"جوقة يلا".. توحد بين لاجئات سوريات وعربيات عبر الغناء في أيرلندا

عضوات في جوقة يلا للغناء ببيلفاست في أيرلندا الشمالية

2022.12.15 | 17:56 دمشق

نوع المصدر
The Detail - ترجمة: ربى خدام الجامع

في كل أسبوع، تصدح أصوات نسائية بأغان عربية في مركز الفنون الواقع جنوبي بيلفاست بأيرلندا.

فقد جمعت جوقة يلا الأولى من نوعها في أيرلندا الشمالية بين اللاجئات السوريات والسودانيات والأيرلنديات والمهاجرات في تلك الدولة، إذ انطلقت تلك الجوقة في بداية هذا العام على يد التونسية ريم آخونزاده.

تلتقي المغنيات في مركز الهلال للفنون كلَّ يوم سبت، وبينهن حواء حسان وهي طالبة لجوء من السودان، وتعدُّ من المستجدات ضمن هذه الجوقة، كونها أصبحت تقيم في بيلفاست منذ ثلاثة أشهر فقط.

وكغيرها من طالبي اللجوء، تقيم حواء الآن في أحد فنادق المدينة، وعن ذلك تقول: "أحسّ بالأمان هنا، إذ أعيش مع أشخاص أتوا من دول مختلفة في ذلك الفندق، ولهذا فإننا نشترك في التجربة ذاتها".

أما في الغناء، فتعتبر حواء مبتدئة، لكنها تتوق لتعلم المزيد وللتعرف إلى أشخاص جدد، حيث تقول: "الحياة رائعة هنا، والمنطقة هادئة وساكنة، وكل شيء فيها منظم".

المغنية حواء حسان في مركز الهلال للفنون في بيلفاست

أغان بالعربية والإنكليزية

إلا أنه لا يحق لطالبي اللجوء العمل، كما أنهم يحصلون على وجباتهم في أوقات معينة داخل الفندق الذي يقيمون فيه، إذ تقول السيدة ماك كامبريدج: "إن كان لدى النسوة تدريب على الغناء، فلن يجدن ما يتناولنه... ولهذا أتينا بالطعام إلى هنا ليصبح جزءاً من فترة التدريب".

تشمل الجوقة نساءً مسلمات ومسيحيات، ولهذا ستقيم الجوقة في 22 كانون الأول حفلة موسيقية بمناسبة عيد الميلاد في مركز Royal Avenue للفنون، حيث سيتم تقديم أغان باللغتين العربية والإنكليزية، ومنها أغنية: Jingle Bells ومقطوعة ليلة عيد التي تغنيها فيروز بلهجتها اللبنانية، بما أنهما تشتركان في اللحن ذاته.

كوثر زماني برفقة شارون ماك كيبي

زيادة في عدد الناطقين بالعربية بأيرلندا

كان من النادر أن تسمع شخصاً يتحدث باللغة العربية في أيرلندا الشمالية قبل عقدين من الزمان، بيد أن الأرقام التي جمعت خلال إحصاء جرى في عام 2021 تظهر بأن 3627 من أهالي أيرلندا الشمالية يتحدثون العربية بصورة اساسية، ما يجعلها رابع لغة انتشاراً في تلك الدولة.

سافرت كوثر زماني من المغرب إلى أيرلندا الشمالية في عام 2018 لتلتحق بأسرة زوجها، ثم اقتنصت فرصة الانضمام للجوقة لتلتقي بأشخاص جدد ولتتواصل معهم ولتستمتع بالثقافة العربية ولتسمع اللغة العربية أيضاً، وعن ذلك تقول: "الآن صار بوسعي أن أرى بيلفاست وهي تتغير وتصبح أكثر تنوعاً".

أما اللبنانية لينا غزاوي فقد انتقلت للعيش في أيرلندا الشمالية قبل أربع سنوات، وانضمت إلى الجوقة على الرغم من أنها لم يسبق أن غنت بحياتها، وعن تلك التجربة تقول: "إننا نمضي الوقت معاً وكأننا أهل، ونتعرف إلى أشياء جديدة لدى بعضنا بعضاً، كما نتعرف إلى أشخاص جدد، ولهذا فإني أستمتع هنا، لأني أحب أن أشارك في تجارب جديدة، فأنا ناشطة بنهاية الأمر".

قائدة الجوقة آن ماك كامبريدج

انتقلت رغدة عماد للعيش في بيلفاست منذ شهرين، ولكنها قبل زواجها كانت موسيقية محترفة، إذ تقول: "كنت مطربة في السودان ولدي فرقة موسيقية تعزف الموسيقا السودانية والعربية في بعض الأحيان".

وبما أن بعض المغنيات لا يعرفن العربية، لهذا تستعين الجوقة بنص مكتوب بالرموز الصوتية حتى تتمكن المغنيات اللواتي لا يتقنّ العربية بالنطق بحروف وكلمات النص العربي للأغنية، ومنهن هيزل ووركمان التي تتحدث بلغتها الأم، الإنكليزية، والتي تخبرنا بأن عطلتها التي أمضتها في المغرب قبل بضع سنوات قد ألهمتها تعلم العربية، إذ تقول: "لقد غيّر المغرب تفكيري، إذ بدا لي مألوفاً وغريباً في الوقت ذاته".

