icon
التغطية الحية

تدجين فكري لخدمة مشروعها.. هيئة تحرير الشام تنسلّ في جامعة إدلب (تحقيق)

2024.04.25 | 05:55 دمشق

آخر تحديث: 25.04.2024 | 11:24 دمشق

5
هيئة تحرير الشام تنسلّ في جامعة إدلب - تلفزيون سوريا
إدلب – أمين بطل
+A
حجم الخط
-A

منذ انطلاق الحراك الأخير في إدلب ضد هيئة تحرير الشام وزعيمها أبي محمد الجولاني، كان من الملاحظ غياب النشاط والحراك الطلابي في جامعات محافظة إدلب، وهو ما طرح إشارات استفهام حول أسباب ضعف الحراك ودور الطلاب في هذه المرحلة، وترك المجال مفتوحاً لإطلاق تصنيفات بحق طلاب الجامعات الموجودة في محافظة إدلب أو طلاب جامعة إدلب بشكل خاص.

كان الحراك الطلابي الجامعي في الثورة السورية وقبلها محركاً أساسياً، وشكّل جزءاً هاماً من الديناميكية الاجتماعية والسياسية في البلاد، وتعكس تطلعات جيل الشباب نحو التغيير، وقدرتهم على المساهمة في صياغة مستقبل بلدهم من خلال تفاعلهم مع القضايا الوطنية والمجتمعية الكبرى، كما أن الحراك أفرز قيادات وكوادر شابة قادرة على تحمل المسؤولية وإدارة الفعاليات والأنشطة.

الطلاب الجامعيون وفئة الشباب ركيزة أساسية في النسيج الاجتماعي والفكري، ويقع على عاتقهم مسؤولية دفع عجلة التقدم، ويتطلع الشعب إلى جهودهم وإصرارهم على الإنجاز والإصلاح. ولذلك لا يقتصر دورهم على تلقي المعارف واجتياز الامتحانات، بل يتعدى ذلك إلى اضطلاعه بمسؤوليات جسيمة وأدوار متعددة تبدأ من تنمية الذات وتمتد لتشمل إصلاح المجتمع وإغناءه بعناصر النمو والتقدم.

يواجه الطلاب في إدلب تحديات تتعلق بالأدلجة الفكرية والتحكم السياسي الذي تفرضه هيئة تحرير الشام، مما يحد من قدرتهم على التعبير الحر والمشاركة الفعالة في الشؤون العامة، وتصعّب مسؤولياتهم في التعليم وحاجتهم للفاعلية الاجتماعية والسياسية.

في ظل كل تلك المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتق الطلبة الجامعيين، توجه كثير من الاتهامات لطلاب الجامعات في محافظة إدلب (جامعة إدلب، جامعة الشمال الخاصة، جامعة ماري الخاصة، جامعة الحياة، أكاديمية العلوم الصحية)، أبرزها الأدلجة الفكرية، وغياب الأفق السياسية لدى شريحة الطلاب.

للوقوف عند تلك الاتهامات، ولتوضيح المشهد العام في عموم الجامعات يركز هذا التحقيق على جامعة إدلب كونها الجامعة الأكبر، والجامعة الحكومية الرسمية التابعة لـ "حكومة الإنقاذ" المعنية بالدرجة الأولى بما يجري في المحافظة لوجودها في مركزها.

تحدث موقع تلفزيون سوريا إلى 50 طالبا جامعيا وطالبة، من مختلف الكليات، وعدد من كوادر الجامعة، لفهم المشهد في الجامعة بشكل دقيق، وبناء على تواصل موقع تلفزيون سوريا مع شريحة متنوعة من الطلاب والطالبات واستطلاع آراءهم حول الحديث والخوض والمشاركة في المسائل العامة خلال فترة الدراسة الجامعية، بناءاً على ذلك يمكن تقسيم الطلاب إلى شرائح عدة:

  1. شريحة تريد سلتها بدون العنب: يركزون على العملية التعليمية ونيل الدرجات المطلوبة ثم التخرج، وتبلغ نسبة أفراد هذه الشريحة 60%.
  2. شريحة الطلاب أصحاب الفكر السياسي والاجتماعي: نسبتهم 25%.
  3. شريحة الطلاب المنتسبين لهيئة تحرير الشام أو يحملون فكرها ويؤمنون بمشروعها بعيداً عن الأفكار الوطنية والمشروع الوطني: يدافعون عن الهيئة ومشروعها في نقاشات القضايا العامة، وتبلغ نسبتهم 15%.

يظهر الاستبيان أن ربع الطلاب يحملون أفقاً سياسياً ويناقشون الأحداث والقضايا وواقع السلطة، ويجمعون على تأييد الثورة السورية وأهدافها.

تحاول هيئة تحرير الشام السيطرة على جميع الشرائح السابقة، وغرس وتنمية أفكارها داخل عقول طلاب الجامعات عبر سعيها المتواصل لأدلجة أفكارهم وتجنيدهم في مشروعها، وتكون تلك الأدلجة على شقين رئيسيين هما، شق الهيمنة لإسكات الأصوات المناهضة، وتصدير خطاب ولون واحد تريده الهيئة، وشق الأدلجة الفكرية داخل الجامعات بعد ضمان تصدير خطاب بلون واحد للمتابع الخارجي.

اتحاد طلبة هيئة تحرير الشام

في شق الهيمنة، كانت تهيمن هيئة تحرير الشام على اتحادات الطلبة في الجامعات، قبل أن تجمعها في كيان مركزي وتعلن مؤخراً عن إطلاق اتحاد طلبة عام لجميع الجامعات في مناطق نفوذها يحمل اسم "اتحاد طلاب سوريا"، وتستخدم تحرير الشام اتحاد الطلبة كسلطة أولية على الطلاب، تقيد حريتهم في الطرح والاختيار والتخطيط والقول.

ففي جامعة إدلب ينحصر منصب رئيس اتحاد الطلبة في أعضاء هيئة تحرير الشام من طلاب الجامعات، ابتداءاً من محمد السليمان رئيس اتحاد الطلبة الذي شغل منصب عضو مجلس الشورى عن الطلاب فيما بعد، وليس انتهاءاً بمحمد الجنكي شقيق المحقق الأمني الذي ذاع سيطه مؤخراً في تعذيب عسكريي الهيئة داخل السجون، معاذ الجنكي الملقب بـ "أبو أسامة 38".

