يوم الأرض السوري

2022.04.06 | 05:58 دمشق

4832112576.jpg
+A
حجم الخط
-A

مر يوم الأرض بهدوء نسبي هذه المرة من دون احتفالات تذكر، فالعالم ما زال مذهولاً بأحداث متعاقبة جعلت من الاحتفال بيوم الأرض أمراً ليس في المتناول ولم يجد له مكاناً في ازدحام الكوارث المتعاقبة.

الحرب في أوكرانيا وتداعياتها وتبعاتها، الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها العالم أجمع والخوف من انفجار أزمة غذائية جعلت العالم في سباق مع الزمن لتخزين أكبر قدر من المؤونة، والأهم من ذلك قمة النقب التي وضعتنا في مواجهة استسلام وخذلان كبيرين بخصوص القضية الفلسطينية.

العالم في جنون تام يسيطر على أبعاده، في وقت ما يزال السوريون مغتربين في تيههم من دون وطن، ويبحثون عن قطعة أرض صغيرة يستطيعون الانتماء إليها أو يتمنون أن يحظوا ولو بجدار أمان صغير يستندون إليه.

يعاني السوريون اليوم من تضييق ظروف اللجوء وتصعيب شروط الحياة في كثير من الدول، الأمر الذي جعل خيارات كثيرين منهم تصبح ضيقة أو معدومة مما اضطرهم إلى حمل الحقائب مجدداً والبحث عن منفى جديد أو التفكير في العودة إلى البلاد وهذا لا يقل كارثية عن شروط أي منفى آخر في ظل الظروف المحيطة.

فإذا أخذنا بعين الاعتبار الوضع الاقتصادي المزري في الداخل السوري إضافة إلى انعدام شروط الأمن والأمان وانعدام وجود أفق لأي حل في المستقبل القريب، يكون خيار العودة لا يقل عن كونه انتحارا لم يبق منه مفر، وهذا بحد ذاته إشارة مهمة حول تعاسة شروط الحياة التي يعتقد العالم أنه أمنها بشكل مثالي للاجئين السوريين الهاربين من بطش الآلة العسكرية.

التحدي الأكبر الذي يواجهونه هو حالة النبذ من معظم مكونات وأفراد تلك المجتمعات ورفض وجودهم فوق أرضهم واعتبارهم عبئا يحاولون التخلص منه

في استطلاع بسيط لآراء السوريين المنتشرين في بلاد اللجوء فإن كثيرا من التحديات تواجههم في المجتمعات الجديدة، في وقت يعانون فيه حالة الاغتراب أو الشعور بالحنيين والضياع أو صعوبة البدء من تحت الصفر وتعلم لغة جديدة وتقبل ثقافات المجتمع المحيط.

إلا أن التحدي الأكبر الذي يواجهونه هو حالة النبذ من معظم مكونات وأفراد تلك المجتمعات ورفض وجودهم فوق أرضهم واعتبارهم عبئا يحاولون التخلص منه بالطرق كافة، عدا عن وجود أحكام مسبقة بالتخلف والإرهاب على الرغم من أن كثيرا من اعتقاداتهم قد تكون مشوبة بأخطاء كثيرة، وأن اتهاماتهم تنم عن أنهم غير ملمين بتفاصيل الحالة السورية كاملة، لكنهم وعلى الرغم من ذلك يصرون على رفض وجود غرباء على أرض بلادهم.

ترافق ذلك الرفض المجتمعي مع انتشار وتمدد الفكر اليميني المتطرف في أوروبا والعالم بشكل عام، ذلك أن مثل ذلك الفكر يعلي شأن وقيمة الانتماء على حساب الحالة الإنسانية، ولذلك فإن رفض وجود لاجئين هو هدف أساسي لمؤسسي تلك الأحزاب ومنظريها ومريديها، بينما تنبذ حقوق الإنسان مثل تلك السلوكيات وتعلي القيم الإنسانية على حالة التطرف الأعمى ويعد التعصب فكراً شائناً وغير مقبول ويعتبر من يمارسه عنصرياً لدى من يؤمنون بتلك الحقوق.

في دراسات علمية حديثة أثبتت النتائج عدم وجود ما يدعيه الراديكاليون بنقاء بعض الأعراق وصفائها الخالص، إذ أوضحت الدراسات أن اختلاط الأعراق وتزاوجها أدى إلى عدم وجود عرق صاف ونقي، وأن الشعوب عبارة عن خليط من أعراق مختلفة، فالأوروبيون لا يتمتعون بجينات أوروبية صافية على سبيل المثال ولا الأفارقة ولا العرب، وأن ادعاءات أي عرق بتفوقه على الآخر هو ادعاء يعتمد على إيديولوجية ممنهجة لا على حقائق علمية.

يتكون المجتمع البشري من شعوب وقبائل متفرقة، تطور مع الوقت وبدأ يبحث عن الاستقرار ورغبة الانتماء قبل تكوّن مفهوم الدول، ولم يكن يوجد مفهوم تملك الأرض لأنها ملكاً للشعوب قاطبة من غير حدود ولا جوازات سفر، لكننا كبشر وقعنا فريسة لأيديولوجيا صنعها الساسة والحكام في عالم يتغول شيئاً فشيئاً حتى أصبح قابلاً للانفجار في أية لحظة.

بين الفكرة والواقع يبقى السوريون اليوم معلقين من غير أمل بالخلاص لأنهم لا يجدون لأقدامهم مكاناً ضئيلاً يستطيعون أن يرموا فيه حمولتهم من الألم والذكريات

إن حالة الشعور بتفوق أعراق على أخرى حالة غير صحية وغريبة إلى حد كبير، خصوصاُ في ظل عالم يعاني من كل هذه المشكلات الصحية والاقتصادية والعسكرية التي يعاني منها بنو البشر في مواجهة تغول رأسمالي بغيض، قادر على تطويع الكوكب بكل أعراقه وانتماءاته بما يتوافق مع مصالحه وما يتماشى مع رغبته بتحقيق الربح.

بين الفكرة والواقع يبقى السوريون اليوم معلقين من غير أمل بالخلاص لأنهم لا يجدون لأقدامهم مكاناً ضئيلاً يستطيعون أن يرموا فيه حمولتهم من الألم والذكريات وعاجزون عن بناء أعشاش دائمة في بلاد المنافي، وبسبب عدم مقدرتهم على العودة إلى البلاد التي تمتد فيها جذورهم في الوقت الذي سرق النظام وأعوانه انتماءهم وأحلامهم، وجعلوا منهم شعباً مشرداً هائما على وجهه بحثاً عن قطعة أرض صغيرة يسكنها ويصنع منها وطناً له.