وهكذا بدأت بتعلم العربية عبر الإنترنت، قبل أن تسجل لحضور دورات باللغة العربية، وعنها تقول: "أحتاج لسبعين عمراً حتى أتقن العربية"، وتضيف بأن الجوقة قدمت لها طريقة مناسبة لتحسّن من لغتها العربية وتطورها، إذ تقول: "من الرائع حفظ أغنية بالعربية، ومن الممتع أن نختار اللغة بأنفسنا".

ماريا أولسوب في مركز الهلال للفنون ببيلفاست

وصلت ماريا أولسوب التي تعود أصولها لدولة ترينيداد وتوباغو الكاريبية إلى بيلفاست قبل أربعة أشهر، وعن صدمة الحضارة تقول: "لقد تعود بعضهم عليها، فالناس يعمّمون بين البشر، ويفترضون بأنك إنسان غير متعلم كما يفترضون أموراً كثيراً تتصل بك، ولهذا تبدأ تعاني من تلك النظرات الغريبة وأنت تسير في الشارع".

كانت ماريا تغني في جوقات الكنائس والفرق الكلاسيكية أيام مراهقتها، وعن ذلك تقول: "أحبّ الغناء، فأنا أغني حتى أسترخي، ولهذا أغني عندما أحسّ بتوتر، وفي بعض الأحيان أفضّل الغناء على الصلاة والابتهال لأنه يحسن حالتي ويجعلني أشعر بأني ما زلت على قيد الحياة، ولهذا أغني عندما تعترضني أية مشكلة".

رغدة عماد برفقة ابنتها سيلين

مشروع يلا لدعم السوريين الذين لم يدعمهم أحد

تعتبر ريم آخونزاده القوة الدافعة وراء تلك الجوقة، فقد انتقلت من تونس للعيش في أيرلندا الشمالية عام 2001 بعدما حصل زوجها على وظيفة بجامعة كوين ببيلفاست، وعن تجربتها تحدثنا فتقول: "اعتبرنا الناس مجانين عند سفرنا لأيرلندا الشمالية في وقت لم تكن فيه البلد تعاني من أي مشكلة، إذ كان أبي رحمه الله يقول لي: "ألا تعرفين بأن الناس يطلقون النار على بعضهم بعضاً في شوارع بيلفاست؟!"

عقب اندلاع الحرب السورية عام 2011، انتقل مئات اللاجئين للعيش في أيرلندا الشمالية بموجب خطة إعادة التوطين التي طرحتها المملكة المتحدة.

وبحسب الإحصاء الذي تم في عام 2021، فإن أكثر من 1800 سوريّ باتوا يقيمون اليوم في أيرلندا الشمالية، مقارنة بعددهم الذي وصل إلى 31 في عام 2011.

ولذلك أطلقت ريم في عام 2016 مشروعها الاجتماعي يلا لمساعدة اللاجئين السوريين في ليزبورن.

وتعلّق على ذلك بقولها: "لم يكن هنالك أي دعم، إذ لم تكن هنالك آلية تدعمهم".

أماندا ويلان مديرة مشروع يلا برفقة لينا غزاوي

وسرعان ما توسّع مشروع يلا ليشمل أيرلندا الشمالية بكاملها.

يركز هذا المشروع على الترويج للفنون العربية والتراث والثقافة العربية، وتمكين الأشخاص من ذوي الأصول العربية، وبينهم لاجئون وطالبو لجوء، حتى يشاركوا في دورات للطبخ، ونوادٍ مخصَّصة لحلّ الوظائف، وأخرى مخصصة للحفلات الموسيقية وصناعة الأفلام.

ويتبع لهذا المشروع مقهى في مركز تيسكو للتسوق، أمّا العاملون فيه فهم من اللاجئين الذين استقروا في أيرلندا الشمالية.

وعن ذلك تقول ريم: "تلك هي الطريقة التي روّجنا من خلالها للثقافة العربية، فقد اتبعنا نهجاً ليّناً، إذ لم نتوجه للناس عبر إلقاء محاضرات عن ذلك، بل فعلنا هذا بطريقة ليّنة ولطيفة، بما أن لدينا موسيقا وفنوناً وثقافة جميلة لم يتم التعبير عنها من قبل، ولهذا فإن أهالي أيرلندا الشمالية لا يعرفون شيئاً عن كل ذلك، ولهذا يربطون العرب دوماً بأمور سلبية يرونها عبر الإعلام، ولهذا رغبت في تغيير كل ذلك، إذ لطالما فكرت بأنك عندما تتحدث عن الاندماج يجب أن تفكر بأن الاندماج يحدث للطرفين وليس لطرف واحد فحسب، إذ على المجتمع المضيف أن يبذل قصارى جهده، وعلى الجالية المهاجرة أن تلعب دورها في ذلك هي أيضاً".

المصدر: The Detail