icon
التغطية الحية

هل تتجه السعودية إلى تغيير مواقفها من النظام السوري؟

2023.01.20 | 13:09 دمشق

العلاقات السورية السعودية
شكّلت تصريحات بشار الأسد عقب حرب تموز 2006 نقطة تحوّل رئيسية في علاقات السعودية مع النظام السوري - Shutterstock
إسطنبول - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

أثار إعلان وزارة الخارجية في حكومة النظام السوري بأنه "لا مانع سياسي" من استيراد البضائع والمنتجات والمواد المصنعة في المملكة العربية السعودية، التساؤل حول دلالات هذا الإعلان، وما إذا كان يمكن اعتباره مؤشراً نحو تغيير الرياض لمواقفها من نظام بشار الأسد، الذي طالما أكدت على ضرورة إزاحته من السلطة.

ويتزامن إعلان النظام السوري مع تصريح وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، بأن الرياض "تعمل مع شركائها لإيجاد طريقة للتعامل مع حكومة (النظام السوري) دمشق، بطريقة تقدم تحركات ملموسة نحو حل سياسي".

وأكد الوزير السعودي، خلال مقابلة مع تلفزيون "بلومبيرغ"، على هامش منتدى دافوس بسويسرا أمس الخميس، على أن "دول المنطقة يجب أن تعمل معاً لإيجاد حل سياسي للحرب المستمرة منذ 12 عاماً في سوريا"، مشيراً إلى أن ذلك "سيتطلب بعض العمل".

وعلى الرغم من ذلك، كانت السعودية من أبرز المقاطعين للنظام السوري منذ اندلاع الثورة السورية، ودعمتها على الصعد الإنسانية والإغاثية، فضلاً عن دعم المعارضة السياسية، وتمويل بعض فصائل المعارضة العسكرية.

وتعتبر السعودية من أوائل المبادرين لإغلاق السفارة السورية وطرد السفير من الرياض، عقب قرار الجامعة العربية في العام 2012، ورعت مؤتمرات عدة للمعارضة السورية السياسية، وأعلنت مراراً رفضها بقاء الأسد في السلطة وإحياء العلاقات معه.

حراك سعودي تجاه الملف السوري

وخلال الأسابيع الماضية، شهدت الدبلوماسية السعودية حراكاً مكثفاً تجاه الملف السوري، حيث التقى وزير الخارجية السعودي مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، غير بيدرسن، كما بحث وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، مع مبعوثة فرنسا الخاصة إلى سوريا، بريجيت كورمي، المستجدات على الساحة السورية.

وأعلنت لجنة المتابعة والتشاور السياسي السعودية المصرية، التي عُقدت في الرياض في 12 كانون الثاني الجاري، دعم البلدين لـ "الحل السياسي في سوريا وفق القرار 2254، ورفض أي تهديدات بعمليات عسكرية تمس الأراضي السورية، وتروّع الشعب السوري".

وأشارت اللجنة إلى أن الطرفين اتفقا على "ضرورة دعم الحفاظ على استقلال سوريا ووحدة أراضيها، ومكافحة الإرهاب، وعودة اللاجئين والنازحين، والتوصل لحل سياسي للأزمة القائمة وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254"، مؤكداً على دعم جهود المبعوث الأممي "لدفع العملية السياسية في سوريا".

وأواخر العام 2021، صرح وزير الخارجية السعودي، خلال مقابلة مع قناة أميركية، بأن الرياض "لا تفكر في التعامل مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في الوقت الحالي"، مؤكداً على أن بلاده "تدعم العملية السياسية في جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة، وأنها تريد المحافظة على الأمن وتدعم ما يحقق مصلحة الشعب السوري".

وقبيل انعقاد القمة العربية في الجزائر في تشرين الثاني الماضي، كشف موقع "إنتلجنس أونلاين" أن مصر اصطفت في موقفها مع المملكة العربية السعودية التي تعارض بشدة عودة النظام إلى جامعة الدول العربية، مشيراً إلى أن ذلك "يشكّل تحولاً في موقف القاهرة، خاصة أن جهود مصر لإعادة سوريا إلى الجامعة قادها، منذ العام 2020، رئيس الاستخبارات المصرية، عباس كامل".

وخلال القمة العربية، أعلن وزير الخارجية السعودي أن بلاده "تدعم كل الجهود العربية والدولية لإيجاد حل سياسي بسوريا"، مؤكداً "حرص المملكة على أمن سوريا واستقرارها، ودعم كل الجهود العربية والدولية الرامية لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية".