في جامعة إدلب ينحصر منصب رئيس اتحاد الطلبة في أعضاء هيئة تحرير الشام من طلاب الجامعات

وعلى الرغم من منع تحرير الشام أي منتسب لها من استخدام سلطته أو الاستقواء بها داخل الجامعات، إلا أن إشاعة خبر أن طالباً ما ينتسب للهيئة أو يعمل في أحد مفاصلها الأمنية أو الإدارية، يعتبر بحد ذاته وجهاً من أوجه التسلط، والذي يدفع بقية الطلاب لتجنب الصدام معه في الفكر أو القول أو العمل.

تضخ هيئة تحرير الشام لاتحاد الطلبة أموالاً كثيرة بطريقة غير مباشرة، فهي تمنح القائمين عليه سيارات، وكتلاً مالية لمصاريفهم وتحركاتهم واجتماعاتهم مع الطلاب داخل الجامعة وحتى الاجتماعات الخاصة مع بعض الطلاب خارج الجامعة.

وعلى الرغم من تمتع الاتحاد بنظام داخلي يسير عليه، وعملية انتخاب دورية إلا أن لتوجيهات تحرير الشام دورا مباشرا في ترشيح أسماء محددة لانتخاباته وذلك لضمان الفائزين مسبقاً، ويتم اختيار شخصيات تتمتع بالثقافة والطلاقة في الحديث لهذا المنصب.

لقاء تفاعلي جمع قيادة المحرر مع الطلاب الأوائل في كليات ومعاهد جامعة إدلب.
لقاء الجولاني مع الطلاب الأوائل في كليات ومعاهد جامعة إدلب - 30 آذار 2024

تركز هيئة تحرير الشام هيمنتها أيضاً على الهيئات الطلابية للكليات العلمية الرئيسية كالكليات الطبية والهندسية، بالإضافة إلى كليات الشريعة والحقوق والعلوم السياسية والإعلام والاقتصاد والإدارة، ويقوم أعضاء الاتحاد بدور الرقابة على الطلاب وأنشطتهم داخل الجامعة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالكليات، فيدير أعضاء الهيئات الطلابية في الكليات الصفحات غير الرسمية التي تحمل أسماء الكليات، ومجموعات التواصل الاجتماعي الخاصة بالكليات، ومن مهامهم مراقبة عدم إنشاء مجموعات جديدة، وفصل الذكور عن الإناث في مجموعات الواتساب، والرقابة والمسؤولية عن كل ما يكتب وينشر في تلك المجموعات.

يواجه منتسبو الاتحاد عقوبات كبيرة في حال تهاونهم في ردع الطلبة أو إسكاتهم أو الوشاية بهم، ففي كليتي التربية والطب البشري في جامعة إدلب تم فصل أعضاء من الاتحاد، وأنزلت بهم عقوبات تؤثر على حياتهم الجامعية ضمن ما بعرف بـ "سجل الحياة الجامعية"، وذلك فقط لأنهم لم يغلقوا مجموعات واتساب مخصصة للطلاب تحت إشرافهم، تكلم فيها طلاب آخرين بشكل غير لائق عن بعض المدرسين.

كما يعمل أعضاء الاتحاد على عملية الحشد والتجييش ضد الجامعات الأخرى، خاصة تلك الواقعة خارج مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام كـ "الجامعة الدولية للعلوم والنهضة" وغيرها.

من جانب آخر تمنح الجامعات لاتحادات الطلبة هامشاً بسيطاً في التحرك ضد قراراتها وقرارات الجامعة، خاصة تلك المتعلقة بالقضايا البسيطة، على سبيل المثال يضع اتحاد الطلبة برنامج الامتحانات الخاص بالمعاهد والكليات، كما يساعد اتحاد الطلبة بحل بعض مشكلات الطلاب الفردية، كالتوسط لقبول عذر طالب ما في تقصيره في حضور الدروس العملية التي يمكن أن يؤدي غيابه عنها بنسبة محددة إلى حرمانه من التقدم للامتحان النظري، أو التوسط لرفع عقوبة مسلكية عن طالب ما، وذلك لإبراز دور الاتحاد ومنحه مزيداً من القبول والتأييد في أوساط الطلاب، خاصة بين أولئك الذين تم تصنيفهم ضمن شريحة "نريد سلتنا بدون العنب" وذلك لأن الاتحاد إلى جانب سلطته غير معلنة، يتمتع بهامش من حرية الكلام والانتقاد، ويخشى بعض المدرسين في الجامعة من انتقادات الاتحاد في حال وجهت إليهم.

أيضاً دعا اتحاد طلبة جامعة إدلب في تشرين الثاني 2022 لتنفيذ إضراب واحتجاجات طلابية ضد قرار قبول خريجي جامعات نظام الأسد، لكن في الحقيقة كان تدخل الاتحاد بطلب من رئاسة الجامعة، فالإضراب كان قد بدأ في عدد من الكليات، كما انتشرت الدعوات للاحتجاج قبل إعلانها من قبل الاتحاد، فكان تدخله لتأطير حراك الطلاب، ولمعاودة تواصل الجامعة معه كممثل عن الطلاب يتحدث باسمهم، وهو ما حصل فعلاً، فقد تبنى الاتحاد كامل الحراك الطلابي وتوصل إلى تفاهمات باسم الطلاب مع الجامعة، وأنهى الاحتجاجات بقرارات ورقية لم تطبق على الأرض.

تستخدم هيئة تحرير الشام وجامعة إدلب اتحاد الطلبة والهيئات الطلابية كأداة قمع أولية للأصوات الطلابية المتعارضة مع فكرها، لكن مساعي الهيئة لا تتوقف عند هذا الحد

إذاً تستخدم هيئة تحرير الشام وجامعة إدلب اتحاد الطلبة والهيئات الطلابية كأداة قمع أولية للأصوات الطلابية المتعارضة مع فكرها، لكن مساعي الهيئة لا تتوقف عند هذا الحد، فهي لا تطمح لإسكات الأصوات المعارضة فقط، بل ذلك مجرد بداية وتمهيد، قبل أن تحاول الهيئة نشر فكرها ومشروعها الخاص، مشروع "الكيان السني" الذي أطلقه الجولاني قبل عامين، وذلك عبر أدلجة فكر طلاب الجامعات، الذي يعتبر بوابة رئيسية لأدلجة شرائح فاعلة وواسعة في المجتمع.

