سوريا.. صراع مجمد وحسم مؤجل لما بعد التوافقات الدولية

2024.05.01 | 06:36 دمشق

87777777777777777
+A
حجم الخط
-A

دخل الصراع السوري في حالة جمود عسكري وسياسي منذ مطلع 2020، عندما وصلت الأطراف الراعية لمسار أستانا إلى نهاية مرحلة تدوير الزوايا، حيث عمل النظام السوري وداعميه على استكمال الحسم العسكري بالسيطرة على شمال غربي سوريا، بالمقابل تمسك تركيا ومن خلفها الدول الداعمة بفرض وقف لإطلاق النار بين النظام السوري والمعارضة، وفرضه أمراً واقعاً من خلال الانتشار العسكري المباشر للقوات التركية على خطوط التماس.

لم تفلح بعد عام 2020 جميع المحاولات الرامية لتحريك العملية السياسية، وبقيت جولات اللجنة الدستورية التي انعقدت حتى عام 2022 دون نتائج تذكر، واقتصرت على نقاشات العصف الذهني بالخطوط العريضة، ليلتحق بعدها الملف السياسي بالعسكري، ويدخل هو الآخر بمرحلة جمود ونفق مظلم، وسط انشغال الدول الفاعلة في سوريا بالأزمات التي تتالت على الساحة الدولية.

الحرب الأوكرانية وتدهور العلاقات الأميركية الروسية

قبل الغزو الروسي لأوكرانيا بأشهر، كان الحديث يدور في الأوساط الأميركية الروسية عن انطلاق حوار استراتيجي من أجل نقاش الملفات العالقة بين الجانبين على مستوى العالم، لكن قرار بوتين بغزو أوكرانيا وضمِّ أراضٍ جديدة تبعه رد فعل أميركي وغربي شديد، على خلاف ما حصل في أعقاب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، حيث انخرطت واشنطن والعديد من الدول الأوروبية في دعم أوكرانيا عسكرياً واستخبارياً وسياسياً، الأمر الذي أدى لتوتر كبير في العلاقة بين موسكو وواشنطن.

أولى آثار التوتر الروسي الغربي على الملف السوري، تمثلت بضغط روسيا على النظام السوري من أجل التوقف عن حضور جلسات اللجنة الدستورية وتعطيل الحل السياسي، متذرعة بإهانة سويسرا لدبلوماسيين روس والتأخر في منحهم تأشيرات لحضور جلسات اللجنة الدستورية السورية، وأتبعتها روسيا بتغاضٍ مقصود عن تصاعد النشاط الإيراني في البادية السورية المتاخمة للحدود العراقية وعلى مقربة من قاعدة التنف الأميركية، بالإضافة إلى الجنوب السوري على حدود الجولان المحتل.

التمدد الإيراني أثر إلى حد كبير على مسار التطبيع العربي مع النظام السوري، خاصة مع الأردن المتضرر الأكبر من نشاط الميليشيات المدعومة إيرانياً قرب حدودها، نظراً لعمليات تهريب السلاح التي باتت تحاول القيام بها هذه الفصائل لإيجاد نفوذ إيراني داخل الأراضي الأردنية، كما أن استعادة إيران لزخمها في سوريا أسهم إلى حد كبير بعرقلة حدوث تفاهمات بين تركيا والنظام السوري، حيث لعبت طهران دوراً فعالاً في دفع النظام للتمسك بمطلب انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، الأمر الذي قوضت محاولات عقد تفاهمات تركز على التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وتسهيل عودة اللاجئين السوريين.

تعطلت كل المساعي الإقليمية الرامية لإحداث اختراق في جمود الحالة السورية، وحالت دون إنجاز توافقات بين الفاعلين الدوليين لحل الإشكاليات العالقة.

من جهتها أظهرت الولايات المتحدة الأميركية تمسكها بمنطقة الشرق الأوسط عموماً، وسوريا من ضمنها، لأنها فيما يبدو ترغب بإيقاف مسارات التقارب بين دول المنطقة التي تبحث عمن يملأ الفراغ الأميركي وروسيا التي حرصت على استغلال تراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة منذ عهد إدارة أوباما.

