكومة السورية ووزارة نفطها- بمعرفة حجم الإنتاج الحقيقي. ثم- لاحقاً- توارت هويات الجهات المسيطرة عليه، واحتجبت.

تظهر أرقام نشرة Economist Intelligence Unit أن إنتاج النفط في سوريا، قد تزايد بين عامي 1995 و2004 إلى أن بلغ 600 ألف برميل يومياً. وبحسب المعلومات الرائجة، فإن تلك الكميات كانت تصرف في السوق السوداء بأسعار مخفضة عن السعر العالمي، مقابل قبض قيمتها «كاش» بالقطع الأجنبي، وهو ما يبرر عدم الوضوح فيما إذا كانت كامل عائدات النفط تدخل ميزانية الدولة أم لا، وهو- على كل حال- موضوع قد كان من المحظورات في سوريا، ولا يزال.

واللافت في تصريح غريب لمسؤول في وزارة النفط والثروة المعدنية السورية، تحدث فيه عن خطط الإنتاج المقررة لعام 2020، وقد حدد- هذا المسؤول- كمية النفط المنتجة بما يقارب 33 مليون برميل نفط خلال العام؛ أي بما يقارب إنتاج 90 ألف برميل يومياً! وعند سؤاله عن سبب هذا التفاوت في الإنتاج ما بين 24 ألف برميل، هو المنتج فعلاً من الحقول التي تسيطر عليها السلطات السورية، و90 ألف برميل، أجاب: إن السلطات السورية عازمة على تحرير حقول النفط في شمال شرق سوريا من السيطرة الأمريكية الحالية.

إن قراءة سريعة لقصة النفط السوري ما بعد انقلاب حافظ الأسد، تظهر بوضوح: إن قطاع النفط السوري قد كان في قبضة عائلة الأسد منذ عام 1980 حتى عام 2010، وهي بالذات من عهدت بإدارته إلى محمد مخلوف، شقيق أنيسة مخلوف "زوجة حافظ الأسد"، وقد كان هذا الأمر يحاط بالتكتم والسرية التامة؛ إذ حتى العقود التي كانت توقع مع شركات الإنتاج، كانت تتم عبر شركات وسيطة بين الدولة السورية وهذه الشركات، هذه الشركات الوسيطة التي وكلاؤها أو مدراؤها يكونون عادة، هم أنفسهم، أشخاصاً من عائلة مخلوف أو من الموظفين لديهم.

أما الغريب في الأمر، فهو أن كميات النفط المنتجة من حقول النفط السورية، لم تكن

قسماً كبيراً من هذا النفط، قد كان يباع إلى إسرائيل، وأن شحنه قد كان يتم عبر ميناء بانياس إلى "إسرائيل" مباشرة

تسجل بمنظمة الأوبك، كما لم يكشف للسوريين عن الأرقام الحقيقية لكمية إنتاج النفط، وهي التي كانت تباع في السوق السوداء عبر وسطاء دوليين. وأما ما هو أدهى وأمرّ من ذلك، فهو أن بعض التسريبات قد تحدثت عن أن قسماً كبيراً من هذا النفط، قد كان يباع إلى إسرائيل، وأن شحنه قد كان يتم عبر ميناء بانياس إلى "إسرائيل" مباشرة، وأن الأموال المستحقة قد كانت تحول إلى حسابات خاصة بالعائلتين.

ثم- كما هو معروف- بعد عام 2011؛ أي بعد انفجار الثورة السورية، كان قد بدأ يتتالى خروج مناطق حقول النفط عن سيطرة السلطة السورية، ثم بدأت تتكشف- شيئاً فشيئاً- المعلومات التي أخفتها عائلة الأسد عن السوريين طيلة عقود، وهي العائلة التي كانت قد راكمت خلالها عشرات أو مئات مليارات الدولارات. ومع ذلك، إن هذه المعلومات المسربة لا تزال غير كافية، ولا تزال غير قادرة على تفسير هذا الاهتمام الدولي بالنفط السوري.

والأدهى والأمرّ والمؤسف والمخجل في الوقت عينه، هو أن جهة وطنية سورية يمكنها أن توثق حقائق وأرقام هذه الثروة الوطنية التي هي ملك الشعب السوري لم توجد حتى اليوم، هذه الجهة الوطنية التي من حقها وواجبها أن تطالب المجتمع الدولي بحماية هذه الثروة وإيقاف العبث بها، إلى حين يتمكن الشعب السوري من استعادة دولته وقراره الوطني الحر المستقل.

والأدهى والأمر من كل هذا، هو في هذه الدعوات التي تطلق من هنا ومن هناك داعية إلى توزيع مصادر الثروة في سوريا، وإلى إدارتها من قبل أطراف دولية أخرى، مما يجعل من دعاتها ومروجيها خدماً وحشماً حول موائد قراصنة هذا العالم؛ أي بعبارة أخرى: من أجل إعلان سوريا دولة فاشلة كمقدمة لفرض وصاية دولية على ممكناتها وثرواتها؛ فيكونون وكلاء وعملاء وحراس الثريد.

هكذا، لم يعد للسوريين -من غير الخدم والمتواطئين- ما يمكن أن يشكل مورداً اقتصادياً هاماً في حاضرهم ومستقبلهم؛ فالمرافئ تم تأجيرها، والفوسفات قد استولى الروس على عقوده، وكذلك على حقوق التنقيب عن الغاز في الساحل السوري، وفي المياه الإقليمية السورية، وها هو النفط يخرج من السيطرة السورية، هذا عدا الأحاديث المتعلقة بشبكات الاتصال التي ستكون من حصة إيران، إضافة إلى شركات الكهرباء، ومؤسسات النقل داخل سوريا من سكك حديد وغيرها التي ستقود لابد إلى تملك كل ساكن ومتحرك.

وفي ختامها، بعد أن ينتهي كابوس هذه الحرب، وبعد كل هذا الدمار، هل سيجد السوريون أنفسهم أمام حقيقة قاتمة مكفهرة، هي: أن كل ما يملكونه قد تم بيعه، وأن بلادهم المدمرة لم تعد تملك ما يمكن أن يعينهم في العيش وفي إعادة الإعمار...؟