تعتبر الأدلجة الفكرية نهجاً متجذراً في جامعة إدلب منذ تأسيسها، حتى باتت تهم الأدلجة ترمى على طلاب الجامعة عموماً، هذا وتتنوع أساليب هيئة تحرير الشام في الأدلجة، بين المناهج العلمية والمقررات الرسمية ضمن الجامعة، وبين المحاضرات وندوات التوعية والثقافة والمعسكرات، وبين أنشطة أخرى خارج الجامعة.

دس السم في العسل

تدرس جامعة إدلب عدداً من المقررات الشرعية، التي تعتبر غير تخصصية في جميع السنوات الدراسية لجميع الكليات والمعاهد التابعة لها، وتعرف هذه المواد كونها "مقررات شرعية لغير المختصين"، وتعتبر هذه المقررات مدخل الهيئة الأول إلى أدلجة الطلاب، وفي كل سنة دراسية يرافق الطالب واحداً من هذه المقررات، وهي بالترتيب تصاعدياً انطلاقاً من السنة الأولى: العقيدة الإسلامية، فقه العبادات، المذاهب الفكرية المعاصرة، والسيرة النبوية في السنة الرابعة، ويدرس هذه المواد محاضرون وأساتذة من كلية الشريعة في جامعة إدلب، وتعتبر هذه المواد والمقررات الشرعية بمثابة إحكام قبضة كلية الشريعة -مركز الأدلجة الفكرية- التوجيهية على جميع كليات الجامعة.

تجدر الإشارة إلى نقطة جوهرية وهامة، وهي أن تلك المقررات الشرعية لا تحمل أي أيديولوجيا معينة مباشرة في صفحاتها، فقد راجع موقع تلفزيون سوريا المقررات الشرعية مع لجنة مختصة من الشيوخ، وخلصت اللجنة إلى سلامة المقررات من الإيديولوجيا الخاصة بالهيئة إلا واحداً، يعطى في السنة الدراسية الثالثة، حيث يمكن تلخيص محتوى بقية المناهج بأنها تعطي العلوم الشرعية التي يحتاجها كل مسلم، وهي وفق المذهب السني الحنيف الذي يسير عليه غالبية أهل السنة في سوريا، وتتدرج في السنوات الأخيرة نحو علوم شرعية إضافية لا يحتاجها عامة المسلمين، بل هي بوابة ومفاتيح لمن يريد الغوص والتعمق في العلوم الدينية.

إلا أن سردية الهيئة في الأدلجة تنطلق من علوم شرعية سليمة يحتاجها كل مسلم، تتوافق مع دينه وفطرته، ومن فكرة تحويل الشباب المسلم إلى شباب صالح، وبعدها نقله من شباب صالح إلى "مصلح"، وخلال هذه الجزئية تبدأ ببث أفكارها وأيديولوجيتها الفكرية لا الدينية الخاصة، وذلك من خلال اعتبار أن مشروع الهيئة وكيانها السني هو الخيار الأمثل للمسلمين في سوريا، وضرب الأمثلة عنها وعن كيانها ومؤسساتها كأمثلة مناسبة عن المؤسسات الإسلامية، خلال ضرب الأمثلة لتوضيح الأفكار التي تعطى في المحاضرات، وبحسب مصادر موقع تلفزيون سوريا من داخل كوادر جامعة إدلب فإن الأدلجة الفكرية منطوقة لا مقروءة، فالمدرسون المختارون لهذه المواد يؤثرون في فكر الطلاب ويروجون لمنهج الهيئة ومشروعها.

انتقلت مؤخراً جامعة إدلب إلى مرحلة متقدمة من محاولة فرض إيديولوجيتها حيث باتت تجبر الطلاب على حضور محاضرات هذه المواد غير التخصصية، فأدخلتها في المعدل السنوي لدرجات الطالب، كما قسمت علامتها على قسمين عملي (80%) ونظري (20%)، حيث أن درجة اجتياز العملي هي 8 من 20 درجة، وهي علامة الحضور فقط، دون التقدم لامتحان القسم العملي.

في ظل تعدد أساليب الأدلجة لتطبيقها على الطلاب، لم يكن مستغرباً أن يقدم شرعي جبهة النصرة سابقاً وهيئة تحرير الشام حالياً عبد الرحيم عطون كتاباً من إعداده، ليُفرض كمقرر دراسي على جميع طلاب السنة الدراسية الثالثة في مختلف جامعات محافظة إدلب، حمل الكتاب اسم "معالم في الفكر والثورة"، ويطلق على المقرر اسم "قضايا فكرية معاصرة" كما يكتب في برنامج المحاضرات في الكليات، على الرغم من أن الكتاب لا يشير إلى عطون ككاتب أو مؤلف، بل يشير غلافه إلى أنه من إعداد "شعبة المناهج في كلية الشريعة" إلا أن تلك الشعبة غير موجودة على أرض الواقع، ولا وجود لأسماء مؤلفي الكتاب، وأكدت مصادر من داخل الكلية لموقع تلفزيون سوريا أن الكتاب من تأليف عبد الرحيم عطون شرعي النصرة سابقاً والهيئة حالياً.

يقدم شرعي جبهة النصرة سابقاً وهيئة تحرير الشام حالياً عبد الرحيم عطون كتاباً من إعداده، ليُفرض كمقرر دراسي على جميع طلاب السنة الدراسية الثالثة في مختلف جامعات محافظة إدلب

يحتل كتاب عطون مكانة هامة في عملية أدلجة الفكر التي تسعى إليها هيئة تحرير الشام، وتوجهها نحو الطلاب الجامعيين، كما كان إقراره في السنة الجامعية الثالثة كتسلسل منطقي لإيصال فكر الهيئة إلى الطالب الذي تلقى خلال أول عامين ما يكفي من العلوم الشرعية.

يقسم الكتاب إلى شقين، يناقش الأول المذاهب الفكرية المعاصرة، مثل: العلمانية والليبرالية والحداثة والنسوية، وموقف الدين الإسلامي الصلب من هذه الأفكار والنظريات والتصورات، التي يختلف معها اختلافاً جذرياً في المضمون، كما يصور الفكر الغربي الحديث بوصفه فكراً محصوراً بالمادية والفردية والعقلانية، بينما على النقيض من ذلك يقوم الإسلام على الجوانب الروحية كون مصدره إلهي، كما يتناول الكتاب موضوع الإلحاد المعاصر.

 

 

يستعرض الشق الثاني تاريخ سوريا المعاصر، منذ سقوط الخلافة العثمانية حتى الآن، ويركز هذا الشق على ما وصفها بـ "المعركة الثورية الجهادية" التي يخوضها جيل سوريا الحالي.

