يوم كتب أبو فستوك تقريراً بوزير الثقافة

2020.01.20 | 23:00 دمشق

agha_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

بدخول وزير الثقافة رياض نعسان آغا على الخط، وإقامته ندوةً فكرية عن الأديب الكبير الراحل حسيب كيالي في مدينة إدلب ثم تسمية قاعة رئيسية في المركز الثقافي باسم حسيب (2006)، ارتفع مستوى الصراع بين المخبر أبي فستوك و"خصومه" إلى مستوى غير مسبوق.

الكتلة الرئيسية من خصوم أبي فستوك تنحصر فينا نحن أدباء محافظة إدلب، وقد كان، في البداية، متطوعاً لإيذائنا، ثم كُلِّفَ بذلك رسمياً من جهتين هما فرع الأمن العسكري بإدلب ورئاسة اتحاد الكتاب العرب بدمشق، فأصبح مُطَالَبَاً بكتابة التقارير بحقنا لتينك الجهتين إما بِرِضَاهُ، أو غصباً عن الذين خلفوه.. والكتلة الثانية هي الأدباءُ السوريون من المحافظات الأخرى، وهؤلاء بدورهم ينقسمون إلى ثلاث شرائح، الأولى تتألف من الأدباء الطيبين "الدراويش" الذين لا سند لهم عند أركان النظام ولا دعم، مثلنا، والثانية تضم مجموعة من الأدباء المقربين من مراكز القوى الأمنية والعسكرية (بحكم قرابات أسريّة أو علاقات مناطقية)، وأما القسم الثالث ففيه قلة قليلة من الذين يشتغلون بصفة مخبرين، يعني مثل بطل سيرتنا أبي فستوك/ أَجَلَّكُم الله.

لم يكن أبو فستوك يميز بين ثلاثِ الشرائح من الأدباء الأغراب في البداية، لأنه، كما تعلمون، لا يمتلك الفطنة اللازمة لمثل هذا التمييز

لم يكن أبو فستوك يميز بين ثلاثِ الشرائح من الأدباء الأغراب في البداية، لأنه، كما تعلمون، لا يمتلك الفطنة اللازمة لمثل هذا التمييز، ولكن حادثة وقعت بينه وبين أحد عناصر الشريحة الثانية، شريحة الأدباء المدعومين، جعلته يُفَرْمِل، ويعد للألف قبل أن تسول له نفسه بأن (يطحش) على أحد ما خارج نطاق محافظة إدلب.

ملخصُ الحادثة أن أبا فستوك التقى بذلك الأديب المدعوم في الاجتماع الشهري لجمعية الشعر الذي يُعقد في مبنى اتحاد الكتاب العرب بأتوستراد المزة- دمشق، وبعد السلام والتحية والتي واللُتَيَّا بدأ أبو فستوك يتقرب من الأديب، ويكيل أمامه المديحَ بالقناطير لبشار الأسد ذلك القائد الشاب الدكتور العصري الحداثوي الذي يقود الشعب والبلاد نحو العلم والتكنولوجية والمعلوماتية والتوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني.. ولم ينسَ أن يمدح حافظاً، القائدَ الخالدَ الذي أسس هذه الدولة العظيمة، وبنى هذا الصرح النضالي الكبير، وقال للرجل ما معناه إن الفضل في كل هذا الصمود يعود إليكم أنتم المناضلين الذين تعيشون في هاتيك المنطقة التي جاء منها القائد، ويمكن اعتبار منطقتكم قلعة للصمود والتصدي.. إلى آخره.

يبدو أن صاحبنا الأديب معتاد على هذا النوع من "العلاك"، فبقي صامتاً، منتظراً الخلاصة التي يرمي إليها أبو فستوك، وعندما وجده ماضياً في العلاك قاطعه قائلاً: الله يخليك. هذا من لطفك. تسلم يا حبيب. قلي، بشو بقدر إخدمك؟ ووقتها وجد أبو فستوك الفرصة مناسبة للبوح، فقال: بصراحة أنا عاتب عليكم. منذ أيام وأنا أقرأ أخباراً في الصحف عن أدباء معادين لسيادة الرئيس موقعين على بيان الـ 99 وبيان الألف تقام لهم أمسيات أدبية في مناطقكم، وهذا تقصير منكم، إذ بإمكانكم أن تراجعوا الجهات الأمنية و..

