اغرورقت عيناي بالدمع حين صادفت في وسائل التواصل الاجتماعي رسالة وجهها رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، يسلّم فيها اللواء من قائد إلى قائد، ويقول فيها إن الهيئة العامة للائتلاف قررت أن يكون اجتماعها في يوم كذا وتاريخ كذا، ويتحدث فيها عن مرحلته والجهود التي بذلها خدمة للقضية السورية العظيمة، ويعتذر عن أي أخطاء ارتكبت، ويعد أنه سيبقى في صفوف الثورة إلى أن تجني أهدافها.
ظننت للوهلة الأولى أنني أسمع خطاب أكبر دولة ديمقراطية في العالم؛ وكأنه لم يكن هناك محاولات حثيثة للبقاء في المكان، وكأن إرادة السوريين هي من منعت من الترشيح مجدداً، بعد تمديدات؛ بل وكأن هناك ممارسة تنبع من الإيمان بضرورة توازع المسؤوليات، وتداول السلطة، وتغليب مبادئ الديمقراطية.
رشح من كتاب الوداع بأن ثمة حقيقة لم تتوفر الجرأة على تناولها؛ وتقول إن استدعاءً جرى لما يسمى رؤساء المعارضة السورية؛ رئيس الائتلاف الوطني، وأمينه العام، ورئيس حكومته، ورئيس هيئة التفاوض، ورئيس اللجنة الدستورية لحضور اجتماع، ليس مع الرئيس أردوغان أو وزير خارجيته ولا حتى معاون الوزير، وإنما مع موظفي مؤسسات خارجية واستخبارات تركية؛ حيث كان الرئيس وطاقمه منشغلين في التحضيرات لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة - ومع ذلك وجدوا الوقت في جدول نشاطاتهم المزدحم ليلتقوا فاعلين سوريين أميركيين ليناقشوا معهم بعض المسائل المهمة فيما يتعلق بسوريا والسوريين. تلك الحقيقة أضحت معروفة للقاصي والداني، تتناولها مصادر التسريب ووسائل التواصل الاجتماعي والرسمي.
وفي اجتماع مجموعة الائتلاف تلك مع الموظفين الأتراك، تمّ إخبارهم بأن اجتماع الهيئة العامة للائتلاف يجب أن يتم في غضون 4 أيام، وأن رئيسه القادم المنتخب معروف، وهو…..؛ وبالتالي لا مجال لانتخابات، ولا فرصة لغيره إلا أن يهدئ من روعه، ويتنحى جانباً ويمتنع عن أي حراك أو مقاومة أو تصريح، ويجلس هادئاً، ويسأل المولى عز وجل أن يكون موفقاً في أن يكون اسمه في قائمة الهيئة السياسية المنتخبة.
لا توجد انتخابات
اتّضح بجلاء أنه في الائتلاف الوطني لا توجد انتخابات، ولا ضرورة لوجودها، ولا داعي لأن يتعب شخص ما نفسه، ويسعى لإرضاء السوريين بحضوره وأفكاره ومواقفه السياسية وقربه من السوريين، ولا داعي لتحضيره خطة أو رؤية أو برنامج، ولا داعي لمفوضية انتخابات ولا لجان ولا رقابة ولا حضور لإعلام أو غيره. لماذا كل هذا التعب فالطريق إلى كرسي الرئاسة وبقية المواقع أسهل بكثير إذ أراحنا أصدقاؤنا من كل هذا التعب.
لقد تُرك هذا الائتلاف لمجموعة ضيقة من أعضائه تُسمّى الـ G4 ، بالتعاون مع آخرين لإحكام السيطرة عليه، وتنفيذ كل ما يريدونه، حتى باتت نتائج الانتخابات معروفة سلفاً قبل أشهر وتصل قائمة أسماء القيادة السياسية في الائتلاف (٢٤ شخصاً مسماة بشكل كامل).
هذه الـ G4 داخل الائتلاف هي المسيطرة على قرار الائتلاف منذ سنوات، ومهيمنة على كل مفاصل القرار فيه، ولديهم القدرة على السيطرة على أعضاء آخرين، إذا حصل وكان مستلماً لأي منصب قيادي بالخطأ في الائتلاف.
والغريب في الأمر وما يضع إشارات استفهام تحت هذه الظاهرة استهتارهم بمشاعر السوريين، الذين كثيراً ما عبّروا عن رفضهم لهم، وإصرارهم على زيادة سيطرتهم أكثر أمام أي محاولة نقد أو إصلاح.
صحيح أن منظومة الاستبداد الأسدية وصلت من القذارة والحقارة والإجرام إلى حد لا يمكن أن يقارن به أحد؛ ولكن من الغريب، ولا أظن أنها مصادفة، أن يتحرك السوريون في وقت واحد: فترى جزءاً منهم يخرج ضد النظام في السويداء ودرعا، وجزءاً آخر ضد أداة من أدوات النظام ( قسد ) في شرق الفرات، والثالث بدأ يتململ ويتحرك ضد الفساد والهيمنة في مؤسسات الثورة السورية. وهذا لا يدل إلا على شيء واحد هو أصالة هذا الشعب وفطرته السليمة، التي تتحسس الأخطاء والعيوب، وتستكشفها، وتتحرك ضدها أيا كان الطرف الذي يقف وراءها.
آن الأوان لترجمة صوت السوريين الرافض لتلك الشخصيات التي أخذت ثورتهم وصوتهم ومعارضتهم رهينة واعتقلتها حبيسة لأهوائها وإقصائيتها وأنانيتها وعقدها وانتهازيتها وعدم إحساسها بالمسؤولية الوطنية.
"شكل عصابة"
آن الأوان للانطلاق لإزاحة تلك المجموعة التي أخذت شكل العصابة، وشابهت الأسدية بمسلكها لتتصرف بمصير شعب وتعبث بأهداف ثورة هي الأنبل في العصر الحديث.
الائتلاف الوطني هو عنوان وصوت لثورة السوريين وحقوقهم، وما هو بملكية شخصية، ولا وصاية عليه لأحد، ولم يفوّض السوريون وثورتهم دولة أو مجموعة لتتحكم بمصيرهم وقرارهم، أو تكون وصيّة عليهم.
آن الأوان لهذه الثورة وهذا الشعب أن يتداعى لنجدة وحماية أهدافه، ويختار هيئة قوامها عقول علمية ثورية سياسية واقتصادية وحقوقية وأكاديمية وميدانية أمينة على هذه الثورة وهذه الحقوق؛ ولتكن تلك الهيئة العنوان وصوت الثورة وصداها عبر خطة طريق وبرامج وآليات عمل لإنقاذ سوريا وأهلها.