في الشق الأول من كتابه هاجم عطون المذاهب الفكرية الغربية في كتابه بشتى السبل، لكنه لم يقل صراحة أن العلمانية أو الليبرالية أو غيرها كفر، رغم أنه أشار بكل ما يمكن الإشارة به إلى ذلك، وربما ترك التصريح المباشر بكفر العلمانية وتكفير العلمانيين للمحاضرين مقدمي المقرر للطلاب، فالتكفير لا يتناسب مع هوية عطون الجديدة.

أيضاً هاجم كتاب عطون النسوية، لكنه تغافل عن وجود أكثر من عشرة منظمات نسوية مرخصة تعمل في إدلب، فعطون يريد من حاملي منهج الهيئة مهاجمة تلك المنظمات والعاملين فيها ومراكزها، بدون أن يكونوا من منتسبي الهيئة، فهو يحشد الرأي العام بطريقة غير مباشرة ضدها.

أما في الشق الثاني من الكتاب فقد صور الكتاب سوريا أنها بلد ذو غالبية سنية، كما تناول الكتاب الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي عام 1925، واعتبر أنه تم تصدير سلطان باشا الأطرش الدرزي كزعيم للثورة، من قبل السياسي عبدالرحمن الشهبندر، إلا أن مفجر الثورة هو الشيخ السني بدر الدين الحسني، واعتبر أن البلاء الأكبر خلال الثورة أبلاه "مجاهدو الغوطة ودمشق" وضرب الكتاب حسن الخراط كمثال عن أولئك المجاهدين على الرغم من كون الخراط يعتبر من الثوار أو "القبضايات" كما كانوا يسمون آنذاك، وكان لديه ارتباطات بشخصيات قومية، ولم يذكر أي من المراجع التاريخية تبني الخراط للفكر الجهادي، إلا أن عطون أراد دمج الجهاد بالثورات في تاريخ سوريا والتركيز على تهميش الجهاديين والإسلاميين وحتى دور السنة عامة.

فيما يتعلق بالثورة السورية عام 2011، انطلق الكتاب من اعتبار اضطهاد السنة من قبل نظامي الأسد الأب والابن سبباً لقيام الثورة السورية، كما دمج الكتاب الثورة السورية بالجهاد، واعتبر أن الشعب السوري يؤمن ويحمل أفكار الجهاد لا أفكار العلمانية على اعتباره شعباً سنياً، واعتبر كلّا من جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام جزءاً طبيعياً من ثورة السوريين.

يقدم الكتاب مزاعم كثيرة أبرزها:

  • السوريون يتطلعون لحكم إسلامي، ولو لم يطلبوه صراحة في تظاهراتهم.
  • حكومة الإنقاذ ومؤسساتها هي درة ثمار الثورة السورية، التي تحول وصفها في الكتاب إلى الكيان (الكيان السني)، وذراعه المدني الذي يستمد مرجعيته من الداخل ويدير أموره السياسية من الداخل.
  • الفصائل العسكرية التي تشكلت مطلع الثورة، انضوت اسمياً تحت "الجيش السوري الحر" من أجل تلقي الدعم المالي والتسليحي بينما كانت معظمها إسلامية.
  • تأسست جبهة النصرة منذ منتصف العام 2011، وتأخر الإعلان عنها حتى مطلع 2012، حتى انتهاء مرحلة التأسيس، والتي نفذت خلالها العديد من "العمليات الاستشهادية"، وبذلك فإن إعلان تشكيل "جبهة النصرة" سبق إعلان تشكيل "كتائب أحرار الشام".
  • التظاهر عمل جهادي فهو من جنس جهاد الكلمة، الذي تبعه وكمّله جهاد السلاح "الغزوات".

يمكن لكتاب عطون أن يختزل سردية الهيئة في أدلجة فكر الطلاب، فعطون انطلق من رفض الدين الإسلامي لأفكار أغلبها غير مرحب به في المجتمع، ووصل إلى مهاجمة أفكار أخرى مقبولة ومعمول فيها مجتمعياً، كما أنه وصل إلى تحريف أجزاء من تاريخ سوريا المعاصر، وتحريف الواقع، ووضع الحقائق أمام الطلاب من منظور واحد.

يخاطب عطون جيلاً نشأ في ظل هيمنة هيئة تحرير الشام وفصائل إسلامية أخرى على إدلب، وغُيّب عنه جزء كبير منه مبادئ وشعارات وأهداف الثورة السورية الوطنية، وتم استبدالها بشعارات ودعوات إسلامية. جيل كان يشاهد جداريات ولافتات طرقية أينما ولى وجهه تقول: "العلمانية كفر" و "الديمقراطية دين الغرب"، وفي الوقت ذاته يمارس الطلبة في الجامعة الآن ديمقراطية هندستها هيئة تحرير الشام والجامعة وحددتها في إطارات وآليات مدعمة بالسطوة والهيمنة، فالطلاب ينتخبون مرشحيهم -الذين توافق الهيئة على ترشيحهم فقط- في اتحاد الطلبة، وتضع الجامعة يافطة كبيرة تدعوهم لتلك الانتخابات.

كلية الشريعة.. خطباء المنابر المستقبليين

أيضاً تمثل كلية الشريعة في جامعة إدلب بيئة خصبة لنشر فكر الهيئة ومشروعها، وذلك من خلال الكادر التدريسي والمناهج التي تدرس فيها، حيث يدرس في الكلية كل من: (عبدالرحيم عطون الشرعي العام لجبهة النصرة سابقاً وهيئة تحرير الشام حالياً، و الدكتور أيمن هاروش أبرز المدافعين عن هيئة تحرير الشام، ومصطفى شبيب رئيس محكمة الجنايات في إدلب، بالإضافة إلى إبراهيم شاشو وزير العدل السابق في حكومة الإنقاذ).

وتعتبر أدلجة طلاب كلية الشريعة بوابة الهيئة للإمساك بمنابر المساجد، وتحويلها هي الأخرى إلى أداة أدلجة للمجتمع.

فالهيئة اليوم تضيق على طلاب العلم وخطباء وأئمة المساجد المناهضين لها، وتمنع بعضهم من العمل عبر وزارة الأوقاف التابعة لها، لكنها في مرحلة متقدمة لن تكتفي بهذا، فهي ستضيق على رجال الدين المحايدين أيضاً، وتريد من جميع العاملين في الجانب الشرعي والديني في إدلب الترويج لمشروعها عبر الدروس الشرعية والخطب على المنابر، ولا يتحقق ذلك إلا بضخ طلاب علم ورجال دين مؤدلجين ومتبنين لفكرها ومشروع "الكيان السني الخاص بها".