هل يتغير موقف الرياض في الملف السوري؟

ويمكن اعتبار أن للمملكة العربية السعودية مصالح استراتيجية في العمق السوري، على مختلف الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية، خاصة مع تصاعد توتر العلاقات مع إيران، لكنها نفت عدة مرات تطبيع علاقاتها مع النظام السوري، أو نيتها فتح سفارتها في سوريا، على الرغم من تقارير أفادت بعدة زيارات ولقاءات عقدها مسؤولون سعوديون مع عدد من أركان نظام الأسد.

ومع صعود ولي العهد، محمد بن سلمان، إلى السلطة، في نيسان من العام 2015، أرخت التغيرات والظروف الإقليمية بظلالها على موقف السعودية في التعاطي مع الملف السوري، حيث بدأت بالصمت عن مطلب بقاء الأسد، والمطالبة بإنجاز تسوية سياسية، والتحقت بعد ذلك بالولايات المتحدة الأميركية في دعم "قوات سوريا الديمقراطية".

وفي آب من العام 2020، كشفت وثائق دعوى رفعها ضابط الاستخبارات السعودي السابق، سعد الجبري، ضد محمد بن سلمان، أن ولي العهد أعطى الضوء الأخضر لروسيا لتتدخل في سوريا بشكل ضمني.

وأشارت الدعوى إلى أن ابن سلمان شجّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التدخل في سوريا إلى جانب الأسد، وذلك عبر اتصالات متكررة في العام 2015، في وقت لم تكن فيه روسيا طرفاً في الحرب السورية بعد.

وفي أيار من العام 2021، كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن رئيس المخابرات السعودية، اللواء خالد حميدان، التقى رئيس مكتب الأمن القومي، علي مملوك، في دمشق، وناقشا "تطبيع العلاقات".

كما شارك وزير السياحة في حكومة النظام السوري، محمد رامي مارتيني، باجتماع لجنة منظمة السياحة العالمية للشرق الأوسط في العاصمة السعودية، وحضر افتتاح المكتب الإقليمي للشرق الأوسط ومؤتمر إنعاش السياحة في الرياض، بدعوة من وزارة السياحة السعودية ومنظمة السياحة العالمية.

خطاب "أشباه الرجال"

وعلى الرغم من أن العلاقات السعودية السورية شهدت ازدهاراً وتطوراً ملحوظاً بعد استلام رئيس النظام بشار الأسد مقاليد الحكم في سوريا في العام 2000، إلا أن العلاقات المزدهرة بدأت بالتدهور، خاصة مع اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، في شباط من العام 2005.

بعد ذلك التاريخ، بدأت الانتقادات السعودية للنظام السوري تتعالى، وذلك على خلفية تحالف الأسد مع إيران، وممارسة دور الوصاية على لبنان، والموقف السلبي من قضايا المنطقة، فيما شكّلت تصريحات بشار الأسد، عقب حرب تموز في العام 2006، نقطة التحوّل الرئيسية في علاقات السعودية مع النظام.

وكان الأسد هاجم، في خطاب ألقاه بافتتاح أعمال مؤتمر اتحاد الصحفيين في دمشق في آب 2006، مواقف بعض الدول العربية، التي اعتبرت توريط "حزب الله" لبنان بحرب تموز وأسر جنديين إسرائيليين بأنها "مغامرات غير محسوبة"، مشيراً إلى أن "الحرب أسقطت أقنعة عن أصحاب أنصاف المواقف وأشباه الرجال".

وبعد ذلك الخطاب، بدا من الواضح للمتابع في شأن الملف السعودي السوري حالة الفتور في علاقات البلدين، فيما هاجمت وسائل إعلام سعودية خطاب الأسد، وكشفت مصادر عربية أن الملك السعودي رفض وساطة مصرية ويمنية غير معلنة للقاء الأسد، أو توجيه الدعوة إليه لزيارة السعودية للبحث في الملفات الخلافية، وذلك على خلفية خطاب الأسد.

ونقلت حينها صحيفة "السياسة" الكويتية عن مصادر مطلعة قولها إن بشار الأسد بادر إلى الاتصال بالسعودية، وطلب مقابلة الملك الراحل عبد الله لشرح موقفه، موضحة أن "العاهل السعودي رفض طلبه، ويرفض استقباله شخصياً، ولا يريد الالتقاء به لا حاضراً ولا مستقبلاً، لأن موقفه واضح ولا يحتاج إلى توضيح أو شروحات".

ووفق محللين ومراقبين، فإن خطاب الأسد عن "أشباه الرجال" شكل نقطة تحول في العلاقات السعودية السورية، حيث اعتبرت الرياض منذ ذلك التاريخ أنه "لا مكان للأسد في مستقبل سوريا"، وهو ما تجلى واضحاً في دعمها للثورة والانتقال السياسي في سوريا.