"وهذه هويتي" تخون أصحابها في أوروبا

2021.03.03 | 00:00 دمشق

eafgcmjxyaabtp5.jpg
+A
حجم الخط
-A

45 يوماً من انطلاق الثورة السورية ضد نظام الأسد عام 2011 م، كانت كافية ليعلن المجند وليد القشعمي ابن محافظة درعا انشقاقه عن صفوف الحرس الجمهوري وانضمامه للثورة بإطلاق عبارة "وهذه هويتي"، والتي اتخذها الضباط وصف الضباط والجنود المنشقون شعاراً لهم على مدار الأشهر والسنوات التالية من عمر الثورة.

بعدها بأشهر قليلة وفي ظل المجازر التي ارتكبتها قوات النظام الأمنية بحق المتظاهرين السلميين، بدأ أصحاب الضمائر الحية من العسكريين يتسللون خلسة إلى بيوتهم، يحملون أطفالهم ونسائهم و بقايا ذكرياتهم، يُقبِّلون آباءهم وأمهاتهم قبلة الوداع الأخير، يترنحون على دروب التهجير الوعرة تحت ظلام دامس، يعتريهم الرعب من الموت برصاص كمين هنا أو هناك، تمزقهم الأسلاك الشائكة عند المنافذ الحدودية غير الرسمية، تلتقفهم أيادي المخابرات الأجنبية والتحقيقات اللامنتهية، يُفصَلُ الآباء عنوة عن زوجاتهم وأطفالهم، يُنقلون إلى مخيمات سرية بمثابة سجون مفتوحة، وأخيراً يطلبون إعلان انشقاقهم عبر مقطع فيديو مسجل سابقاً،  بقي أمانة عند أصدقائهم في الداخل السوري.

منتصف عام 2012 وتحديداً مع بدء العطلة الصيفية للطلاب، كانت مخيمات دول الجوار السوري تغص بآلاف المنشقين، معظمهم كان يرغب بالعودة إلى سوريا وحمل السلاح لمواجهة ميليشيات الأسد وحلفائه دفاعا عن المدنيين، إلا أن مخابرات الدول المسماة بـ " أصدقاء الشعب السوري" حاولت بشتى الطرق والأساليب منع عودتهم وانضمامهم للجيش الحر تحت ذرائع عديدة أهمها عدم وجود "أرضية آمنة" لعودة كبارة الضباط وتسلم القيادة بدلاً من القادة المدنيين.

إلى فرنسا وألمانيا على سبيل المثال لا الحصر، وصل عشرات المنشقين وعانى معظمهم الأمرّين دون الحصول على أوراق لجوء سياسي أو حماية إنسانية

بداية عام 2016 ومع اليأس والفقر والحاجة التي نالت من مئات المنشقين خارج البلاد، قرر بعضهم دق أبواب سفارات الدول الأوروبية لتقديم طلبات لجوء، أو خوض مغامرة موت جديدة رفقة عائلاتهم عبر ركوب أمواج البحر بحثا عن مستقبل أفضل لهم، لكن لم تمضِ شهور قليلة على وصولهم حتى بدأ الانشقاق يتحول إلى كابوس فوق رؤوسهم.

إلى فرنسا وألمانيا على سبيل المثال لا الحصر، وصل عشرات المنشقين وعانى معظمهم الأمرّين دون الحصول على أوراق لجوء سياسي أو حماية إنسانية، فيما تم اعتقال وسجن الأسوأ حظاً منهم كالمساعد المنشق إياد غريب أو الرائد المنشق سامي الكردي ضمن محاكمات انتقائية وغير عادلة.

ولا بد هنا من تفصيل طريقة لجوء المنشقين في أوروبا وفي فرنسا تحديداً:

- في حال كان المنشق ضابطاً أو صف ضابط أو مجنداً ضمن الخدمة الإلزامية في جيش النظام لمدة زمنية محددة، فإنه يخضع لسلسلة من المقابلات مع مكتب حماية اللاجئين (الأوفبرا) قد تمتد لعدة سنوات، وبعد تحقيقات طويلة من قبل هذا المكتب التابعة لوزارة الداخلية بالتعاون مع أجهزة المخابرات الفرنسية وضمان عدم ارتكاب أي "جرائم ضد الإنسانية"، يُمنح المنشق حق اللجوء السياسي لمدة 10 سنوات تحت المراقبة.

- في حال كان المنشق بمختلف الرتب العسكرية عاملاً أو متطوعاً في الجيش، فيُضطر للخضوع لتحقيقات عديدة مع مكتب حماية اللاجئين مع وجود عناصر مخابرات فرنسية، وبعد سنوات من التحقيقات وضمان عدم ارتكابه "لجرائم حرب" تُمنح عائلته فقط حق اللجوء بمعظم الأحيان دون قبول أو رفض لجوئه، ويبقى بمرحلة انتظار طويلة.

- في حالة الشك بمشاركة المنشق بأي عملية اعتقال أو قمع للمظاهرات أو قتل للمتظاهرين، يرفع مكتب "حماية اللاجئين وعديمي الجنسية" تقريراً للمخابرات العامة الفرنسية بضرورة استجوابه، ومن ثم سجنه مؤقتاً ريثما يُحال إلى المحكمة الجنائية الفرنسية للبت بقضيته، وهو ما جرى تماماً مع الرائد المنشق سامي الكردي والذي ثبتت براءته لاحقاً.

اليوم يعيش أبطال الأمس ومفخرة الثورة ومن رُميَ بالورود وحُمِلَ على أكتاف المتظاهرين، أياماً عصبية يملؤها القلق والتوتر والخوف من المصير المجهول هنا في أوروبا بعد وضعهم جميعا في قفص الاتهام، الخوف ليس من النظام وحاشيته بل من رفاقهم "المناضلين" في ثنايا الثورة خشية رفع قضية كيدية أو اعتباطية ضدهم، بينما يقرع ضباط الأسد ومرتكبو المجازر والمذابح بحق مئات آلاف السوريين كؤوسهم احتفالاً بصمت المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية عنهم، وشماتةً بزملاء الأمس وضمائرهم ونزقهم وثورتهم.