كما فصلت الجامعة مؤخراً كلية الشريعة والحقوق إلى كليتين، بعد سنوات من دمج فرعين مختلفين بخلاف قوانين تنظيم الجامعات، التي تتيح دمج الأقسام ضمن الفرع الواحد في حالات محددة، بينما تحظر دمج الأفرع، وقد دمجت الهيئة الفرعين من خلال جامعة إدلب على الرغم من توفر الكوادر اللازمة لافتتاح كل فرع على حدة، إلا أن ذلك الدمج كان له أهداف بعيدة، فالمنظومة القضائية في محاكم الهيئة الشرعية كانت تنص على أن يقوم على المحاكم قضاة شرعيون حصراً، وذلك لإبعاد القضاة المدنيين الحاصلين على شهادات سورية في الحقوق قبل اندلاع الثورة، وفسح المجال أمام شرعييها من خريجي تلك الكلية لتسلم المفاصل القضائية في المحاكم كرئيس محكمة وقاضٍ ونائبٍ عام ووكيل نيابة ومحامٍ ورئيس شؤونٍ إدارية، وذلك عبر مدخل قانوني على اعتبار أن شهاداتهم "شريعة وحقوق".

يرى البعض أن كلية الشريعة هي مصنع الأدلجة في جامعة إدلب، فمنها تنطلق المواد الشرعية التي تقدم للطلاب، ومعها يوفد المحاضرون الذين يدسون منهج الهيئة ومشروعها، باعتباره نموذجاً عن العدل أو حفظ المسلمين وحمايتهم بالإضافة إلى أن وجودها هو الذي يحفظ وجود أهل السنة في سوريا، وبالتالي ضرورة الدفاع عنها بشتى الوسائل والسبل.

في حين يرى البعض الآخر أن الشريعة تمثل مفتاح الأدلجة لا أكثر، فمن خلالها يتم ربط الدين بفكر ومشروع الهيئة.

إضافة إلى ما سبق، تعمل هيئة تحرير الشام على نشر فكرها وأدلجة الطلاب عبر الجانب الثقافي، في الندوات العلمية، واختيار الضيوف الذين يحملون ذات فكرها، وعبر كتاب كافيه، الوجهة والمساحة الثقافية الأبرز لطلاب الجامعات.

 

 

فعلى سبيل المثال عرضت جامعة إدلب ندوات استضافت فيها إياد قنيبي الذي طالما هاجم فصائل الثورة السورية على حساب تنظيم الدولة وجبهة النصرة، و أحمد موفق زيدان المروج الأبرز لمشروع الكيان السني، وشخصيات أخرى تحمل أفكارها، تبث تلك الأفكار في ندوات خاصة أو ضمن ندوات علمية تتصل بموضوع الدراسة الجامعية.

 

 

أبرز تلك الأنشطة كانت "المحاضرة التوعوية"  التي حملت اسم "خماسية التدمير: الإلحاد، النسوية، الإنسانوية، الشذوذ، التفاهة" والتي نظمتها الجامعة عن طريق اتحاد الطلبة، على مدرج الكليات الهندسية.

 

 

كما افتتحت هيئة تحرير الشام "مركز رؤية للتطوير" عام 2022، والذي يعنى بمساعدة الطلاب في اختيار تخصصاتهم ويؤمن لهم السكن المجاني، في ظل ارتفاع أسعار الإيجارات والمواصلات في إدلب، والحالة المادية الصعبة التي يعيشها غالبية السكان، كما يدعي المركز أن من خططه تأمين فرص عمل للطلاب بعد تخرجهم. يستقطب المركز الطلاب القادمين من مناطق بعيدة عن الجامعة، فيقدم لهم السكن المجاني، بعد انتقائهم وفق شروط معينة، أبرزها: أن يكون الطالب ملتزماً دينياً، و ذا معدل جامعي عالٍ، فيجري المركز مقابلات شخصية مع الطلاب واختبارات للقبول في برنامج السكن المجاني، الذي يحصل الطالب فيه إضافة إلى السكن المجاني على وجبتي طعام يومياَ بشكل مجاني، وقاعات للدراسة، ودورات شرعية، ولكون البرنامج مغلقا لا يخرج الطالب من المركز إلا وقت الدوام الجامعي، فالطالب يصلي في مصلى للمركز لا في المساجد القريبة.

يهدف البرنامج إلى تربية الطالب ليحمل "هم الأمة" ويعرف كيف ينهض بالأمة، وتوجيه الطالب إلى المجتمع كمصلح، وزيادة الالتزام الديني في الجامعات، بحسب القائمين على البرنامج.

يتكون البرنامج من ثلاثة مسارات:

  • شرعي: يتضمن دروساً في الفقه والسيرة والعقيدة.
  • تاريخي: يتحدث عن دور المجاهدين في انتصار الأمة بدءاً من ثورة عبدالكريم الخطابي في المغرب وحتى الثورة السورية، التي يستعرض البرنامج أسبابها وأحداثها وأهدافها ومنتجاتها ومكتسباتها.
  • تطويري: يتضمن تعليم فنون ومهارات إدارة الوقت، والحوار، والخطابة، والإلقاء.

يعتبر المسار التاريخي لب هدف البرنامج في أدلجة الطلاب، كما أن بقية البرامج مكملة لبعضها البعض، ويشبهه البعض بالدورات الشرعية المغلقة التي تقيمها الهيئة لمنتسبيها الجدد.

فشل المركز في عامه الأول بسبب الضغط الذي طبقه على الطلاب، فهو يعطي في الفصل الواحد مقرراً دراسياً من 250 صفحة، وذلك ما تسبب بعزوف الطلاب عنه بعد تجربة الفصل الأول، فانطلق العام الماضي بدون مقرر دراسي، وإنما بدروس ودورات شرعية وثقافية تعطى للطلاب عن طريق مشرفين وشرعيين يتابعون الطلاب داخل المركز وحتى بعد انتهاء إقامتهم فيه ضمن البرنامج.

أيضاً من الملاحظ بشدة توجه كثير من طلاب جامعة إلى الدراسة في برنامج "البناء المنهجي" والدراسة فيه لمدة أربع سنوات، خلال فترة الدراسة الجامعية، وعلى الرغم من سلامة مناهج برنامج البناء المنهجي، الذي يقوم عليه دعاة من خارج سوريا، إلا أن جامعة إدلب روجت للبرنامج بطرق عدة، وذلك ليوجه الطلاب نحو العلوم الشرعية السليمة، ومن ثم تكمل معهم هي بفكر الأدلجة الخاص بهيئة تحرير الشام.

