يوتوبيا الكورونا..

2020.03.13 | 23:00 دمشق

860x484.jpg
+A
حجم الخط
-A

في خطوة مفاجئة، تشي بتغير في المسار والعقلية، أفرجت السلطات الإيرانية عن قرابة سبعين ألف معتقل من سجونها المكتظة بالمساجين السياسيين و سجناء الرأي وغيرهم، و لكن السبب لم يكن عفواً قدرياً من أولي الأمر، وليس تغييراً في منهج الدولة في التعاطي مع ملفات حساسة منها الحريات و الديمقراطية وتقبل الرأي الآخر ، بل كان السبب هو الذعر الذي ضرب الجمهورية الإسلامية بسبب فيروس الكورونا، والذي بات يصيب من قيادات النظام الإيراني مثل ما يصيب من الشعب المسكين، ومن المفارقات العجيبة أن مدير لجنة مكافحة أزمة الكورونا قد أصيب بدوره بالفيروس المستجد المتطور.

لقد خشي الملالي من مجزرة رهيبة قد تفتك بعشرات الألاف من السجناء إن انتشر الفيروس في سجون طهران المظلمة، وكانت تقارير سابقة قد تحدثت عن حصول إصابات بالفعل في تلك السجون ولكن التعتيم الإعلامي كان مرعباً فلم يتم تأكيد المعلومة.. ولكن من يشاهد السعادة المرتسمة على وجوه السجناء المفرج عنهم بسبب الخوف من كورونا، فقد يدرك مدى عبثية الموقف، فالسجانون يرتدون الأقنعة الشهيرة الواقية من انتقال فيروس كورونا، بينما السجناء السعداء يتجولون بابتسامات عريضة وناعمة، يصافحون بعضهم البعض، ويقبلون أقربائهم ممن ينتظرونهم خارج بوابات السجن، السجناء لا يخشون الكورونا، فقط الجلادون..

في مشهد آخر سوريالي من عقابيل الكورونا، صفاء الجو والبيئة المفاجئ، وخلو الأجواء في الصين من أكثر من تسعين بالمائة من حجم تلوثها قبل إعلان الحجر الصحي على ثالث أكبر مدينة في الصين (ووهان). حيث توقفت المعامل وتوقفت المداخن العملاقة، مئات آلاف السيارات توقفت تحت منازل أصحابها، فثلاث مدن بحجم خمسين مليون مواطن، قد باتت تحت الحجر الصحي، وتحت منع التجول، لربما سيزداد عدد تلك المدن مع تصاعد المؤشرات... ولكن ومن رحم تلك الكارثة الفيروسية، عاد للكوكب قليل من حيويته.

في مشهد قل نظيره، ولربما هو الأول من نوعه، حظرت النشاطات الدينية في أكثر دول العالم تفاعلاً مع الدين، في الفاتيكان أغلقت ساحات الصلوات الكبرى، والكنائس أغلقت، في الهند أوقفت الصلاة في نهر الغانج، في مكة توقفت العمرة والطواف، توقفت التجمعات الدينية الكبرى في إيران في قم ومشهد، وفي العراق في النجف وكربلاء... تجمع البشر بات مرعباً، الكورونا يضربهم مجتمعين، بات الإنسان مجبراً أن يجلس في بيته يأكل ويشرب ويتأمل، دون عمل دون عبادة أو صلاة، ودون تلوث أو سجون...إنها يوتوبيا الكورونا، حلم الإنسان في الراحة دون قلق، أي قلق ، قلق من الله أو قلق السلطة وسجونها، أو قلق المستقبل..

على الرغم من الخسائر الفادحة في الاقتصاد، إلا أن هذا الحلم يبدو ممكناً، وها هو يتحقق، فعلى سبيل المثال رصيد الصين المالي يكفي شعبها مائة عام دون عمل، وربما كذلك هو رصيد الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وروسيا، والدول الأوروبية... ولكن رغبة الإنسان في استعباد أخيه الإنسان هي أقوى من أي حلم في تحقيق العدل والمساواة والحرية.. حيث بقي الإنسان المستغل يبدل في أشكال السلطة وينقل في تبدلاتها، كي يبقي سيطرته على الثروة ويتحكم بباقي أفراد المجتمع المستغلين، تارة باسم الدين وتارة باسم الشعب وتارة باسم الحرية والقضية، ولكن الاستغلال يبقى هو الاستغلال من واشنطن إلى بكين إلى طهران إلى دمشق وبيونغ يانغ أنظمة متعددة ومختلفة لا يجمع فيما بينها إلا عشق السيطرة على الشعوب واستغلالها.

نظام رأسمالي استطاع تسليع كل شيء وإعادة إنتاجه كي يصبح منتجاً يقبض ثمنه، من الفن إلى الرياضة إلى الدين وحتى الصحة.. وما فيروس كورونا القادم من اللاشيء إلا رد الطبيعة على انفلاتنا كبشر، حيث أغلق متحف اللوفر حيث تحتجز الفنون مقابل النقود، وأغلقت الملاعب الرياضية حيث تحتجز الرياضة من أجل المال، وأغلقت المعابد والمدن الدينية من أجل سلب المؤمنين النقود، وتباعد المرضى كي لا ينقلوا العدوى لبعضهم مما منحهم قدراً أكبر من الاهتمام الصحي، دون أن تتم معاملتهم ككتل بشرية متجانسة.. الحيوانات التي تأكل خف الطلب عليها، والحيتان والقرود والأسماك والكلاب والقطط والخفافيش التي يأكلها البشر تنفست الصعداء قليلاً... ليس كل ما يتحرك يؤكل.

إنها الطبيعة إذ تعيد النصاب لكل شيء، إنها الأرض التي بخلل واحد تعطينا إنذاراً كبيراً عما حصل، أو من الممكن أن يحل، ربما ليس هذه الأيام، ولكنه حتماً قادم إذا ما استمر الحال كما هو عليه.

كلمات مفتاحية