قاطعه الأديب المدعوم قائلاً: شوف خيي، أولاً نحن أدباء، مو طراطير عند فروع الأمن، تاني شي إنته بأي صفة عم تحكي هالحكي؟ قال أبو فستوك: أنا شاعر وعضو في الاتحاد.. فقال الأديب: أنت عضو في الاتحاد، أي والله صحيح، أما إنك شاعر فبحضي وبديني لو إنك ما بتكتب شعر أحسن إلك وللعملية النضالية اللي كنت مَ تحكي عنها، وتالتاً، بظن إني هاي آخر مرة راح تتجرأ وتحكي معي بهيك قصص، لسبب بسيط هوي أنا مو رجل تافه مثلك!

وتركه ومشى، بينما ارتفعت أصابع أبي فستوك تلقائياً إلى خده ليقتلع الشعرة التي يتوهم وجودها هناك منذ الأزل.

كان الدكتور رياض يمشي في رَكب سلطة الأسد. هذه حقيقة لا يمكن القفز من فوقها، أو المرور بجوارها، ولا إخال رياضاً ينكرها. ولكن سلوكه في فترة توليه وزارة الثقافة كان مختلفاً عن سلوكات متولي السلطات. وفيما يخص هذه السيرة، أقول إنه لم يكن يبالي بحقل النشاط الخاص بأبي فستوك.. ففي حين تمكن أبو فستوك من إرعاب مديري المراكز الثقافية إلى حد أنهم شطبوا أسماءنا من قائمة الأدباء الذين يدعونهم لإقامة أمسيات أدبية، جاء هو يدعونا، بالاسم، لحضور سلسلة من المناسبات، الأولى هي ندوة تكريم حسيب كيالي، والثانية مهرجان أبي العلاء المعري، والثالثة مهرجان الفنون الشعبية، وصار منظمو مهرجان الفنون يدعون أحد أدباء محافظة إدلب لتقديم هدية رمزية لرئيس فرقة الفنون الفائرة بالمسابقة، ويعتبرون ذلك تكريماً للفرقة الفائزة. وحينما كان رياض يرتجل كلمة أمام الضيوف كان يشيد بنا واحداً واحداً، ويقدم معلومة يراها أبناءُ محافظتنا غريبة، وهي أن بعض أدباء إدلب (الذين وسمهم أبو فستوك بالعمالة والخيانة) لهم شأن ووزن على مستوى الثقافة الوطنية، ومعروفون حتى خارج سورية..

في ظل نظام الأسد المخابراتي ليس مستغرباً أن يُكْتَبَ تقريرٌ بوزير، بل العكس، أعتقد أن الوزراء هم أكثر الناس الذين تكتب بحقهم تقارير، ولكن هناك طبقة من كتاب التقارير الكبار، على مستوى العاصمة، هم الذين يقومون بهذا العمل

لم يكتب أحدٌ منا كلمة مديح واحدة لشخص رياض نعسان آغا حينما كان في مواقع المسؤولية، وهذه تُحسب لنا بالطبع، وأما تكريمه حسيباً ووقوفه في صف الأدباء المغضوب فهو موقف شجاع يحسب له..

وإذا كان لا بد من العودة إلى أبي فستوك فسوف أسجل هنا نادرتين أعتقد أنهما طريفتان..

تتلخص النادرة الأولى في أن أبا فستوك (طق عقله) حينما اطلعَ على قائمة أسماء المشاركين في مهرجان المعري، وشوهد وهو يجري في شارع القصور باتجاه فرع الحزب وفرع الأمن العسكري "المتجاورين"، حاملاً القائمة، وقيل إنه زار الفرعين خلال أقل من ساعة، وفي كليهما كان يدخل مكاتب أعضاء فرع الحزب وضباط فرع الأمن بالتتالي، ومن دون سلام أو تحية يقول الكلمة التي كان يرددها أحد مجانين إدلب القدامى: زَلْزَلِتْ. ويضيف: تعا تفرج يا رفيق، هذا نهار تاريخي، أعداء السيد الرئيس بشار الأسد كلهم مشاركون في مهرجان أبي العلاء.

النادرة الثانية: علمنا، في تلك الأيام، أن أبا فستوك قد كتب تقريراً بحق الوزير رياض نعسان آغا، بسبب هذه المشاركة.

ملاحظة: في ظل نظام الأسد المخابراتي ليس مستغرباً أن يُكْتَبَ تقريرٌ بوزير، بل العكس، أعتقد أن الوزراء هم أكثر الناس الذين تكتب بحقهم تقارير، ولكن هناك طبقة من كتاب التقارير الكبار، على مستوى العاصمة، هم الذين يقومون بهذا العمل.. (يعني مو أبو فستوك)!