 

 

وتعد الأنشطة والندوات التي يعقدها "كتاب كافيه" الوجهة الثقافية الأولى لطلاب جامعة إدلب، وجهاً من أوجه الأدلجة والترويج لفكر الهيئة ومشروعها، خاصة أن "كتاب كافيه" هو إحدى المؤسسات التابعة بشكل مباشر لإدارة الشؤون السياسية.

كما أطلق اتحاد طلبة جامعة إدلب بتمويل من هيئة تحرير الشام منصة توعية دينية تدعوا لتحويل الشباب من صالح إلى مصلح اسمها "سداد".

لا يقتصر الأمر على هذا الحد، بل تحدث رئيس جامعة إدلب مؤخراً خلال لقاء جمع الجولاني بالمتفوقين من الطلاب، عن عزم الجامعة إلغاء الدورة الفصلية الثالثة من أجل التفرغ للطالب وتفريغ الطالب لهم، ليتسنى لهم تأطير الطالب بدورات تكثيفية، تشمل المعسكرات والكشافة وغيرها من الأنشطة، حيث يعتبر تعيين رئيس جامعة إدلب الحالي واحداً من أبرز أوجه أدلجة الجامعة ككل، بعد استثمار هيئة تحرير الشام في الكوادر المدنية لسنوات على رأس هرم الجامعة، أعادت مؤخراً تعيين عبد الحميد الخالد كرئيس للجامعة، وهو أحد أعضاء جبهة النصرة سابقاً، وحاصل على دكتوراه من جامعة إدلب نفسها في العام 2019، وفي تعيين الخالد عودة لكوادر "جبهة النصرة" إلى مراكز صنع القرار علانية، بعد أن كانوا في الخفاء، وهو ما طبقته هيئة تحرير الشام في آخر دورة حكومية قبل تفجّر قضية العملاء وانفجار الوضع في إدلب، والتي وصفت بحكومة النصرة.

يمكننا تلخيص كل ما ورد سابقاً بالقول إن هيئة تحرير الشام تهيمن على جامعة إدلب، وتحاول بشتى الطرق والوسائل أدلجة فكر الطلاب فيها، لكن على الرغم من ذلك ما تزال نسبة الطلاب الذين يحملون فكرها ويؤمنون بمشروعها وكيانها أقل من نسبة الرافضين لفكرها ومشروعها، وذلك وفق استطلاع رأي ذات الشريحة من الطلاب التي تحدث إليها موقع تلفزيون سوريا حول تقبلها فكر هيئة تحرير الشام ومشروع "الكيان السني" الذي تعمل عليه الهيئة، وكانت الإجابات كالتالي:

  • 20% رافضون بشكل علني لمشروع هيئة تحرير الشام وفكرها الخاص.
  • 30% رافضون لفكر ومشروع هيئة تحرير الشام الخاص، لكن بدون تصريح علني.
  • 35% من إجمالي عدد الطلاب لا يؤمنون بفكر ومشروع هيئة تحرير الشام، لكنهم لا يتعارضون معه، فهم يعتبرون أنه المشروع الوحيد للحفاظ على الثورة، و استمرارية الحياة بشكلها الحالي المقبول في إدلب.
  • 15% يؤمنون بفكر ومشروع هيئة تحرير الشام بشكل مطلق وعلني.

ما تزال نسبة الطلاب الذين يحملون فكر "تحرير الشام" ويؤمنون بمشروعها وكيانها أقل من نسبة الرافضين لفكرها ومشروعها

على الرغم من أن الفئة المؤمنة بمنهج ومشروع "الهيئة" قليلة، إلا أنها هي الظاهرة للعلن دون غيرها من الفئات، بحكم تصديرها رسمياً من الجامعة، أو تصدير نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة المجموعات والصفحات المخصصة لطلاب الجامعات، بالإضافة إلى تمتع هذه الفئة بالدعم والنفوذ غير مباشر، فضلاً عن رقابة جامعة إدلب على الأنشطة الطلابية، من أفعال وحتى أقوال، وعلى سبيل المثال فصلت جامعة إدلب كلّا من:

  • الطالب في كلية الاقتصاد إبراهيم شيخ رضوان على خلفية منشور انتقد فيه ترشيح عميد كلية الاقتصاد في جامعة إدلب لعضوية مجلس الشورى بشكل يخالف شروط العضوية المعلن عنها من قبل الهيئة الانتخابية للمجلس.
  • الطالب أحمد طالب من كلية العلوم بقسم الرياضيات على خلفية مشاركته في مداخلة مرئية عبر الإنترنت في المؤتمر التأسيسي لاتحاد طلبة سوريا الأحرار المنعقد في تركيا، حيث قال طالب في مداخلته: "نحن الطلاب مستقلون ولن نسمح لأحد بإدخالنا في صراعات".
  • الطالبان عبد الحميد عبد الحميد و عبدو حاج حسن، من كلية الشريعة والحقوق، بسبب انتمائهما لحزب التحرير الذي تحاربه هيئة تحرير الشام بكافة الوسائل، إلا أن الجامعة عللت سبب الفصل بالإساءة لأحد العاملين في الجامعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وخروج الطلاب عن حدود الأدب في مخاطبة لجنة الانضباط.

كما أحالت الجامعة الطالب ملهم السماعيل من كلية الطب البشري في السنة الرابعة إلى لجنة الانضباط، على خلفية مهاجمته إدارة الجامعة خلال لقاء مصور، خلال تظاهرة لطلاب جامعة إدلب رفضاً لقرار قبول خريجي جامعات النظام، وبحسب مصادر طلابية لموقع تلفزيون سوريا فإن عددا من الوساطات والاعتبارات تدخلت للحيلولة دون فصل الطالب، لكونه مقاتلا سابقا ومبتور الذراع.

جميع تلك الحوادث تدفع الطلبة المناهضين لفكر الهيئة لتجنب الدخول في كثير من النقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الجامعة، وذلك خوفاً من بطش الجامعة المتمثل بلجنة الانضباط، التي يعتبر المثول أمامها بمثابة إنهاء الحياة الجامعية، فهي تقرر ما تشاء، وتتهم الطالب بالإساءة لها إذا ما حاول الدفاع عن نفسه، بحسب ما كشفه الطلاب لموقع تلفزيون سوريا.