وفي إطار إظهار التمسك الأميركي بالوجود في الشرق الأوسط، أعادت البحرية الأميركية انتشارها في بحري الأحمر والعرب، وزادت مستوى التنسيق مع اليمن والبحرين، ورفضت المطالبات بالانسحاب من الأراضي العراقية، وعززت من نشاطها في سوريا، ودخلت في مسار لتصحيح العلاقات مع كل من تركيا والسعودية.

أدت التطورات السابقة إلى تعزيز حالة المراوحة في المكان ضمن الملف السوري، فتعطلت كل المساعي الإقليمية الرامية لإحداث اختراق في جمود الحالة السورية، وحالت دون إنجاز توافقات بين الفاعلين الدوليين لحل الإشكاليات العالقة.

ارتدادات حرب غزة

أدت الحرب في غزة التي اندلعت بعد تنفيذ فصائل المقاومة الفلسطينية لعملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 لارتدادات على الملف السوري، أبرزها ازدياد حرص الفاعلين الدوليين على تثبيت خطوط الاشتباكات وعدم امتداد الحرب في غزة إلى الجبهة السورية، في ظل النفوذ الإيراني وانتشار الفصائل المدعومة من طهران ضمن الأراضي السورية.

الحرص على استمرار حالة الجمود العسكرية تجلى في عودة النقاط العسكرية الروسية إلى ريف القنيطرة، بعد أن قلصت موسكو بشكل متعمد من حضورها قرب الجولان لإتاحة المجال للنشاط الإيراني بهدف الضغط على إسرائيل، رداً على دعم الأخيرة لأوكرانيا في مواجهة روسيا، كما دخلت موسكو في محادثات غير مباشرة مع إسرائيل بوساطة إقليمية هدفها تحييد سوريا عن المواجهة الدائرة في غزة، وهذا التوجه حظي بدعم النظام السوري الذي يتخوف من أن تمتد الضربات الإسرائيلية الوقائية التي تستهدف النفوذ الإيراني لتشمل مسؤولين في النظام، وبالفعل حافظ الجميع على تحييد سوريا عن الصراع الدائر، لدرجة أن إيران لم تستخدم الأراضي السورية خلال ردها على استهداف إسرائيل لسفارتها في دمشق شهر نيسان/ إبريل من العام الجاري، واكتفت بهجمات بالطائرات المسيرة انطلقت من الأراضي الإيرانية مروراً بأجواء العراق.

إنهاء حالة الجمود في سوريا وتحريك قطار الحل بات مرتبطاً إلى درجة كبيرة بمستقبل الصراع الغربي الروسي في أوكرانيا.

بالمقابل، فرضت واشنطن مزيدا من العزلة على النظام السوري لأنه في نهاية المطاف جزء لا يتجزأ من النفوذ الإيراني، وفي هذا السياق أجاز الكونغرس الأميركي قانون كبتاغون 2، الذي يؤكد على تورط النظام السوري بتجارة المخدرات ويصنفها ضمن التهديدات الإقليمية والدولية، الأمر الذي سيفتح المجال لاحقاً لتدخلات أميركية أوسع في سوريا تخدم سياساتها العامة الرامية لوضع مزيد من الضغوط على النفوذ الإيراني، وبالمحصلة هذا يقلص قدرة الدول الإقليمية على التحرك في الملف السوري لأنه قد يجعلها عرضة للعقوبات الأميركية في حال انخرطت بعلاقات اقتصادية مع النظام.

من الواضح أن إنهاء حالة الجمود في سوريا وتحريك قطار الحل بات مرتبطاً إلى درجة كبيرة بمستقبل الصراع الغربي الروسي في أوكرانيا، وما إذا كانت الأطراف ستعود لطاولة المفاوضات لعقد توافقات حول جميع الملفات الخلافية، بالإضافة إلى التوافقات الثنائية بين الفاعلين الدوليين على الملفات الخلافية، مثل مستقبل العلاقة الأميركية الإيرانية ومدى إمكانية العودة إلى الاتفاق النووي من عدمه وبالتالي سيتضح التعاطي الأميركي مع طهران من حيث تقبل نفوذها الإقليمي أو تقليصه، وأيضاً مصير المحادثات الأميركية التركية ونتائجها المتعلقة بمستقبل شمال شرقي سوريا والدعم الأميركي لتنظيم قسد.