تركيا والأطلسي: الزواج كاثوليكي

2019.12.07 | 15:07 دمشق

قمة حلف شمال الأطلسي الأخيرة التي عقدت في العاصمة البريطانية وسط أجواء احتفالية بذكرى مرور 70 عاما على تأسيس التكتل واكبها هذه المرة سؤال محوري حول أية قناعة ستتقدم: ماكرون وما أعلنه حول "الموت الدماغي" للحلف أم "حاجة الحلف للتجديد" التي تحدث عنها أردوغان؟ فكان الحسم أميركيا كالعادة "لا حاجة لتطويل النقاش الأعداء والخصوم يتربصون بنا".

البيان المشترك للحلف الذي صيغ بنفس وأسلوب أميركي هو الذي وضع النقاط على الحروف: روسيا ما زالت خط المواجهة الأول. الصين أصبحت بين أهداف التكتل. داعش لم ينته والحرب مستمرة عليه. الانقسام الأميركي الأوروبي فانتازيا فرنسية لا قيمة حقيقية لها الرئيس الفرنسي يصعد متحديا الجميع، الرئيس التركي يرد عليه بعنف بسبب سياسات فرنسا في سوريا والمنطقة فيدخل الرئيس الأميركي على الخط لموازنة الأمور يترك ماكرون يردد "عندما أنظر إلى تركيا أرى أنها الآن تقاتل من قاتلوا معنا ضد داعش" لكنه لا يتأخر

واشنطن هي المستفيد الأول والأخير من الخلافات بين الدول الأعضاء في الحلف وضرورة استمرارها وصب الزيت عليها لتتحكم في غرفة القيادة

في القول إن تركيا حليف مهم للغرب في الحرب ضد داعش ولا يتردد في السخرية من الرئيس الفرنسي "ماكرون" أعظم سياسي على وجه الأرض"!

واشنطن هي المستفيد الأول والأخير من الخلافات بين الدول الأعضاء في الحلف وضرورة استمرارها وصب الزيت عليها لتتحكم في غرفة القيادة. التوتر التركي الفرنسي في أكثر من ملف قاد إلى انعدام التعاون كما قال ماكرون في مسائل الأمن واللجوء والهجرة والاتحاد الأوروبي، وهو قابل للانفجار في أية لحظة طالما أن أنقرة تتحدث عن اصطفافات فرنسية ضد مصالح تركيا في شرق المتوسط وأفريقيا والشرق الاوسط. لكن اللاعب الحقيقي القادر على تجميد كل هذه النقاشات هو الأميركي الذي يعرف نقاط ضعف وقوة الطرفين وسبل التهدئة فيها.

الحصيلة كانت بعد الاجتماعات المطولة لقيادات الحلف هي ضرورة حماية مصالح 29 دولة تحت مظلة دفاعية مشتركة بطريقة متوازنة ومتساوية تنطلق من نص البيان الختامي الذي يؤكد على التزام الدول بالدفاع عن بعضها البعض مرة أخرى. وأن الخلافات والمواقف المتباعدة لن تصل إلى درجة القطيعة أو الانسحابات فلا أحد يريد الابتعاد عن مبادىء وأسس عام 1949 ومرحلة التأسيس.

الأطلسي أثبت مرة أخرى أنه الحلف الأقوى والأهم في رسم السياسات وتحديد التوازنات الدولية وأن لا منافس له في السنوات العشر المقبلة على أقل تقدير. والحلم الروسي في العودة الى أجواء الحرب الباردة وإحياء السوفياتية هو بين المستحيلات. وموسكو رغم كل التهديدات واستعراض العضلات والتلويح بالورقة الصينية القادمة وما قاله بوتين حول رغبة البعض في الحلف لتحويله إلى دمية بيدهم يتلاعبون بها كما يشاؤون لن يكون له التأثير الكبير فهو يعرف جيدا أن بلاده ما زالت بعيدة جدا أمام التفوق العسكري والتسلح الغربي.

فرنسا أيضا فشلت في إقناع حلفائها بالانفصال العسكري والأمني والذهاب وراء حلم الجيش الأوروبي الذي تطرحه منذ الخمسينيات دون فائدة فهي التي انسحبت من الحلف مهددة متوعدة ثم عادت مجبرة أمام العزلة التي عاشتها لسنوات.

ثبت مرة أخرى أن أميركا هي الممسك بخيوط اللعبة الأطلسية ومركز الثقل

تأكد أن تركيا لن تغرد خارج السرب الأطلسي رغم أصوات ودعوات البعض من الداخل للانفصال عن هذا التكتل

الأول والوحيد فيه ولن تسمح لشركائها بالابتعاد كثيرا رغم مطالب الإصلاح والتجديد والانتقادات الحادة التي توجه حول الهيكيلية وازدواجية المعايير.

وتأكد أن تركيا لن تغرد خارج السرب الأطلسي رغم أصوات ودعوات البعض من الداخل للانفصال عن هذا التكتل الذي لم يعد يخدم مصالحها ويصغ إلى ما تقول. البعض في أنقرة كان يلوح باللجوء إلى استخدام ورقة الفيتو في مواجهة قرار توفير الحماية لجمهوريات البلطيق إذا لم تحصل على تصنيف "قسد" مجموعات إرهابية امتدادية لحزب العمال الكردستاني لكن نقاشا من هذا النوع لم يحدث في العلن على الأقل. قيادات العدالة والتنمية الإسلامية كررت التزامها بالحلف حتى ولو خذلها في موضوع المادة الخامسة والدفاع المشترك أو توصيف "قسد" مجموعات إرهابية. الرئيس التركي يقول إن "البعض يحاول بنية سيئة أن يقلل من أهمية عضويتنا في الناتو" وفخر الدين التون رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية يؤكد أن "حدود تركيا هي حدود الحلف". في الجانب الغربي كذلك كان هناك من يردد لتخرج تركيا من الحلف فهي خانت الولاء والتعهد ولا بد أن تدفع ثمن انفتاحها المتزايد على روسيا وإيران لكن أحداً لم يصغ إلى مثل هذه الأصوات المتشددة. فالإشادات بموقع ودور تركيا والخدمات التي قدمتها للتكتل على مر السنين أكبر وأهم مما يقوله بعض المهمشين.

أهم تصوير قدمه الأتراك للعلاقة بين بلادهم والحلف أوجزه المحلل السياسي التركي سنان أولغين بقوله "إن مواقف تركيا ليست السبب في المشاكل الحالية التي يعاني منها حلف الناتو ولا تمثل تهديدا للتماسك السياسي للحلف، بل ترجع إلى اختلاف تصورات كل عضو من أعضاء الحلف عن التهديدات غير المتماثلة". الانفعال والغضب والهجر قد يكون ممكنا في العلاقات التركية الأطلسية لكن الزواج هو كاثوليكي في النهاية.