لذلك يتصدر أتباع الهيئة وسائل التواصل الاجتماعي فيقدمون طرحهم ويبدون آراءهم ويساندهم جيش من الذباب الإلكتروني التابع للهيئة، كما يحضرون الندوات ويظهرون أمام عدسات الكاميرات، ويعطون انطباعاً معيناً عن جامعة إدلب، بوصفها جامعة متشددة.

احتكار "العلوم السياسية"

وفي ظل غياب الأفق السياسي عند كثير من الطلاب، عملت هيئة تحرير الشام على احتكار فرع العلوم السياسية في منتسبيها دون غيرهم قدر المستطاع.

ففي السابق افتتحت كلية العلوم السياسية في جامعة الشمال، ودرست فيها دفعتان من الطلاب، إحداهما تخرجت والثانية ستتخرج هذا العام، كان من الملاحظ بشدة أن الغالبية العظمى من طلاب الكلية هم من منتسبي "تحرير الشام" و"حكومة الإنقاذ"، باستثناء القليل، ففي الدفعة الأولى كان هناك طالب مدني واحد لكنه يعمل في مؤسسة مدنية تابعة للهيئة، وفي الدفعة الثانية كان هناك 3 طلاب مدنيين فقط.

لم يتوصل موقع تلفزيون سوريا إلى معلومات حول آلية قبول الطلاب سابقاً، لكن بعض المصادر قالت إن دراسة أمنية كانت تجري على المتقدمين من الطلاب المدنيين قبل قبولهم، ولم يتوصل موقع تلفزيون سوريا إلى طلاب تقدموا للدراسة ولم يقبلوا في الكلية.

في العام الماضي أعلنت جامعة إدلب عن إطلاق كلية العلوم السياسية والإعلام فيها، وبذلك تم إيقاف الفرع في جامعة الشمال الخاصة.

مصادر خاصة من جامعة إدلب قالت لموقع تلفزيون سوريا إن كلية العلوم السياسية والإعلام لا تتبع لجامعة إدلب إلا بالاسم فقط، فإدارة الشؤون السياسية (وزارة خارجية مصغرة للهيئة وذراعها المدني حكومة الإنقاذ) هي من أنشأ الكلية، وضخت فيها مبالغ مالية طائلة تقدر بقرابة نصف مليون دولار على تجهيز المبنى لم تدفع منها جامعة إدلب أي دولار، كما أن رواتب العاملين في الكلية من محاضرين وإداريين وحتى الحرس تدفع من قبل إدارة الشؤون السياسية.

من بين أمثلة عجز الجامعة عن التدخل في الكلية، قدوم موظف أرسلته إدارة الشؤون السياسية في هيئة تحرير الشام لاستلام مهامه كموظف في الكلية بدون أوراق تعيين صادرة عن دائرة الشؤون الإدارية في الجامعة، وعندما طلب منه إحضار قرار تعيين من الجامعة من قبل الموظف المعين في ذات الموقع من الجامعة، وجه تحذيراً وتوبيخاً للشؤون الإدارية في الجامعة، وطلب منها عدم التدخل في كلية العلوم السياسية والإعلام.

تعمدت جامعة إدلب ومن خلفها إدارة الشؤون السياسية إطلاق الكلية بعد إعلان مفاضلة التقدم للجامعة، كي لا يتقدم عامة الطلاب للكلية. كما أقامت الكلية اختبارين للقبول فيها، كتابي وآخر شفهي، والنجاح في الكتابي شرط للتأهل إلى الشفهي، وكان من الملاحظ بشكل علني قبول طلاب تابعين للهيئة في الكلية بعد نشر أسمائهم في قوائم الراسبين في الامتحان الكتابي، وهو ما تحدث عنه موقع تلفزيون سوريا في تقرير سابق، أيضاً تحدث طلاب آخرون لموقع تلفزيون سوريا عن نجاحهم في كلا الاختبارين الكتابي وإجابتهم بشكل ممتاز في الاختبار الشفهي، وعدم تواصل الجامعة معهم عندما تواصلت مع المقبولين فقط، وعند سؤالهم عن الأسباب قالت لهم المصادر الرسمية في الكلية إنهم لم يتجاوزوا الاختبار الشفهي، في حين حاول بعضهم التواصل مع شخصيات نافذة وكان الجواب أن الدراسة الأمنية عن المتقدم كانت سلبية ولذلك تم استبعاده عن الفرع.

منذ انطلاق الكلية العام الماضي حاول خريجو معهد الإعلام في جامعة إدلب إكمال دراستهم في الكلية، لكن طلبهم قوبل بالرفض، وبعد الرفض الرسمي حاول الطلاب البالغ عددهم قرابة 40 طالباً إحداث ضجة، عبر الحديث عن الموضوع في الكثير من الأماكن، ولقاء عدد من الشخصيات، حتى تم قبول طلبهم في العام التالي لافتتاح الكلية، حيث تم اعتبار جميع خريجي معهد الإعلام طلابا في السنة الثانية بدلاً من الثالثة، وتم إخضاعهم لامتحان تحديد مستوى وفحص مقابلة، كما تم إجراء دراسة أمنية حول جميع المتقدمين، وتم استبعاد بعضهم.

تضم كلية العلوم السياسية والإعلام في إدلب حالياً نحو 160 طالباً، 95% من هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ والمؤسسات التابعة لهما، إذا ما تم استثناء طلاب معهد الإعلام الـ 30 الذين أدخلوا إلى الكلية .

تضم كلية العلوم السياسية والإعلام في إدلب حالياً ما يقارب الـ 160 طالباً، 95% من هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ والمؤسسات التابعة لهما

بحسب ذات المصادر من كوادر الكلية فإن الكلية تنوي إلزام طلاب معهد الإعلام سابقاً على الدخول في تخصص الإعلام في السنة الدراسية الثالثة من الكلية (تقوم الكلية على سنتين مشتركتين في المواد وتليهما سنتان تخصصيتان وتختلف مواد كل اختصاص عن الآخر) وذلك عبر ثغرة قانونية سيتم استغلالها وهي أن الطلاب في أصلهم من خريجي معهد إعلام، وبذلك تحيدهم هيئة تحرير الشام عن فرع العلوم السياسية الذي تحتكره بأتباعها.

أما عن كوادر الكلية، فأبرزهم أحمد موفق زيدان المروج الأكبر لفكرة "الكيان السني" والداعي للاستلهام من تجربة طالبان في أفغانستان.

أيضاً يحاضر في الكلية عدد من الدكاترة والمحاضرين معظمهم يحملون فكر الهيئة أو يتفقون معه، كما يوجد محاضرون يقدمون محاضراتهم عبر الإنترنت من كل من مصر والمغرب.

يشترك الطلاب من منتسبي تحرير الشام وحكومة الإنقاذ ومؤسساتهما مع زملائهم طلاب معهد الإعلام سابقاً في المجموعات الرسمية المخصصة للكلية على واتساب، أما في المجموعات غير الرسمية فلكل طرف مجموعاته الخاصة، كما هو الحال داخل الكلية وفي الاستراحات، حيث يمثل أتباع الهيئة كتلة صلبة لا يمكن الاقتراب منها، وفق بعض طلاب معهد الإعلام الذين يكملون معهم الدراسة في الكلية حالياً.

وبحسب الطلاب الذين تحدث إليهم موقع تلفزيون سوريا فإن زملاءهم ممن يمكن وصفهم بكتلة الهيئة، يعتبرون بمثابة شخص واحد، فجميعهم لديهم ذات التصورات المسبقة عن الأشياء ويحملون ذات الأفكار وذات العقلية، ويقدمون ذات الإجابة على التساؤلات.

كما هو الحال في كلية العلوم السياسية في جامعة الشمال سابقاً، غالبية الطلاب هم من أصحاب المفاصل العسكرية والإدارية والأمنية ومسؤولي المتابعة والدراسات.

يشحن الطلاب في الكلية بشكل مباشر وكبير للدفاع عن مشروع "الكيان السني" وفي ظل الحراك الأخير ضد الجولاني، يتم تحريضهم في الكلية للنزول إلى الشارع والبقاء مع المواطنين وتوضيح حجم "الخطر الداهم على المحرر" في حال إزاحة الجولاني وبالتالي سيطرة النظام على إدلب. ويأتي هذا التحريض مع دفع معنوي للطلاب بوصفهم قادة المستقبل، وأن المشروع سينجح محلياً وخارجياً بجهودهم كسياسيين مستقبليين.

في قبو مبنى الكلية افتتحت إدارة الشؤون السياسية مركز دراسات خاصا بها يحمل اسم "المركز السوري للدراسات الاستراتيجية" وهو ما يمكن اعتباره حالياً غرفة عمليات ثانوية بعد الجولاني والمقربين منه، فمن المركز تصدر الدراسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وترفع للجولاني للاطلاع عليها وتقديم خطط للعمل ليختار الأنسب منها، وتعود إليه مع اقتراحات وتعديلات ليتم تنظيمها وتوجيهها إلى المؤسسات المعنية ليتم العمل وفقها.

ومن المفارقة أن مركز التدريب هذا يدخله طلاب العلوم السياسية من منتسبي "الهيئة" و"الإنقاذ"، دون زملائهم طلاب معهد الإعلام سابقاً.

أيضاً من المفارقة أن يحضر مسؤول الدراسات في الجهاز الأمني التابع للهيئة الاختبار الشفهي لقبول طلاب العلوم السياسية إلى جانب كل من عميد الكلية ووزير الإعلام، وطرحهم على المتقدمين أسئلة تتعلق بموقفهم من تحرير الشام، ووسائل إعلامها الرديف وشخص الجولاني وشكل الحكم في "المحرر".

من المفارقة أن يحضر مسؤول الدراسات في الجهاز الأمني التابع للهيئة الاختبار الشفهي لقبول طلاب العلوم السياسية إلى جانب كل من عميد الكلية ووزير الإعلام

أيضاً تحاول تحرير الشام احتكار فرع الإعلام في ذات السياق الذي تحتكر فيه كلية العلوم السياسية، إلا أنها قبلت خريجي معهد الإعلام المتوقف سابقاً في جامعة إدلب بعد ضغط شديد، إلا أنها تسعى لاحتكار الخطاب الإعلامي في عموم مناطق نفوذها عبر ضخ إعلاميين مؤدلجين يحملون فكرها، بالتوازي مع التضييق على الإعلاميين المستقلين ووسائل الإعلام، لتبقي على أدواتها الإعلامية التي تصدر فيها شخصيات من النصرة سابقاً ككل من المبدعين السوريين "كرييتف" وإذاعة البنيان التابعة لجبهة النصرة والتي تحولت إلى اسم "راديو الثورة" أو راديو الهيئة كما تسمى محلياً.

يمكن تلخيص كل ما سبق، بأن الادعاءات حول حمل طلاب جامعة إدلب وعموم جامعات المحافظة فكر وإيديولوجيا هيئة تحرير الشام هو انطباع خادع نجحت "الهيئة" في تصديره، وأن طلاب الجامعة يواجهون حرباً فكرية ممنهجة ومكثفة تهدف إلى أدلجتهم فكرياً، لكن كثيرا منهم يحقق صموداً كبيراً أمام كل ذلك الكم الكبير من الوسائل والأساليب المستخدمة في حرب أدلجة الفكر.

الادعاءات حول حمل طلاب جامعة إدلب وعموم جامعات المحافظة فكر وإيديولوجيا هيئة تحرير الشام هو انطباع خادع نجحت "الهيئة" في تصديره

أحد مصادر موقع تلفزيون سوريا الرافضة لفكر الأدلجة من داخل كوادر الجامعة اختصر ما يحدث بالقول: "هذه الأفكار والوسائل الموجهة للطلبة كفيلة بتخريجهم ككوادر في هيئة تحرير الشام واستلام مهامهم في الدفاع عنها والترويج لمشرعها على الفور، لكن هناك إرادة ربانية تحول دون ذلك"، كما أضاف المصدر بأن السبب الأبرز وربما يكون الوحيد الذي يدفع بالطلبة لرفض تلك الأفكار هو أنها صادرة عن هيئة تحرير الشام نفسها، فالجماعة مليئة بالتناقضات والتحولات، ولطالما انقلبت على مبادئها وثوابتها خدمة لمصالحها المتغيرة، كما أن الهيئة وأفكارها مرفوضة مسبقاً من قبل شريحة واسعة من سكان إدلب.

وأكد المصدر على ضرورة استهداف فئة الشباب من خلال البرامج الثقافية والفكرية والمعرفية والسياسية عبر وسائل الإعلام، في ظل تعذر إقامة هكذا برامج على أرض الواقع في إدلب، وذلك "كي يتسلح الطالب بسلاح يحميه من فكر المشاريع اللاوطنية وأدلجتها الفكرية".